تحقيق: محمد أبو الكرم / لا ميديا -

في عدن القصة الكاملة للاحتلال، وفصول معتمة جداً عن حقيقة التواجد الإماراتي فيها، ثغر اليمن الأكثر حزناً. جولة استطلاعية قام بها مُعد التحقيق في مدينة عدن مطلع هذا العام، كشفت البون الشاسع بين ما يتم نقله على وسائل الإعلام وبين الحقيقة المعاشة. "ليست عدن أكثر أمناً، وليست خالية من جميع أنواع الإرهاب كما يذكر الإعلام". هكذا عبّر الكثير من الناس الذين أصبحوا يرفضون الاحتلال كما يرفضون أدواته. شعبية العميل هادي على شاشة التلفزيون ليست كما هي في الواقع. يقول أحدهم: "الجميع هنا يكرهون الدنبوع"، قالها ضاحكاً، وأضاف آخر: "عشر حكومات تحكمنا هنا في عدن، ولا واحدة منهم فكرت في إصلاح المجاري والكهرباء والشوارع. كلهم جاؤوا يسرقون الميناء ويحققون أحلامهم".

يمكنني أن أقول إن الجميع هنا لا يرضى بالوضع القائم في عدن. وفي ظل هذا الوضع المأساوي تظل هناك أصوات تدعو للحرية، خرجت إلى الشوارع وطالبت برحيل الدولة والحكومة واحتلالها. في هذا التحقيق نعرج على بعض المعلومات التي حصلنا عليها بشكل خاص عن حقيقة الوضع في عدن، ونستطلع آراء بعض أبنائها، لنشكل عن كثب صورة أكثر تفصيلا عما تعيشه مدينة عدن من وضع مأساوي.

احتجاجات تطالب برحيل التحالف
في أواخر العام 2018 خرج متظاهرون إلى شوارع مدينة عدن وحاولوا فرض عصيان مدني، حسب دورية "ريفورم" العربية التي قالت: "بعد أن فقد أبناء محافظة عدن الأمل في تغيير يخفف من معاناتهم اليومية، المظاهرات رددت شعارات ضد حكومة هادي والمجلس الانتقالي، وطالبوا برحيل ما يسمى بالتحالف". وأضافت: "لقد أحرقوا علم الإمارات وصور العديد من قادتها، ودعوا إلى التحرر من الاحتلال والسيطرة على موانئهم ومطاراتهم، وطالبوا بحياة وكرامة واستقلال في اليمن". الدورية أضافت أن الاحتجاجات فقدت زخمها وتلاشت عندما حاول المجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة على الاحتجاجات، مدعياً أنه يريد إصلاحها وحمايتها. وقالت الصحيفة: "تحولت المظاهرات والعصيان المدني إلى أعمال عنف ولصوصية مسلحة من قبل متشددين".

بيئة جاذبة للجماعات الإرهابية
تفيد المعلومات التي حصلت عليها "لا" بأن هناك أكثر من 18 خلية إرهابية تم رصد أنشطتها في مدينة عدن وحدها، وأن هذه الخلايا نفذت العديد من الأعمال الإرهابية توزعت بين الاغتيالات والابتزاز واختطاف الفتيات والأطفال. هذه المعلومة حصلت عليها الصحيفة من مصادر خاصة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة هادي.
وأوضح مصدر الصحيفة أن الوزارة غير قادرة على أداء عملها في المحافظة في ظل سيطرة أطراف مدعومة من قوى دولية على الأمور الأمنية في المحافظة والمحافظات المجاورة. المعلومات التي تم كشفها بينت أن قوى الحراك الانفصالي تسيطر على أكثر من 30% من المحافظة، وأن هناك قوى خاصة مدعومة إماراتياً تسيطر على القرار في المراكز الأمنية للمحافظة، وأن قوات سلفية أخرى تسيطر على ما يزيد عن 14 % من النقاط والمراكز الأمنية في المحافظة.
المصدر أكد هذه النسب المئوية، مشيراً إلى أن الوزارة لا تسيطر فعلياً على المحافظة، وأن إجمالي المراكز والنقاط الأمنية التي تقع تحت سيطرة ألوية الوزارة لا تتعدى الـ45%. وأضاف: "هذه النسب والمعلومات لم تستطع الوزارة العمل وفقها، لأن أغلب النقاط الأمنية والتواجد الأمني في محيط المحافظة لا يتبع الوزارة، بل يتبع قوى وشخصيات متعددة".
بل إن المرتزق أحمد الميسري، وزير الداخلية في حكومة العميل هادي، كان قد صرح في وقت سابق قائلاً: "لا أستطيع زيارة الميناء أو المطار أو دخول ‎عدن دون تصريح من الإمارات. حتى السجون وأنا وزير داخلية لا أستطيع زيارتها".

