5 ملايين أسطوانة غاز تالفة موزعة على ملايين الأسر وتنتظر ساعة الصفر لتتحول إلى قنابل مميتة

 تقتل المدنيين وعلى وجه الخصوص النساء والأطفال منهم، كما تفعل قنابل العدو السعودي والإماراتي.

تحقيق:غازي المفلحي/ لا ميديا -

تحولت الأسطوانات إلى قنابل بفعل مرتزقة العدوان في الجانب الاقتصادي، واجتماعات المعنيين في حكومة الإنقاذ وشركة الغاز العديدة المهمة والمثمرة! منذ ما يقارب العام، لينتهي المطاف بهذه القنابل في بيوت اليمنيين.
بينما كانت السيارات شبه متوقفة بسبب ازدحام مؤقت في شارع تعز بجوار حديقة الحيوان، فوجئ الناس بدوي انفجار قادم من جهة شاحنة تحمل على متنها ما لا يقل عن 180 أسطوانة غاز، ورأوا على قمة الشاحنة اسطوانة ينطلق منها الغاز في الهواء وقد انفجر رأسها. أصيب السائقون بالذعر وحدث ارتباك كبير في الشارع عند محاولتهم الهروب، ولولا تدخل المواطنين ومسارعتهم لإبعاد الأسطوانة عن بقية الأسطوانات وعن مصادر النار، ورموها إلى مكان فارغ في الشارع لكانت الأمور ساءت أكثر، كما أن انفجارها في الصف الأعلى من الحمولة وليس في وسطها حال دون وقوع كارثة حقيقية.
هذه إحدى حوادث انفجار أسطوانات الغاز الكثيرة التي حصلت على قارعة الطريق بدون سابق إنذار، ناهيك عن الانفجارات التي حصلت في المنازل والمخابز وعلى متن السيارات وسببت مآسي راح ضحيتها مواطنون بين قتلى ومحروقين عادة ما يكونون نساء وأطفالاً، لأنها تنفجر في المطابخ.
أما آخر انفجار فكان قبل أيام وتسبب بقتل المواطن محمد الجنداري وإصابة عدد من أفراد أسرته بحروق وجروح خطيرة، والسبب أسطوانة غاز تالفة كانت تسرب الغاز الذي لم يعد يحوي المادة ذات الرائحة التي تنبه عند حدوث تسرب، وهي مادة تضاف إلى الغاز لتمنحه الرائحة المعروفة ليتنبه الناس أن هناك تسرباً عندما يحصل، لأن الغاز المنزلي ليس له رائحة، ما تسبب بالحادثة المأساوية الجديدة التي تضاف إلى قائمة الحوادث السابقة وربما المنتظرة.
وتحدث تقرير لصحيفة "الثورة" في يناير الماضي عما يزيد عن 500 حادث لانفجارات أسطوانات الغاز خلال العام 2018، في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، توفي بسببها نحو 250 شخصاً وأصيب أكثر من 301 شخصاً إصابات متفاوتة بعضها حروق من الدرجة الأولى. ويضاف إلى تلك الإحصائية ضحايا عام 2019 الذين لم تتوفر عنهم إحصائية رسمية حتى الآن، ولكن مصادر طبية تقدرهم بالعشرات.

تزايد الأسطوانات التالفة
سبب وجود هذا الكم الكبير من الأسطوانات التالفة، والذي يصل إلى نحو 5 ملايين أسطوانة، هو رفض القائمين على شركة الغاز في مأرب توريد أي مبلغ إلى مصنع أو معمل صيانة الأسطوانات في صنعاء ليتم تجديد التالف منها، بالرغم من استلامهم مبالغ الصيانة والمتمثل بمبلغ (10 ريالات) عن كل أسطوانة تضاف إلى قيمة كل أسطوانة حسب حكومة الإنقاذ. وبحسب ناطق الإنقاذ، الأستاذ ضيف الله الشامي، فإن تقريراً للجنة رسمية من وزارة الصناعة والتجارة وشركة الغاز في العام 2011 قال إن الأسطوانات التالفة بلغت ثلاثة ملايين أسطوانة، إلا أن معلومات تقول إن هذه إحصائية مر عليها أكثر من 7 سنوات، وترجح زيادة هذا العدد إلى 5 ملايين أسطوانة حالياً في العام 2019.
كما أن هناك شكوكاً حول التقصير وعدم التأكد من إضافة مادة "المركبتان" أو مادة "الإيثانول" بشكل كافٍ، وهي المادة التي تعطي للغاز رائحته فيتم التنبه عند حصول تسرب للغاز.

