تقرير/ بشرى الغيلي ـ لا ميديا

لم تأتِ مقولة: (اعطني مسرحاً... أعطك شعباً مثقفاً)، من فراغ، فوعي الشعوب صنعته المسارح ورسائلها الفنية الهادفة.. وساحتنا الثقافية غيّب فيها المسرح، ومعظم الأنشطة الثقافية المهمة، نتيجة العدوان الذي يعانيه شعبنا للعامِ الرابع على التوالي، فالأوضاع السياسية أخذت الحيز الأكبر، وانعكست سلبياتها على حياةِ المواطنين ومعاناتهم اليومية، وجعلتهم يتعطشون للحظات ابتسامة جميلة يصنعها الفن الهادف من خلال خشبةِ المسرح. وأياً كانت الأسباب التي غيبت دور الفن، والمسرح على وجه الخصوص، فإن ذلك لا يعفي الجهات المختصة من الاهتمام بهذا الجانب الذي كان في حالة موت سريري.. وبمجرد أن تم الإعلان عن مسرحيةٍ سيتم عرضها على مسرح المركز الثقافي، حضر الجمهور بكثافة، لدرجة أنه تم إرجاع الكثيرين من بوابةِ المركز، مما يدل على أن الشعب اليمني يحب الفن، ويتطلعُ للحظاتٍ جميلة تصنعها الكوميديا الهادفة..

جمهور متعطش للفن
الزمان: الرابعة عصراً، المكان: المركز الثقافي بالعاصمة صنعاء.. العائلات والناس تتوافد زرافات ووحداناً، شباناً وشابات، صغاراً وكباراً، جميعهم حضروا ليشاهدوا المسرحية التي تم الإعلان عنها (كي كي)، والتي عُرضت على خشبة المسرح، لملك الكوميديا محمد قحطان، والفنان طارق السفياني، والفنانة منى علي، وقيس السماوي، والطفلة ريهام جبران، وآخرين، حيث كان مضمون المسرحية عن جشع الآباء وزواج الصغيرات.
المسرحية من إخراج الفنان المبدع عبدالله يحيى إبراهيم، الذي خص (لا ميديا) بتصريحٍ حياها فيه لاهتمامها بالفن والمسرح، وقال: هذا شيء جميل أن من بين وسائلنا الإعلامية نجد من يهتم بالمسرح، ويخصص له مساحة، بعد أن كنت أعتبره ميتاً سريرياً، فالمسرح حالياً بدأت تنتعش روحه، ويعود من جديد. 
وفي رده على سؤال (لا ميديا) عن الجمهور الذي كان حضوره لافتاً، قال: ذلك النجاح والحضور كان نتيجة تراكم جهود أعوام سابقة، حاولنا من خلال مؤسسةِ الوفاء أن نقدم أعمالاً مسرحية جميلة ترتقي بكل من يحضرها، تحترم المشاهد وتحترم حضوره. ويضيف: الجمهور توافد بعد أن نالت استحسانه مسرحيتان سابقتان هما: (حلا حالي) من إنتاج مؤسسة القيادات الشابة، ومنتج منفذ مؤسسة الوفاء، ومن بطولة الفنان القدير يحيى إبراهيم، ومجموعة من النجوم، وبعدها جاءت مسرحية (بدون عنوان) من إنتاج المدرسة الديمقراطية، وبطولة يحيى إبراهيم أيضاً. وتميزت مسرحية (حلا حالي) بخيال الظل والبلاك لايت، فيما تميزت مسرحية (بدون عنوان) بالرقص التعبيري، والمسرحية الأخيرة (كي كي) من إنتاج المدرسة الديمقراطية، ومنتج منفذ (كيو آند تي)، ومن بطولة الفنان محمد قحطان وآخرين. 
وأكد إبراهيم أن توافد الناس في المسرحيات الثلاث كان كبيراً جداً، وأن كثيرين رجعوا من حوش المركز الثقافي وبوابة المسرح، وقال: نحن تألمنا لرجوعهم، ونحن عملنا الدعوة مجانية، لنخلق ثقافة مسرحية، ونعرِّف العالم أجمع أن المسرح مازال موجوداً لمحبي المسرح والمتعطشين للحضور، رغم الأوجاع وما يعانيه وطننا الغالي، لكن حاولنا صنع الابتسامة من خلال رسالة الفن والقضايا الاجتماعية التي تناقش من خلال المسرح، ومن خلال الفن، بطريقة جميلة وأكاديمية راقية.
غياب الاستثمار في هذا الجانب
وبما أن خشبة المركز الثقافي هي الوحيدة لعرض الفنون المسرحية، والأقرب من ناحية فنية للفنان، ومن خلال الإمكانيات المتوفرة، إلا أنها حرمت الكثير ممن حضروا، مما يدفع المنظمين إلى العمل على تلافي مثل هذه السلبيات، ومحاولة إيجاد أماكن أكثر استيعاباً للحضور. يوضح إبراهيم جانباً مهماً في هذه النقطة: كون المسرح يوضح الكثير، ويعري السلبيات المغيبة والمبهمة، ولأنه يخاطب الوجدان والروح، يصل بالإنسان إلى أرقى حالات الوعي، والفن هو واجهة البلد.
ودعا إبراهيم، في ختام تصريحه، المهتمين، وأصحاب رؤوس الأموال، إلى أن يتجهوا للاستثمار في هذا الجانب، وأن يوجدوا مكاناً يليقُ بالجمهور اليمني، ويتسع لعدد كبير من الناس، ويكون مجهزاً بكل الإمكانيات، لكن للأسف الكثير يتخوفون من الدخول في الجانب الاستثماري، حسب تعبيره.
ووجه عبدالله إبراهيم، كمخرجٍ للعمل، شديد اعتذاره لمن عادوا من بوابةِ المسرح، كون المكان لم يستوعب حضورهم، ووعد بأن يكون العمل القادم معداً بشكلٍ أجمل، والترتيب فيه بشكل أفضل، ومحاولة تجنب السلبيات السابقة.

منعطف
إذن، ذلك هو الإنسان اليمني، راقٍ بطبعه، ويحب أن يُعطى مساحة أكبر من الاهتمام به، ليتفاعل مع كل الرسائل الموجهة إليه بمختلف القوالب الفنية، وأن تعطى أهمية كبيرة للفن ليؤدي رسالته العظيمة من خلال إيجاد مسارح وتجهيزها لأداء رسالته، وكون المسرح هو الذي ارتقى بذائقة الشعوب ثقافياً، واجتماعياً، وإنسانياً.