قال السيد عبدالملك وهو ينقل إلينا الخبر: تمنيت لو افتديت الصماد بنفسي وأولادي


حوار : صلاح العلي / لا ميديا

«لم يترك خلفه ثروة ولا سلطاناً، بل ترك موقفاً وقضية، وذلك يعني لنا كل شيء».. تلك إفادة عادل علي الصماد، شقيق الرئيس الشهيد صالح الصماد، خلال زيارتنا لهم في «بني معاذ». وفي هذا الحوار يتطرق عادل إلى جانب من ذكرياته مع أخيه الشهيد، ولحظات حميمية بينهما، وماذا كان الشيء الأحب إلى قلبه، وخلال ذلك لم تكن لتخفى الغصة في صوته ومصارعته الدمع الأليم المتكثف في العينين الشاردتين تارة والهاربتين منا تارة أخرى، إذ إن الفاجعة لاتزال حية لديه ولدى أسرته لكأنها كانت بالأمس.. عادل فقد زوجته خلال الحرب السادسة إثر استهداف الطيران السعودي منزلهم، وهنا يروي لنا تفاصيل تلك اللحظات العاصفة حين اهتزت بهم الأرض وشاهدوا أعمدة الدخان الكثيفة تتصاعد... إليكم الحوار.

 • بداية شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة لنا للقائكم، وعظم الله أجركم وأجر جميع أبناء اليمن بهذا المصاب الجلل. نحن في ذكرى استشهاد الرئيس صالح الصماد ونحاول أن نجمع عنه من التفاصيل والذكريات وعن حياته الشخصية كإرث يؤرخ لشعبنا اليمني حاضراً ومستقبلاً..
أهلاً بكم شرفتمونا، ونحن سعداء بهذه الزيارة من قبل صحيفتكم "لا"..

كان يشرح لنا ما يستعصي علينا فهمه
 •  أولاً، أود أن أعرف كيف كانت علاقتك مع شقيقك الشهيد خلال طفولتكما؟
الشهيد هو أكبر مني بحوالي 7 سنوات، هو من مواليد 79م، وأنا مواليد 86م، وأتذكره وقد كان يدرس الإعدادية في منطقة "الطلح" التي تبعد عنا حوالي 25 كيلومتراً، في مدرسة تدعى "مدرسة المناضل عبد الله بن مناع"، وفيها أكمل الثانوية، بينما درس الابتدائية في مدرسة "عبد الله بن مسعود" القريبة من قريتنا.. طبعاً كان هو الأكبر بيننا، ووقع على عاتقه الاهتمام بنا، فعرفته قدوة لنا وجاداً مهتماً بالعلم والمعرفة، ولحقته أنا في فترة كان منشغلاً بالتعلم ودراسة علوم القرآن على أيدي علماء أجلاء، منهم العلامة نجم الدين المؤيدي، وبعد تخرجه من الثانوية دَرَّس الخدمة في "مدرسة عبد الله بن مسعود"، وبعدها انتقل إلى المعهد العالي للمعلمين، وتخرج من المعهد، والتحق بالجامعة لدراسة البكالوريوس في علوم القرآن بعد أن حفظه كاملاً.
كنا نمرح معه ونسعد كثيراً إلى جانبه، وتشرح صدورنا حين نراه ونجلس إلى جانبه ونحدثه، وأجمل من ذلك حين كان يقوم بشرح الدروس لنا، فعندما نعجز أنا أو زملائي عن أي شيء في الرياضيات أو الإنجليزي، كنا نذهب إليه، فجلسة شرح واحدة منه بدراسة عام في المدرسة، وحرص جداً أن نتعلم، ودائماً ما حثنا على التعلم.
كانت هذه اللحظات الأحب إلى قلبي.

كثير الانشغال بالتعلم
 •  أي أنك لم تكن تلتقي به كثيراً؟!
بالطبع ليس ذلك نهائياً، لكن كان كثير الانشغال بالتعلم، وكلما كان يتقدم بالعمر كان انشغاله يزداد بشكل أكبر، ومع انطلاقه في المسيرة صرنا لا نلقاه إلا نادراً هو وأخواي الشهيدان، خاصة مع ظروف الملاحقة من السلطة، وكنت أمر بفترات قلق عليه كبيرة، وكذلك والداي، خاصة في الحرب الثانية خلال العمليات الفدائية في مدينة صعدة لفك الضغط والحصار عن نشور.

