بشرى الغيلي/ لا ميديا -

سيذكر مراقبو التاريخ المنصف أن ثورة 21 سبتمبر/ أيلول 2014 أخرجت اليمن من عباءة الوصاية، بعد أن كانت مجرد ملحق أو حديقة خلفية لبعض الدول الإقليمية وسيدها الأمريكي. والواقع اليمني خلال العقود الماضية يشهد بذلك، فقد ظلت الأنظمة التي تعاقبت مجرد تابع وملحق لقوى إقليمية حرصت على شراء الولاءات وإفساد الذمم ومنح الميزانيات الخاصة للمشائخ والنافذين ليكونوا دولة داخل الدولة التابعة لهم، فتغول النافذون وسيطروا على كل شيء، وتحولت الدولة ومؤسساتها إلى إقطاعيات لذوي النفوذ والمشائخ، فيما ظل الشعب اليمني بغالبيته خارج دائرة الاهتمام والرعاية يعاني ويلات الفقر والجهل والمرض والصراعات المفتعلة والمنظمة ويؤكد المراقبون أن أهم منجز حققته ثورة 21 أيلول هو إخراج اليمن من تحت عباءة الوصاية، وهو ما دفع أنظمة الاستكبار العالمي وأدواتها الإقليمية ليشنوا عدواناً سافراً على اليمن لإخماد ثورتها الشعبية التي الناشئة، لكن برغم العدوان الوحشي والحصار الجائر الذي دخل عامه الخامس، براً وبحراً وجواً، إلا أن اليمنيين لم يستسلموا، وحاولوا إيجاد البدائل، وحدثت تطورات وإن بإمكانيات متواضعة أذهلت العالم لعقلية اليمني الذي طوّع قمم الجبال لخدمته منذ عشرات السنين. وتتناول صحيفة "لا" في هذا الحيز أبرز ما تحقق من إنجازات على مختلف الأصعدة، كالاختراعات الشبابية والابتكارات، والنجاحات الصناعية والطبية والزراعية...

إنجازات طبية
حصار بري وبحري وجوي فرض على شعب لم يرتكب أي جرم سوى أنه قال: لا للوصاية ولا للتدخل في شؤوننا الداخلية، فقامت دول العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي بشن أكبر عدوان وحشي في التاريخ المعاصر، وأغلقت كل المنافذ، منها مطار صنعاء الدولي، أمام المدنيين والمرضى، مما فاقم معاناتهم وتسبب بحدوث وفيات كثيرة، والأرقام بشأن ذلك تتضاعف كل يوم. إلا أن فريقاً طبياً يمنياً دشن تاريخا جديداً في عالم زراعة الأنسجة، فرغم الإمكانيات البسيطة إلا أنهم أبهروا العالم وزرعوا أنسجة لمريض في واحدة من أخطر العمليات وأدقها عالميا. وكانت "لا" قد التقت، في عدد سابق، رئيس الفريق الطبي بمشفى الشرطة د. يحيى السياغي ـ استشاري جراحة التجميل رئيس جمعية جراحيّ التجميل، حيث أكد صعوبة العملية التي تم خلالها نقل أنسجة مريض، وهي من أدق العمليات حساسية، كون الفريق الطبي نقل أنسجة من مكان إلى آخر في الجسم، حيث أخذ "سديلة" من اليد، وهي عبارة عن جلد مع أغشية ومع الشريان الشعاعي، وتم زرعها في الموضع المستهدف، تحت الميكروسكوب. كل ذلك في ظل حصار مطبق على البلد وانعدام الإمكانيات، إلا أن العقلية اليمنية تدهش العالم رغم كل شيء. د. السياغي صرّح حينها أنهم كفريق طبي مؤهل بدؤوا برنامج الماجستير وما بعد الدكتوراه من تخصصات دقيقة وأوجدوا في هذه الظروف الصعبة مركزا للجراحة بالميكروسكوب في مستشفى السبعين، وأنهم في ظل هذه الأوضاع مستمرون في تأهيل الكوادر الطبية، وأنهم مستمرون بإجراء مثل هذه العمليات المعقدة بمعدل عمليتين في الشهر.
هي إنجازات عظيمة لا يستهانُ بها في ظل ثورة 21 أيلول التي وفرت مناخات لتستمر الحياة مع أحلك الظروف مرارة. 

