طلال سفيان/ لا ميديا

على رمال سواحلنا الغربية تتلقن القوات الغازية دروساً قاسية، وتتحول الشطآن والأودية إلى مستنقع دم ومقبرة  لا نجاة منها لأي من يحاول أن يدنس كرامة وسيادة هذه  البلاد الطاهرة المقاومة لكل أشكال المهانة.
مثلث الموت
منذ صباح الخميس الفائت تشهد جبهة الحديدة هدوءاً حذراً، في ظل استمرار وصول تعزيزات عسكرية من قبل الطرفين (الجيش واللجان الشعبية وقوات الغزاة والمرتزقة) إلى محيط المدينة. 
وعلى الرغم من تبادل القصف المدفعي وبشكل متقطع, إلا أن الملاحظ لوقائع المواجهات سيدرك أن مناطق الاشتباك تسودها أجواء هادئة (حذرة بمعنى أوضح) نتيجة تراجع وتيرة الغارات الجوية التي ينفذها طيران التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي في المدينة ومحيطها، حيث سجل يوم الخميس الفائت تنفيذ طيران العدوان لغارة واحدة في المنطقة الواقعة بين قوس النصر و(كيلو 16) في مديرية الحالي.
وجاء تراجع حدة المواجهات (التحام مباشر وبمختلف الأسلحة) في محيط (كيلو 10) بالقرب من قوس النصر، و(كيلو 16) جنوب شرق مدينة الحديدة، عقب انتقال المواجهات، يومي الثلاثاء والأربعاء الفائتين، إلى غرب محيط (كيلو 16)، وفي اتجاه المنطقة الصحراوية، وفشل الغزاة ومرتزقتهم في تحقيق أي خرق عسكري يذكر في اتجاه المراوعة بحسب المخطط الإماراتي، بعدما عجزت عن إحراز أي تقدم في اتجاه مدينة الحديدة.
وتشير مصادر ميدانية واكبت معركة (الكيلو 10) إلى أن قيادة الجيش واللجان حيدت ببراعة طيران الدرونز الأمريكي أيضا عن المعركة وأتاحت حرية التحرك والمباغتة على الأرض لوحدات الجيش واللجان المتعددة.
وتؤكد منظومة الدفاع العسكرية للجيش واللجان الشعبية اعتمادها على خطة الدفاع والمواجهة في المعركة الأساسية التي شهدت تفاصيلها الأساسية منطقة (الكيلو 10) منتصف الأسبوع قبل الماضي، حيث جرى استيعاب المهاجمين بتكتيك معد تدربت عليه قوات الجيش واللجان الشعبية، أتاح تحييد سلاح الجو المعادي بشكل كامل، وأتاح كذلك ترشيد القوات المهاجمة إلى مجموعات تندفع ضمن أقواس إلى دوائر يتحكم بإيقاع المعركة فيها قوات الجيش واللجان.

قوس النصر
بفعل الدفاع القوي الذي واجهته قوات الغزو أثناء تقدمها في مدينة الدريهمي من قبل قوات الجيش واللجان، دفع تحالف العدوان بكل ثقله العسكري وغيّر مساره العسكري الأسبوع قبل الماضي وصعد المواجهات نحو منطقة الدوار ومنصة 22 مايو وقرية المنظر في محيط مطار الحديدة الواقع في نطاق مديرية الدريهمي، في محاولة للتقدم باتجاه المدينة، إلا أنه وكالعادة لم يحقق أي تقدم على الأرض بعد مواجهات دامت عدة أيام، فالتف عسكرياً من شرق الدريهمي باتجاه (كيلو 10) القريب من (كيلو 16), الذي يعد المدخل الأهم وخط الدفاع الأول لمدينة الحديدة ومينائها.
يوم الجمعة 7 سبتمبر الجاري تقدمت جحافل المرتزقة مسنودة بمرتزقة أجانب وغطاء جوي كثيف من قبل طيران التحالف عبر منطقة صحراوية تقع جنوب شرق مدينة الحديدة وتربط بين شرق مديرية الدريهمي و(كيلو 10)، وبعد مواجهات عنيفة تمكنت القوات الموالية للإمارات من الوصول إلى مشارف (كيلو 10)، إلا أن تلك القوات تراجعت مساء ذات اليوم إلى المزارع الواقعة في ضواحي (كيلو 10)، وتمركزت في اليوم التالي على بعد 5 كلم من صوامع الغلال.