الدعاء له لم يفارق لسانيهما
 • هل كان أبواك يعاتبانه لغيابه الطويل؟
أبواي كانا يشتاقان له كثيراً، لكنهما يعلمان أنه ليس متعمداً.. كان أبي يحبه كثيراً، فهو ولده البكر، ورأى فيه شيئاً عظيماً من فترة مبكرة، والدعاء له لم يكن يفارق لسانيهما... 

مصدر فخر واعتزاز
 • كيف كان ينظر إليه والدك رحمه الله؟
رحمة الله عليه، كنت أرى عيني والدي تشعان خلال استماعه إلى الشهيد حين يتحدث حول مسألة هامة أو حدث ما، أو يشرح الملازم، وترتسم ابتسامة الفخر والشعور بثمرة تربيته.

لهذا تعلق الناس به
 •  كيف تصف لنا شخصية الشهيد في طفولته وشبابه؟
هو كان بطبعه مجداً مجتهداً، إذا أصر على شيء حققه، حاد الذكاء وفطناً. ومن سماته البارزة قدرته القوية على تمييز الأشخاص وتقييمهم والحكم عليهم ولو من خلال لقاء واحد. أتذكر أن أبناء قريتنا كانوا يتبعونه كقائد لهم دون أن يفرض ذلك أو يطلبه، فالقيادة كانت فيه منذ الصغر، وله تأثير علينا كبير، وآراؤه وما يطلبه منا كنا لا بد أن نفعله بمحبة، وأتذكر إذا حدث وعاتبني أو أنبني على شيء كان ذلك يؤثر بي، فأستسمحه مباشرة.
وفي الوقت نفسه كان طيب الخلق كريماً ودوداً سموحاً صبّاراً قنوعاً أبداً لم أعرف منه تأففاً أياً كان الحال، كان مسارعاً لخدمة الآخرين وعونهم، وإذا حدث أن أخطأ بحق أحد –وهذا كان نادراً- سريعاً ما يراجع نفسه ويستسمح منه، ويتألم ضميره لذلك، كما يتألم بشدة إذا قصر بحق أحد، أو لم يستطع أن يساعد من يحتاج إلى العون. كان خفيف الظل باسماً دائماً لطيف المزاح، لا يقتنص الأخطاء أو يحب العتاب والحقد وتذكر مساوئ أحد، وكان يستطيع أن يقلب كل حال وموقف هَم وكدر إلى موقف ضاحك بشكل سريع. ولذلك لست أتفاجأ بسر تعلق الناس به، والمحبة الكبيرة له والثقة به من قبل السيد عبد الملك الحوثي وإجلاله الكبير للشهيد.

مكالمة قبل يوم من استشهاده
 • قلت إن لديه المقدرة على المرح وتلطيف الأجواء وقلب الهموم إلى العكس، اذكر لنا موقفاً منها؟
من المواقف العالقة ببالي كثيراً كان في آخر مكالمة بيننا وهو في الحديدة، قبل استشهاده بيوم تقريباً. اتصل بي –وهو يتواصل بي بشكل يومي تقريباً، ليطمئن على أحوالنا، خصوصاً في فترة انتقاله إلى صنعاء, وكعادته يطمئن علينا وعلى أبنائي خاصة حسن وشقيقته، ثم لاحقاً سألني: "ها، قد نزل مطر؟"، وكنا في ذلك الوقت ننتظر الموسم لنقوم بزراعة الذرة، وقد تأخر، والجو سيئ جداً بهبوب رياح وعاصفة غبار كثيفة، فرددت عليه: "لا, ولا شي، ما جاء غير ريح وغابري"، فكان رده بعد أن ضحك: "إلا حالي، لاجل يغطي عليكم من الطيران".. فضحكنا ونسيت هم الموسم والزراعة والمحصول الذي نحتاجه.
أيضاً موقف والدي بعد أن قصف الطيران منزلنا في الحرب السادسة، وكل ما كان يمتلكه من ثياب وجنبية ووثائق وغيرها صارت تحت الأنقاض، كان الشهيد يقف بجانب والدي وهو صامت، ويريد أن يواسي أبي قليلاً، وإذا به يقول: "أنت داري يا باه إنهم خسروا لاجل يضربوا البيت قنابل قيمتها نص مليون ريال سعودي"، وإذا بوالدي -رحمه الله- يبتسم كذلك ويلتفت إليه ويقول له: "سهل يا بني ما يغلى على أبوك صالح".

 • على ذكر قصف منزلكم، هل كان هناك ضحايا؟!
نعم كان هناك ضحايا.. لقد استشهدت زوجتي و6 من أطفال ونساء ورجال القرية، رحمهم الله.