إنجازات واختراعات شبابية
توصف ثورة 21 أيلول بأنها ثورة صناعية لليمن، لأن المشاريع الابتكارية والاختراعات المقدمة في المسابقة الوطنية الأولى التي كانت برعاية المجلس السياسي الأعلى ووزارة الصناعة والتجارة كشفت أن الإنسان اليمني يمتلك عقلا عبقريا لا تعيقه الظروف ولا تكسره المعوقات، بل على العكس صبّت تلك الاختراعات والابتكارات في إيجاد بدائل لما يستنفده الحصار الاقتصادي، وتخفيف معاناة المواطنين.
30 اختراعاً وطنياً ضمن 60 ابتكاراً لشباب وشابات من مختلف محافظات الجمهورية يحملون طموحات اليمن الجديد. وبعد التنافس الشديد بين المشاركين استقر العدد على عشرة اختراعات للمراكز العشرة الأولى. كما تقدم 30 مبتكراً بطلبات تسجيل براءات اختراع من وزارة الصناعة والتجارة لما ابتكروه، ومن هذه الابتكارات :جهاز غسيل كلى منزلي، مبخرة كهروطينية، معمل لصناعة جهاز مراقبة والتحكم بمستوى الماء في الخزانات، أداة الصابون البودرة، الروبوت متعدد الوظائف، العصا الشاحنة للكهرباء، القناص الليزري التدريبي، الشاحن اليدوي لبطاريات الليزر الصغيرة، الغسالة الرياضية، كاشف الكتروني، جهاز قياس نسبة الأكسجين في الدم بدون وخز، نظام الطباخ الذكي، الحذاء الكهربائي، دواء للجروح الملتهبة، جهاز إنذار مياه الصرف الصحي، مصنع ولاّعات سجائر، منظومة الصماد نيوليد الزراعية الاقتصادية... إلى آخر تلك الابتكارات التي قدمها شباب ثورة 21 أيلول وأثبتوا أن العقل اليمني يبدع ولا تقفُ في وجهه أو تعيق إبداعه الظروف الصعبة.

Made in Yemen
ويل لشعب يأكل مما لا يزرع، ويلبس مما لا يصنع. مقولة شهيرة ضمن برنامج "خيرات" الذي تبنته مؤسسة "بنيان" التنموية، ووفرت للكثير من الأسر التي تتمتع بمهارة وإبداع في صنع المنتجات المحلية المعرض الدائم للأسر المنتجة، وساعدتها على عرض منتجاتها... نماذج كثيرة رصدتها "لا" في أعداد سابقة، وكيف واجهت الفقر والحاجة بإيجاد بدائل وصناعات محلية لتحقق لها اكتفاء ذاتيا في ظل أوضاع صعبة وحصار جائر، كالخياطة "أم مختار" التي وفر مشروعها 40 فرصة عمل توفر دخلاً لـ40 أسرة، وصانعة الحلويات حياة الحماطي، التي هي بالأساس تربوية وتغلبت على مسألة انقطاع الرواتب بمساعدة نفسها وعائلتها من خلال صنع الحلويات للأعراس والمناسبات، فيما شاركت ضمن المعرض الدائم للأسر المنتجة 473 أسرة منتجة تندرج تحتها عشرات الأسر. المعرض الدائم تضمن صناعات يمنية خالصة وبدائل لمنتجات اختفت من السوق بسبب الحصار، كالكلوركس والكلين والصابون، وغيرها من المنظفات، وكذلك المنتجات الغذائية مربى الفراولة المحلية، والمخللات والصلصة وغيرها، كذلك الإكسسوارات والحقائب الجلدية، وكلها صناعات يمنية وجدت في ظروف صعبة، أوجدتها الأسرة اليمنية التي لا تقف مكتوفة الأيدي حتى تموت جوعا. الجميل أن القائمين على تلك المشاريع يسعون إلى تحسين جودتها لتنافس عالميا من خلال إدخال آلات خاصة لضمان الجودة وبإشراف مختصين في هذا المجال.
هي العقيلة اليمنية، التي لا تستسلم لمن يريد إخضاعها وإن أغلقت كل المنافذ في وجهها.