جعجعة بلا طحين
أحدث حلول المعنيين في حكومة الإنقاذ وشركة الغاز بدأت منذ أكتوبر عام 2018، وعقدت اجتماعات كثيرة، تطرقت وخلصت وأكدت ووعدت كالعادة بالحلول لهذه المشكلة، إما بالتواصل مع إدارة صافر في مأرب لتوريد مبالغ الصيانة أو وضع آلية للصيانة في العاصمة، وشراء أسطوانات جديدة وسحب التالف من السوق.
لكن الحوادث لم تتوقف، وانفجرت أسطوانة غاز تالفة في منزل المواطن دغيش في مديرية معين في يناير الماضي، وأخرى في مخبز في صنعاء القديمة مطلع فبراير الماضي، لتنفي نجاح تلك الاجتماعات بعد شهر فقط من عقدها.
وفي مايو الماضي عقد اجتماع بتوجيه من رئيس المجلس السياسي الأعلى، الأخ مهدي المشاط، للبدء بتوزيع الآلاف من أسطوانات الغاز الجديدة والمجددة وسحب التالف من الحارات. لكن الانفجارات واصلت دويها، وكان آخرها الانفجار الذي أودى بحياة المواطن محمد الجنداري.
كما أن الأسطوانات التالفة والمتهالكة ما زالت توزع بكميات كبيرة للمواطنين الذين لا يملكون حق رفضها، فالعقال يخيرونهم بين أخذها أو ألا يأخذوا شيئاً كما قال كثير من المواطنين.
"جربت دبة الغاز أمام منزل العاقل واتضح أنها تسرب الغاز، فطلبت منه تغييرها، إلا أنه رفض ذلك وقال: أعجبك أو رجعتها. وقال إنها ليست مشكلته بل مشكلة شركة الغاز، فهي التي ترسل هذه الدباب"، هذا ما قاله المواطن محمد الزبيدي لـ"لا" متحدثا عن مشاكل الأسطوانات التالفة. وأضاف أن العاقل وبعض المواطنين قدموا له مقترحاً لحل مشكلة التسرب وتتمثل في أن يخلط "البترول" البنزين مع مادة الفلين حتى تصبح عجينة ويضعها على مكان التسرب، وهكذا يفعل كثير من المواطنين في محاولة لإيقاف التسرب الذي لا يتوقف وإنما قد يقل فلا يلاحظ، وهو ما قد يشكل خطراً أكبر، بالإضافة إلى حلول بدائية أخرى لا تغير شيئاً في كون الأسطوانة التالفة باتت قنبلة قد تنفجر في أي لحظة، وأن المحاولات البدائية لوقف التسرب التي تعطي شعوراً مزيفاً بالأمان قد تكون لها عواقب وخيمة.
خلال اليومين الماضيين أعلنت شركة الغاز أنها اتخذت جملة من الإجراءات لحل مشكلة الأسطوانات التالفة، وصيانتها واستبعاد التالف منها. كما قالت إنها ستقوم بتوزيع 15 ألف أسطوانة جديدة خلال الفترة القادمة. كما طلبت الشركة اعتماد 50 ريالاً لتفعيل أعمال الصيانة و50 ريالاً أخرى كميزانية تشغيلية للشركة عن كل اسطوانة.
وينتظر المواطنون النتائج المبشرة لما تقدم ذكره من إجراءات أو ربما سيكونون على موعد مع المزيد من الانفجارات.
فالأسطوانات التالفة خطر دائم يمكن تجاهل وجوده ونسيانه إلا أنه قادم وحاصل لا محالة، وستكون حوادث انفجار أسطوانات الغاز أمراً متكرراً ما لم يتم معالجة مسبباتها بشكل حقيقي وعملي.

 تساؤلات
لماذا لم يتم تخصيص مبلغ 100 ريال مثلاً عن كل أسطوانة تباع للمواطنين لأجل تشغيل مصنع أو معمل الصيانة في صنعاء أو شراء كميات جديدة من الأسطوانات خلال الفترة السابقة، خاصة وأن المواطن يدفع 3500 ريال قيمة الأسطوانة الواحدة، 3 آلاف الغاز ومن 300-500 ريال يأخذها عقال الحارات كنفقات ورسوم قيامهم بهذه المهمة؟ تساؤل يطرحه المواطنون ويقولون إن المسألة ليست في إضافة مبلغ صغير إلى قيمة الأسطوانة فهم يدفعون أكثر منه للعقال، ولكن المسألة هي هل هذا المبلغ الذي تريد الشركة إضافته سيجد طريقه إلى وجهته المناسبة في صيانة واستبدال الأسطوانات أم أنه كغيره من المبالغ التي تفرض وتتفرق في مجاري الفساد والتنفع على حساب معاناة الناس وتعثر السير الحكومي؟!
ويتساءل البعض: لماذا لا يتم توزيع الغاز عن طريق المحطات مجدداً وبإشراف العقال وبآلية الصرف الحالية ذاتها ولكي تتم التعبئة للمواطن بشكل مباشر من المحطة؟! عندها سيذهب الناس بأسطواناتهم السليمة لتعبئتها ولن يضطروا لأخذ الأسطوانات التالفة ولن يكون هناك تلاعب، وسيتم تعبئة 20 لتراً مقابل 3 آلاف ريال وليس 13 لتراً كما يتم الآن.