عدن تغرق...
يقول المواطن مفضل الزيادي (43 عاماً) إن "الوضع في عدن أكثر مأساوية مما يتوقع الجميع. المواطن العدني يشتكي من كل شيء هنا، من غلاء الأسعار والأزمات المتتالية في النفط والغاز، وسيول المجاري، والعديد من الإشكاليات المرتبطة بالوضع الأمني". وأضاف: "الكل هنا يحلم بأن تصبح عدن مثل صنعاء: أمن، أمان، طرقات معبدة...". وقال مستغرباً: "الإعلام هنا يصف عدن بالمحافظة المحررة، وأن صنعاء مدينة واقعة تحت الاحتلال، ولكن الواقع غير ذلك؛ صنعاء تتمتع بجهود أمنية مضبوطة تجعل منها الأكثر أماناً في اليمن. نتابع أحياناً أخبار صنعاء ونتحسر كثيراً على الوضع هنا في عدن، وهو ما أظنه أيضاً في أغلب المحافظات التابعة لحكومة هادي"، واختتم حديثه قائلاً: "عدن تغرق في مستنقع".
مفضل اليزيدي والكثير ممن قابلهم معد التحقيق أعربوا عن عدم رضاهم عن التواجد الإماراتي السعودي في المحافظة. ووصف ما يزيد عن 6 من أصل 10 ممن التقيناهم التواجد الإماراتي بالاحتلال، فيما وصف شخص واحد فقط من 10 هذا التواجد بالداعم، وكانت باقي الآراء تفيد بأن التواجد الإماراتي أصبح غير مرغوب فيه.

ولاؤنا للإمارات والسعودية فقط
على الصعيد ذاته تواصل معد التحقيق مع مهند الشاذلي، اسم مستعار لأحد مشرفي قوات الحزام الأمني في محافظة عدن، وتوصلت الصحيفة إلى معلومات بخصوص الوضع العام في مدينة عدن، حيث قال الشاذلي ضمناً إن قوات الحزام الأمني وقوات النخبة في المحافظات الأخرى تتلقى رواتبها وتسليحها مباشرة من قبل قوات إماراتية، وأن هناك عناصر كثيرة تلقت تدريبات مكثفة في قواعد عسكرية إماراتية خارج البلاد.
وعن الجرائم المتعلقة بالاغتيالات وعمليات الاختطاف، قال الشاذلي إن الأمر مجهول حتى الآن، وأن الإدارات العامة تسعى جاهدة إلى الإيقاع بهذه العناصر، وأن هناك جماعات مسلحة تتبع "القاعدة" هي التي تقف وراء هذه العمليات. وصرح الشاذلي بأنه لا يعترف بقوات وحكومة العميل هادي، وأن ولاء قوات الحزام الأمني يبقى للمجلس الانتقالي ومن ورائه الدول الداعمة لها المتمثلة في السعودية والإمارات.