استشهدت زوجتي بغارة سعودية
 • هل تذكر تفاصيل الجريمة؟
كان ذلك بداية الحرب السادسة، وتحديداً في ثاني يوم من بدء التدخل السعودي في الحرب إلى جانب السلطة، وبدء غاراتها على المدنيين، فكنا أول هدف في قائمة اليوم الثاني للغارات..
صباح ذلك اليوم، كنا جميعاً خارج المنزل منهمكين نحن ووالدنا بالأرض، النساء أيضاً كن خارج المنزل، كل منهن في مهمة، لم يبق في المنزل غير ابني وابنتي، رضيعين, الأول عمره 6 أشهر والبنت كانت بعمر سنتين، بينما والدتهما كانت على مقربة من المنزل.
فجأة إذا بالانفجار يهز القرية، فشاهدنا الدخان المتصاعد، فهرول الجميع نحو المكان والهواجس تتربص بنا، وكلما اقتربنا تأكدنا أنه منزلنا، وبوصولنا كان كل شيء قد سوي بالأرض.. والمنزل هو دار من الطين أصبحت حبات غبار في الهواء.
وجدت زوجتي شهيدة على مقربة من المنزل، وبينما الجميع يبحث تحت الأنقاض كانت المعجزة، أن الطفلين نجيا بفضل من الله.
ولدي حسن، وسميته على اسم أخي الشهيد، كان محبوباً كثيراً من الرئيس الشهيد، ودائم السؤال عنه وعن شقيقته، وفي اتصاله الأخير أول ما بدأ بالسؤال عنهما، وكانت تلك عادته.

ضريبة لموقفنا
 • هل كنت غاضباً لذلك، أو قمت بمعاتبة أحد تحت تأثير الصدمة حتى؟
بالتأكيد كنت حزيناً بشدة، لفقدنا زوجتي، ولتيتم طفليَّ اللذين تركتهما لي وغادرت الحياة، ولانتهاء مأوانا، ولهم أبي وأخي.. غير أننا احتسبنا ذلك لله كما علمنا وربانا الشهيد، ودوماً كنا متحسبين لمثل هكذا أمور كضريبة لموقفنا. فالشهيد الصماد آلمهم وأوجعهم كثيراً، وكان شوكة في حلوقهم، وفكك مربعاتهم في المديرية، وقطع عليهم الطريق من أن يتوغلوا في مناطقنا عبر المجتمع أو عسكرياً.
وأنا على العكس، اكتشفت وتأكد من أشياء جديدة، أن أولئك المجرمين كانوا على استعداد لفعل كل شيء وجلب حتى أمريكا وإسرائيل لقتلنا.

كل منطقة هي قريته
 • متى كانت المرة الأخيرة التي جاء فيها إلى هنا والتقيتم؟
تقريباً قبل أن يصعد إلى المجلس السياسي الأعلى. كان منشغلاً تماماً، ولم يعد مسؤولاً عن عائلة أو جبهة أو منطقة بعينها، بل عن بلاد وشعب بأكمله، وهنا سيكون متعاملاً بإنصاف وعدالة، وستكون زياراته إلى كل مكان، لأن كل منطقة صارت هي قريته وبلاده، وأهلها هم أهله..
طبعاً الوضع الأمني كان يفرض عليه حركة معينة، ومع ملاحقة الطيران له ولأسرته ورقابته على بني معاذ بشكل متواصل، لم يقدر على الوصول إلينا.. وفي بعض المرات حدث أن أتى إلى بني معاذ دون أن يعلم أحد، ثم غادر.

لم أحتمل خبر استشهاده
 • عند استشهاد الرئيس، من الذي واسى الآخر؟ أنت أم والدك؟
بالتأكيد والدي، كان أكثر صبراً وتصبراً واحتساباً وداعياً الله أن يقبل منه ما قدم، بل إنه واسى الجميع وهم يبكون بين يديه، كان شامخاً، لا يمكن أن أنسى تعابيره وشموخه وصلابته، وهذا هو الشهيد الثالث من أبنائه.. وتعجبت من قوة تحمله على الرغم من تقدمه بالسن. أما أنا فلم أحتمل، وبكيت منذ أن نطق السيد عبد الملك بالخبر ونحن عنده، ووقت استقبال العزاء لم أتحمل، وبكيت بمرارة.
لم يترك لورثته شيئاً
 • حين صار شقيقك رئيساً للجمهورية لماذا لم تنتقلوا معه إلى القصر وتكونوا إلى جانبه؟! وهل حدث أن طلب انتقالكم؟
الكثيرون كانوا سيفعلون ذلك، لكن ليس الرئيس صالح الصماد, الشديد التعفف المتخفف من مطامح الدنيا وزينتها، ودوماً ما حرص أن يكون باذلاً لا آخذاً، مفضلاً حاله البسيط على الأوضاع الأخرى، ولم يترك خلفه شيئاً، وقال إنه لم يخلف لوالده ووالدته ولا حتى 100 ريال، وطلب مسامحتهما.. وفي وصيته قال إنه وما يملك في سبيل الله، والله هو من سيغني أهله من فضله.

