أنس القاضي / مرافئ -

المقولات الشعبية السلبية السائدة في مجتمعنا، لم تهبط من العقول الشريرة بعد فكر وتأمل، إنما انعكست عن آليات السيطرة والحكم والتسلط التي دامت لعقود، وبفعل الاستمرارية والتواطؤ، ترسخت عنها في الوعي الاجتماعي المقولات الفاسدة، وأصبحت المرشد الفلسفي الحاكم للسلوك الاجتماعي، ومن أبرز هذه المقولات «أحمر عين».
مقولة «أحمر عين»، تجاوزت معناها الذي كان يدل على الفروسية، فأصولها بدوية تعكس التجربة الحسية، وتطلق على الإنسان الذي له شجاعة ويقظة وفتك الحيوانات المفترسة، تجاوزت المقولة معانيها السابقة، وأخذت دلالة جديدة سياسية هي أقرب إلى الحياة المدينية، فأحمر العين هو الفاسد الانتهازي الأكثر قدرة من سواه على انتهاز الفُرص والوصول إلى الثروة بطرق طفيلية غير أخلاقية عبر الفساد والقمع والظلم.
ترسخت هذه المقولة في عهد الحزب الحاكم «المؤتمر» ورئيسه «صالح»، فقد كانت الوظيفة العامة آنذاك وعقود التجارة والمقاولات الحكومية، وغيرها من مصادر الإثراء، خاضعة للمحسوبية، بعيدة عن الشروط والكفاءات العلمية والتفاضل بين خيارات؛ فكل من كان يحصل آنذاك على صفقة حكومية أو منصب حتى على مستوى مدير مدرسة، كان ينتقل إلى موقع المترف فجأة بما نهبه وسرقه وجناه من أموال الحكومة والشعب بطريقة غير مشروعة، ولم يَكن المجتمع ينظر إلى هذا الشخص باحتقار، بل كشخص ناجح «أحمر عين» انقض على فريسته والتهمها بضربة واحدة.
نظرة الإعجاب الاجتماعية لوسائل التسلط والإثراء غير المشروع المنافية للعدل والأخلاق، هي نتيجة لغياب المساءلة والمحاسبة والشفافية، فحين غدت هذه الممارسات هي الاعتيادية وآلية من آليات النشاط السياسي للحزب الحاكم في استقطابه وتوسيع قواعده والموالين له، كان كل شخص ينتظر أن يحظى بمثل هذه الفرصة، ويصبح هو الآخر أحمر عين، عاش المجتمع على أمل أن يصبح كل فرد «أحمر عين» جديداً ليفترس الآخر، وبالتالي فلم يستنكر هذه الممارسات، وأصبح يُنظر في المجتمع إلى الموظف الحكومي النزيه أو الزعيم القبلي المحترم أو المقاول والتاجر الشريف، يُنظر إليه بأنه شخص فاشل وغبي لا يستحق موقعه! 
عززت السلطة من آلية الحكم هذه وفق إجراءات إدارية مالية كثيرة عبرها يُفسد الموظف الحكومي والمقاول والتاجر والضابط، ويلجأ إلى الفساد والغش والظلم ليجني الربح السريع، فيما يظل محروماً من الربح والترقية والأجر المتناسب مع عمله إذا حافظ على الشرف والنزاهة، ولم يسابق غيره في خوض هذه المسالك غير المشروعة.
يتذكر المجتمع اليمني كثيراً من القصص بطلها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وهوَ يقدم النصح لمن يُعينهم في مواقع إدارية وعسكرية بأن يكونوا حُمر العيون، وبأنه غير متفرغ لأن يَسرق لهم ويقدم الكاش، فقد وضعهم في موقع المُفترس للشعب والمال العام!
وإذا كانت الثورة الشعبية 21 أيلول استطاعت أن تضرب وتضعف كبار حمران العيون السابقين، إلا أنها تواجه صعوبة في إصلاح التشوه الأخلاقي الذي ترسخ. إن أول خطوات المعالجة الحكم وفق آليات نقيضة لما كان سائداً.