أسوأ مراحلها التاريخية
الصحفي محمد مجور تحدث لـ"لا" قائلاً: "بالرغم من الشرخ الاجتماعي الحاصل بين الشمال والجنوب، والذي كوّنه النظام السابق في سبيل توطيد سيطرته على البلاد، وظهور دعاوى الانفصال في جنوب البلاد، إلا أن الأحداث الأخيرة قسمت عدن نفسها من الداخل إلى عدة دويلات تتبع شخصيات وكيانات ودولاً، أرادت لعدن البقاء في هذه المعمعة لتنفيذ مصالحها الخاصة". وأضاف: "عدن اليوم أكثر تمزقاً، ولا أبالغ إن قلت إنها تمر بأسوأ مراحلها التاريخية".
وقال مجور: "المواطن العدني واقع بين كماشة السلفيين والإخوان وقوى الحراك والفصائل الأمنية المتعددة في المدينة". ويشرح مجور معاناته في تصوير مواده الصحفية كنموذج على تردي الوضع الأمني في المحافظة قائلاً: "أحتاج غالباً لتصوير بعض المشاهد الخارجية، إلا أنه لا يوجد سلطة هنا لمخاطبتها وأخذ التصاريح اللازمة لذلك. في الغالب تحتاج أخذ تصريح من أكثر من 3 جهات لمنطقة لا تتعدى مساحتها الكيلومتر". مجور أضاف: "الوضع في عدن كارثي على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، ومدى القبول والرضا العام عن أداء الدولة هنا يكاد يكون صفراً".

فوضى عارمة وغياب للمؤسسات
النسخة العربية من دورية "ريفورم" تحدثت عن الوضع الأمني والفساد الذي تحتكم إليه حكومة العميل هادي في مؤسساتها الأمر الذي قاد عدن إلى نقطة حرجة. تقول الصحيفة: "تتلقى عدن دعم وحماية الإمارات والسعودية، لكن هذا لم يمنعها من الانزلاق إلى حالة من انعدام الأمن، والفساد على نطاق واسع بسبب ممارسات هادي وحكومته". وتحدث التقرير الذي نشرته الصحيفة بأن الوضع الأمني في المحافظة صار إلى حالة من التنافس والدعوات للانفصال وحالات كثيرة من الفوضى وغياب المؤسسات وسلطة الحكم الفعلية.
ويقول التقرير: "عدن اليوم منهكة. الخراب والدمار في عدن يشهدان على فشل حكومتها في إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب". وعلقت الصحيفة على مدى سوء الأوضاع في عدن بالقول: "لا يمكن لهادي حتى اتخاذ قرار العودة إلى عدن. وبعد سبع سنوات من ولايته والتي كان من المفترض أن تكون لعامين، فر من صنعاء إلى عدن، ثم إلى الرياض عبر مسقط في مارس 2015. لا يزال يدير المؤسسة الرئاسية خاصته من الرياض".

القتل روتين يومي
وضمن ورقة عمل اطلعت عليها "لا" قدمها الباحث والصحفي عمر سعيد، قال فيها: "أصبحت الاعتقالات والاحتجازات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب من الممارسات الشائعة في مدينة عدن. أصبحت أعمال القتل والاغتيالات التي تتعرض لها عدن جزءاً من الحياة اليومية للمدينة، على الرغم من أنها أصبحت أقل تكراراً في الأشهر الأخيرة". وأضاف: "تتوفر الأسلحة الخفيفة وشبه الثقيلة في أيدي المواطنين العاديين الذين وجدوا أنفسهم تحت رحمة الألوية والمليشيات المسلحة، التي تضم مزيجاً من المتطرفين والبلطجية والسجناء السابقين الذين يعملون خارج سيطرة الدولة".
وقال: "أصبح الكفاح اليومي لسكان عدن من أجل تأمين سبل العيش أكثر صعوبة بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع مستويات الفقر، وارتفاع أسعار معظم المواد الغذائية، وانهيار العملة، وانخفاض رواتب موظفي الخدمة المدنية، مع غياب سلطة فعالة لمكافحة الفساد، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة. كما وتشهد المدينة أيضاً تفشياً كبيراً في الاتجار بالمخدرات، تحت حماية الشخصيات المؤثرة التي لن تتردد عن قتل أي شخص يحقق أو يتحدى نشاطاتها المشبوهة والمدمرة لأبناء المحافظة".