السيد القائد لم يقصر معنا في شيء
 •  ليس القصد هو محاباة، ولكن لتعينوه..؟
نحن ولدنا على هذه التربة وبين هذه الأغصان الكريمة، ولا نريد فراقها وفراق جمالها وبساطتها.. كنا نعرف أنه لو حدث وطلب الرئيس ذلك فلن يكون إلا حرجاً، فالصماد لا يجامل ولا يوجد لديه محاباة. أبي رحمه الله دوماً ما خفف عن عبء همه لنا ودوماً ما أشعره أننا مرتاحون في قريتنا والله من يتكفل بعبيده.
وقد عُرض علينا من آخرين بعد استشهاده، لكنا فضلنا ووالدنا البقاء في قريتنا وأن نكون في الميدان كما كان الشهيد.. والسيد القائد حفظه الله لم يقصر معنا بشيء، ورعاية الله لنا لا تفارقنا، ولدينا ما يكفينا والحمد لله، ولا نبخل بعرقنا وتعبنا لنتحصل ما نأكله. وهذا ما علمنا إياه الشهيد الرئيس صالح الصماد.

تحقيق الاكتفاء الذاتي
 • حين وصلنا، كنتم في استراحة بعد يوم من الفلاحة والاعتناء بالمحاصيل، ويبدو عليكم الجد الكبير في عملكم، هل هذه وصية الشهيد؟
نعم، ونحن ولدنا نفلح الأرض ونعيش من خيرها، وبعد استشهاد الصماد اهتممنا بشكل أكبر بالزراعة وتوسيعها وتطويرها في إطار "يد تبني ويد تحمـــــــــي" الشعار الذي أطلقه الشهيد سلام الله عليه.
إن ذلك جهاد عظيم أن نحقق اكتفاءنا، وهو ما يضمن استقلال بلادنا حين يكون ما نأكله ونستهلكه من منتجاتنا نحن. لن يكون لأمريكا وإسرائيل وأعداء الأمة أي يد علينا، وسنكون أقوياء.

ترك لنا العزة والكرامة
 • ما الذي تركه لكم الشهيد؟!
ترك لنا كل شيء، ترك لنا اسمه وتاريخه، ترك لنا الكرامة والعزة والتاريخ المشرف والسيرة الخالدة. ترك لنا حبه وشغفه بنصرة المستضعفين، وخلقه وآدابه وقيمه ووعيه وتعامله مع الناس والحكمة والوعي. لقد علمنا كيف ننتصر ونقاوم، وكيف نصدع بالحق.. يكفي أنه أرشدنا إلى طريق المسيرة القرآنية وملازم الهدى، وعرفنا كيف نتولى وكيف نعادي. ترك لنا ما تراه أية أسرة بأنه كنز وهو الفخر، ونسأل من الله أن نحافظ على هذا الميراث ونواصل فيه المسير.
الصماد لم يترك الثروات والأموال والكنوز، بل الشرف وطهارة اليد، ترك خلفه الميراث الذي تركه الصديقون والأنبياء والشهداء.