زراعةُ القمح تزدهر في ظل ثورة 21 أيلول
بعد ثورة 21 سبتمبر/ أيلول 2014 انتهى عصر الوصاية الأجنبية على اليمن، وباتت زراعة القمح والحبوب والاهتمام بالجانب الزراعي خياراً استراتيجياً وأساسياً لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، حيث تم إنشاء كيان خاص للاهتمام بالجانب الزراعي وتطويره بإرادة وطنية لا تقبل أي تدخلات خارجية. ففي العام 2016 أصدر رئيس اللجنة الثورية العليا محمد الحوثي القرار رقم (366) لسنة 2016م وقضى بإنشاء المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، حيث بدأت من حيث انتهى البرنامج الوطني لزراعة الحبوب، وتمت الاستفادة من كافة الإشكاليات التي اعترضت مهام البرنامج. وعوضا عن قيام البرنامج بدعم المزارع من خلال شراء منتجه، تولت المؤسسة دعم المزارع من خلال تخفيض كلفة الإنتاج، كي يستطيع الإنتاج ومنافسة القمح والحبوب المستوردة من الخارج، وجاء ذلك بعد تشخيص المشكلة التي تواجه المزارع اليمني، حيث اتضح أن المزارع يعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج مقابل تكلفة الاستيراد وشراء المنتج المستورد من الخارج، فمثلاً يقوم المزارع بالري بالغمر وهو ما يرفع تكاليف الإنتاج مقارنة بالقمح المستورد والذي يعتمد أحدث التقنيات في كافة مراحل الإنتاج، الأمر الذي يؤثر سلبا على زارعة القمح وقدرة المزارع اليمني على المنافسة.
ووفقا للمدير التنفيذي للمؤسسة فإن مهمة المؤسسة تنصب في التدخل لتخفيض تكاليف الإنتاج، من خلال إدخال التقنيات واستخدام الطرق الزراعية الحديثة. فإذا وجد المزارع مصدراً للمياه وماكينة حديثة، ووسائل متطورة، ومكافحة متكاملة، ستنخفض تكاليف الإنتاج إلى النصف تقريباً، وستكون تكلفة إنتاج الكيس الواحد 3000 – 4000 ريال، وبذلك يستطيع المزارع أن يربح وينافس بمنتجاته الحبوب المستوردة من الخارج.
رغم أن المشروع كبير وجبار إلا أنه مازال يواجه الكثير من الصعوبات والمعوقات، كون زراعة القمح ثمثّل صفعة في وجه أمريكا بالذات التي تحارب زراعة القمح في أي دولة تحقق لنفسها اكتفاءً ذاتيا والخروج من وصايتها وفرض منتجاتها على الأسواق العالمية خاصة دول العالم الثالث ومنها بلادنا.


آخر الأوراق
كثيرة هي الإنجازات التي تحققت في ظل ثورة 21 سبتمبر/ أيلول، التي لا ينكرها إلا مكابر، ولعل من أهم منجزاتها الخروج من عباءة الوصاية والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلد، وقطع اليد الاستخباراتية التي انتهت مهمتها مع شروق صباح 21 أيلول، ليوجس العالم خيفةً من انتهاء تحكمه بثروات بلد إذا ما تُرك لإدارة شؤونه والاهتمام بنهضته سيكون من أقوى اقتصاديات العالم حسب تقارير نشرها اقتصاديون أجانب. 
فهل سيعي من لا يزالون مخدوعين بتحالف بدو الصحراء الذي انكشفت كل أوراقه أمام الشعب اليمني وأنه لم يأت من أجل سواد عيونهم بل من أجل إضعاف بلدهم وتدميره واحتلال موانئه وجزره وشواطئه؟!