ليبقى أمر الزحف الكبير الذي بدأته قوات ألوية العمالقة والمشكلة في غالبيتها من أفراد وقيادات تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية وقوات المرتزق طارق عفاش انطلاقا من تمركزها في قرية المنظر في الجهة الجنوبية لمطار الحديدة بداية سبتمبر الحالي، وصولا إلى قرية الزعفران والجريبية في الجهة الجنوبية لمنطقة (كيلو 16)، انتهى بعد 16 يوما من الزحف والمعارك إلى وضع مشابه للحالة القائمة جنوب غرب مطار الحديدة، حيث مازالت السيطرة كاملة للجيش واللجان الشعبية على منطقة (كيلو 16) والخط الاسفلتي الرابط بين جولة السفينة ودوار المطاحن على مدخل مدينة الحديدة وانكفاء المرتزقة إلى ما بعد نحو 8 إلى 10 كيلومترات في الصحراء جنوب منطقة (كيلو 16).
وبحسب مصادر ميدانية ومن سكان المنطقة, تؤكد المعلومات لصحيفة (لا) أن تواجد تلك القوات يقتصر الآن على الصحراء شمال شرق المطار جنوبي (كيلو 16)، وهي تحت الاستهداف المدفعي والصاروخي والضغط الناري للجيش واللجان الشعبية.

العودة إلى النقطة الأولى
يوماً بعد آخر, تتآكل مناطق سيطرة قوات تحالف العدوان ومرتزقتهم في الساحل الغربي، فتلك القوات التي شنت هجوماً جوياً وبحرياً وبرياً على المناطق الواقعة قرب (كيلو 10)، وحاولت التقدم نحو مثلت (كيلو 16), بهدف عزل الحديدة عن بقية المحافظات، بالإضافة إلى قطع كافة الإمدادات التجارية والإغاثية عن المحافظات الشمالية القادمة من ميناء الحديدة، ها هي اليوم تفقد المزيد من المناطق الاستراتيجية في جبهات الساحل الغربي. 
عادت المعركة مؤخراً أدراجها إلى النقطة الأولى، فالأحداث التي رافقت اليوم الثاني لزحف مرتزقة العدوان على منطقة (كيلو 16) تشير إلى أن مرحلة تقطيع الأوصال في الساحل الغربي اتخذت منحى جديدا، حيث قطعت قوات الجيش واللجان الشعبية الطريق الساحلي بشكل نهائي والخط الترابي المستحدث من قبل مرتزقة العدوان وصولا إلى البحر في منطقة الجاح الأسفل ومنطقة السمسرة والمواقع المجاورة لهما والسيطرة عليها بالكامل، وقطعت بذلك نهائيا خط الإمداد البري الوحيد لقوات المرتزقة المتقدمة في قرية المنظر (جنوب غرب مطار الحديدة) وقرية الزعفران (جنوب منطقة الكيلو 10). وصباح الأحد الفائت شنت قوات الجيش واللجان هجوما على مواقع تمركز المرتزقة  بقرية المنظر والجهة الجنوبية الغربية لمطار الحديدة واستعادت مناطق كانت قد خسرتها, وأدت هذه العملية إلى التضييق على المرتزقة جنوب (كيلو 16) وانكفائهم إلى الصحراء في تجمع معزول عن تمركزهم في تلك القرية الواقعة غرب مديرية الدريهمي، وشنت قوات الجيش واللجان الشعبية الأربعاء الماضي هجوما كبيرا استمر سبع ساعات على شمال وشرق وجنوب مدينة حيس وتم خلالها الوصول إلى متارس العدو وإلحاق خسائر فادحة بأرواح وعتاد المرتزقة، وتقدمت قوات أخرى لتقطيع أوصال المرتزقة  وقطع خطوط إمدادهم بالقرب من الخوخة، وسيطرت على عدد من المناطق من بينها قرية الموشج الرابطة لخط الخوخة-التحيتا-الدريهمي. ونظرا لعمليات التقطيع التي نشطت بها قوات الجيش واللجان بالتزامن مع معركة (كيلو 16), امتصت هذه العمليات إلى حد كبير زخم الهجوم الكاسح للمرتزقة الذين أصبحوا محشورين بين طرق يضيق الخناق حولها يوما فآخر, وأضحى فقط الإسناد الجوي والبحري منفذهم الوحيد لتلقي الإمدادات لتجمعاتهم المعزولة.