الطريق الطويل إلى سيد الثورة
48 ساعة قبل الحدث ـ منتصف الظهيرة.
يصل منزلهم رسول يطلب حضورهم، هو ووالده وعمه، لاجتماع لا يقبل التأخير. استجابوا وتحركوا مع الرسول القادم دون سابقة أو اتصال. على متن السيارة التي قدمت لتقلهم من مكانهم إلى المكان المفترض الوصول إليه، بدأ التوتر يعتريه ووالده، وبين وقت وآخر يتبادلان النظرات بشكل سريع ثم يتحفظان عن الحديث ويواصلان النظر كل خارج نافذته.
توقفت السيارة إلى جوار منزل لا تبدو هناك حركة فيه. يترجلون ويدخلون إلى صالة للمقيل ويجلسون متجاورين ولا أحد غيرهم في المكان، فيما يستأذن الرسول للخروج بعد الترحيب بهم وتقديم واجب الضيافة.
تمر الساعات متثاقلة الواحدة تلو الأخرى، والحديث يخرج من أفواههم بشحة، فيما تبدأ موجة التساؤلات بالانهمار عليه: كيف هو هذا الاجتماع ولا وجود لأحد غيرنا؟ لماذا والدي في هذا الاجتماع، وكذلك عمي الفلاح المسكين؟! لماذا تركنا هنا وغادر ولم يعد؟ ما الذي يجري؟...
أوشكت خيوط الشمس على النفاد، وكذلك صبرهم. يدخل عليهم الرسول الغامض مجددا، يلقي السلام ويطلب منهم التحرك معه مجدداً و...
يقاطعه عادل بالتساؤل: إلى أين نتحرك؟ ويلحقه تتاليا بآخر... وهنا يرد الرسول بحسم حذر: "لا أعلم شيئاً. ستعلمون كل شيء عند وصولكم عند السيد عبد الملك".
بعد سماع هذه الجمل القصيرة المباغتة صاعد القلب دقاته وأطبق الصمت واتسعت الأعين اندهاشا بخبر اللقاء بالسيد، وغادروا معه.
كانت قدما عادل الصماد تتبادلان الخطوات بتثاقل، وإجابة الرسول جعلت من الهواجس والشكوك تعصف به دون رحمة، لماذا سنقابل السيد؟
غاصت عيناه بالدمع شيئا فشيئا، هل استشهد أخي؟!
يقول عادل: "كان والدي يمشي إلى جانبي، ويتمتم بكلام كثير لم أدرك منه غير: الله المستعان، وبشكل متكرر". وبعد قليل، وكأن والده توصل لما يؤكد شكوكه ويردد: "وإلا فلماذا اللقاء بالسيد إذن؟!".
يدخل عادل، ووالده العم علي وشقيقه العم سوادي، منزلاً آخر. هنا حاول عادل التنصت على همس الرسول الذي كان معهم وللشخص الآخر..
كان مفاد ذلك أنه سمع السيد عبد الملك وهو يسأل رسوله: هل قد علم الجماعة بالخبر؟ فيرد عليه: حاولوا استفساري لكني لم أخبرهم بشيء وأعتقد أنهم يشكون بذلك.
استقبلهم السيد عبد الملك مبتسماً ملقيا السلام والترحاب. وبعد الرد عليه راح عادل يركز على عينيه الحمراوين وبهما شيء من البلل.. بدأ السيد يلطف الجو بالاستفسار عن أحوالهم وأحوال القرية، ويمازح الأخوين بسؤاله عن الأكبر منهما وعن شعرهما الأبيض.
في الأثناء، كانت نبضات قلب عادل تتسارع أكثر وأكثر، خصوصاً حين بدأ يتحدث عن الرئيس الصماد وعن علاقتهما وعن صفاته وإيمانه...
أدرك عادل وصار متيقنا من الأمر. ينظر إلى الأرض مخفيا وجهه، فيما تتساقط عيناه قطرة تلو الأخرى.. ومع إفصاح سيد الثورة عن خبر استشهاد الرئيس الصماد، أفصح عادل عن بكائه، ووالده وعمه كذلك.
يضيف عادل أن السيد القائد أخبرهم بأنه تمنى لو يفتدي الشهيد بروحه وبأبنائه. ثم طلب منهم عدم الإفصاح عن الخبر حتى الإعلان رسميا، فيما "طلب من والدي التحرك نحو صنعاء لإخبار أسرة الشهيد والبقاء إلى جانبهم ومواساتهم"، بينما بقي عادل في بني معاذ.
وهنا يخبرنا عادل بأن ذلك كان أشد مأساوية عليه، فحمله كان ثقيلا جدا ولا يستطيع البوح به لأحد، واضطر لمواصلة روتينه اليومي كيلا يشك أحد، فيما يتعجب من يراه إزاء حاله الذي حاول إخفاءه عن الجميع.
"لو أنني استمررت في ذلك الحال لأسبوع لكنت مت حزنا وكمدا"، يبين عادل، متابعا الحديث بأن ذلك كان قبل 48 ساعة من الإعلان رسميا عن استشهاد الرئيس الصماد.
في اليوم التالي، كان عادل مواصلا صبره وحمله الثقيل حد الانهيار. وفي المساء جاء خبر مفاده أن الرئيس الصماد يفتتح معرضا للتصنيع العسكري!!
وفيما كان الجميع حوله فرحين بالخبر، كان عادل يجهش بالبكاء.
يخرج من المكان هائماً بلا وجهة يسلكها، يكابد حزنه وتحسره واعتصار قلبه ألما وحنيناً، فقط يهرول للاختلاء بنفسه غريباً على سفح جبل غير ذي زرع، ويرتمي جوار صخرة يتيمة كانت هي كل عزائه.