أفخاخ وأوهام 
انطفأ وهج الضوء الأخضر الأمريكي وتعرت أخبار النصر الوهمي للتحالف بعد أن منيت قواتهم الأحد الماضي بهزيمة ثانية خلال أقل من أسبوع، وذلك بعودة تلك القوات إلى منطقة (كيلو 16) في محاولة منها لفك الحصار المفروض عليها في قرية المنظر جنوبي (كيلو 16) وحتى يكون لديها القدرة على بدء هجوم آخر على منطقة (كيلو 16) لكنها فشلت، وتكبدت خسائر مادية وبشرية جسيمة.
ووفق آلة إعلامية ضخمة لتحالف العدوان ومرتزقتهم تعتمد الكذب والتضليل ونشر الانتصارات الميدانية فقط على الحبر والشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي, احتفى مرتزقة العدوان بتقدمهم باتجاه (كيلو 16)، عقب إعلان التحالف بدء هجوم متعدد المحاور على مدينة الحديدة.
السبت قبل الماضي ذكرت وسائل إعلام العدوان أن معارك الحديدة تدور في الطريق المؤدي إلى منطقة (كيلو 16) التي تربط الحديدة بصنعاء، في تراجع واضح عن مزاعمهم خلال الأيام الماضية السيطرة على المنطقة ووصول المعارك إلى أطراف المدينة.
ونقلت قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية أن المعارك بين أتباع التحالف وقوات صنعاء (الجيش واللجان الشعبية) تدور في الطريق المؤدي إلى منطقة (كيلو 16)، وهي المنطقة التي شهدت هزيمة قاسية للتحالف ومرتزقتهم الذين خسروا 20 آلية وعشرات القتلى وعلى رأسهم قائد المعركة عدنان الحكمي اليافعي القيادي في تنظيم داعش  ورئيس عمليات اللواء الثالث عمالقة أحد ألوية العمالقة التي يقودها قياديون منشقون عن تنظيم القاعدة بايعوا أبو زرعة المحرمي أمير داعش في حضرموت، الذي عقد صفقة مع الإماراتيين للانتقال والقتال في الساحل الغربي.
وفي مؤشر إلى اعترافها بفشل الهجوم البرّي للسيطرة على الحديدة، لوّحت الإمارات باللجوء إلى الهجوم البحري، حيث نشرت صحيفة (البيان) الإماراتية الرسمية خبراً عن هجوم بحري للسيطرة على الحديدة خلال الأيام القادمة. ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية لم تسمها أن العملية العسكرية المرتقبة ستكون عبر “هجوم وعملية إنزال واسعة للقطع البحرية للتحالف باتجاه الميناء بغطاء جوي لمقاتلات التحالف, فيما تحدث مرتزقتهم عن تنفيذ الإمارات لعملية إنزال بحري لـ(اللواء 113 عمالقة) بأكثر من 700 جندي داخل منطقة الكثيب غرب المدينة، وذلك في محاولة منهم لإثارة الرعب والخوف في أوساط المدنيين.
وهو النهج المثير للسخرية ذاته الذي يتبعه إعلام العدوان, حيث سبق أن سربت سائل الإعلام الإماراتية خبراً مماثلاً في يونيو الماضي بعد أيام من تعرض أتباع الإمارات لهزيمة قاسية خلال محاولتهم السيطرة على مطار الحديدة.
بالإضافة إلى ذلك حالة الهزل والهشاشة والصراع التي تصاحب قوات مرتزقة العدوان مع كل مواجهة, وأبرز أمثلة ذلك ما نقلته المواقع التابعة للعدوان بأن قوات طارق عفاش انسحبت عند اشتداد معركة الحديدة الأخيرة وتحولها لصالح قوات الجيش واللجان الشعبية وتركت قوات العمالقة المندفعة معزولة تواجه مصيرا مأساويا.