غازي المفلحي / #لا_ميديا -

بسبب الوضع المستقر في أوروبا وبعض الدول الأخرى ككندا حالياً، ومستوى المعيشة الجيد، أصبح العيش هناك حلم الكثيرين من أبناء الشعوب الأخرى التي تعاني بلدانها من ظروف صعبة وغير مستقرة أو متدنية المستوى الاقتصادي كالدول العربية. لكن هذه الدول الغربية لا تفتح أبوابها لكل من طرقها جائعا أو خائفا أو مظلوما، وإلا لامتلأت أراضيها بملايين الجائعين والمذعورين من أنحاء العالم. فلا ينال حق اللجوء في أوروبا إلا من ظلم حسب التعريف الغربي للظلم، فإذا التجأت إليهم وأنت جائع فلن تفتح لك الأبواب أبداً، وإن جئت هاربا من سكين إرهابية فقد تفتح لك بعد أعوام وأنت واحد من بين 1000، لكن إن كنت شاذاً جنسياً، أو متحولاً، أو متعرياً، تعاني من عدم قدرتك على السقوط والتحلل من كل القيم الأخلاقية والإنسانية بحرية في مجتمعك، ففرصك هي الأكبر، ومرحب بك في العالم الغربي.

الباب مفتوح لك إن كنت ساقطاً
هناك هوس يشبه الوباء منتشر بين شبان وشابات اليمن والوطن العربي، وهو ازدراء أوطانهم والرغبة بشدة في الهجرة نحو الدول الغربية.
لكن الذهاب إلى تلك الدول ليس سهلاً، والطرق الحالية المتاحة لغير المستثمرين ورؤوس الأموال هي طلب اللجوء، والمعادلة المطروحة للحصول على اللجوء غير أخلاقية أو إنسانية.
فتبعا لميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحالة اللاجئين، تعتبر لاجئاً إذا كنت تتعرض لخوف كبير من الاضطهاد على أساس عرقي، أو وطني، أو ديني، أو معتقدات سياسية، أو نوع الاتجاه الجنسي. لكن ومن بين كل الحالات السابقة، وحدهم أصحاب «نوع الانتماء الجنسي» هم من ينجحون أكثر من غيرهم في العبور نحو أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة.
فالمعادلة تقول: من أراد أن ينحرف ويتعرى فالدول الغربية وجهته وترحب به، ومن أراد العيش والترحاب والحقوق في الدول الأجنبية فعليه أن يتعرى وينحرف، لكي يُمنح حق اللجوء، وهذا هو السبيل الأقصر حالياً للحصول على اللجوء.
فأصبح كثير من الشباب العربي إما متشجعاً لإظهار انحرافته الجنسية والترويج لها، أو مدعياً بأنه يعاني اضطهاداً جنسياً أو دينياً، لكي يحظى بفرصة للرحيل نحو أوروبا والدول الغربية الأخرى.
إن كان لا يوجد رقم دقيق لعدد اليمنيين الذين ينالون اللجوء في أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، بمبرر ميولهم الجنسية أو تقييد حريتهم الشخصية أو اضطهادهم الديني، إلَّا أن هناك قصصاً كثيرة ليمنيين وصلوا دولاً أوروبية، لكن ليس لنيل أمانها من خوف أو من جوع أو للالتحاق والرهبنة في دول جديدة، بل هربا نحو التفسخ واللاالتزام، والتمرد على آبائهم وأمهاتهم ومجتمعاتهم نحو عالم لا يكونون فيه مسؤولين أو خجولين من تقمص نماذج لازالت مرفوضة ومستهجنة بشدة حتى عند غالبية شعوب وتيارات الدول الأجنبية والليبرالية نفسها.

محتالون ومنحرفون
«أ. ص» شاب يمني ثلاثيني متزوج ولدية ابنتان، كان في الأساس ملحداً، لكنه محب لليهود والمسيحيين والشواذ، ومبغض للمسلمين، له هوس كبير بالرحيل خارج اليمن التي لم يكن يطيقها مع مجتمعها. هذه بداية القصة كما يرويها يونس نصر الذي جمعته بـ»أ. ص» صداقة قصيرة. كان يحلم بالسفر إلى دولة أجنبية حيث يكون الانفتاح بلا حدود، يقول يونس: فحاول التواصل مع المنظمات والتجمعات السرية التي كانت في اليمن قبل العدوان، جماعات مسيحية ويهودية ومن ذوي الميول الشاذة، وقضى وقتاً طويلاً يبحث عن أية طريقة ليتمكن من الخروج من اليمن.
ويواصل: من بين كل المحاولات التي استمرت سنوات، دله أحدهم على أن يقدم طلب للدراسة في دولة أوروبية، مدعما طلبه بأنه شاذ جنسياً يعاني الاضطهاد في مجتمعه، فعمل على تلك الفكرة. فقدم طلباً في جامعة في بولندا، وبحث عبر مواقع التواصل عن منظمات وأخويات ومجموعات الشواذ أو من يسمون الملونين هناك، حتى يساعدوه في الحصول على فيزا الدراسة، وبعدها الإقامة الدائمة والسكن، وقد نجح في إقناعهم بأنه منهم وحصل على مساعدتهم. لم يكن «أ. ص» يملك شهادة ثانوية، فقد درس حتى الصف التاسع فقط، فاشترى شهادة ثانوية عامة مزورة، وقام بتجميع مبلغ من المال خلال سنوات عمله في محل بيع الحلويات والمربى، لأجل هذا الحلم.
يقول يونس: لم أستطع أن أفهم ميله الجنسي الحقيقي، فقد كان شخصاً يلهث خلف النساء، ومع ذلك له علاقة قوية بكل ما يرتبط بالشواذ داخل اليمن وخارجها، أعتقد أنه كان ينخرط معهم ليحصل على فرصة للجوء إلى دولة أجنبية.
ويستدرك: لكن منظمات الشواذ تحتاج إثباتات لكي تقتنع، خصوصاً أنه تقدم لها طلبات مشابهة كثير، كما أن الدول الأوروبية كانت تقوم حتى عام 2014 باختبارات لإثبات الشذوذ قبل أن يتم إلغاؤها، فنسج «أ. ص» قصة تقول بأنه كان شاذاً منذ طفولته، وأنه تعرض لاضطهاد وعنف من قبل أسرته وفي المدرسة، وتعرض لتحرش من مدرسين، بالإضافة إلى العنف اللفظي والازدراء، وأنه صار منبوذاً من المجتمع.
وقد استغل كل جرح أو ندبة في جسمه، يقول يونس، فصورها وادعى أنها حصلت له بسبب ميوله الجنسية، وألف في كل منها قصة اعتداء أو محاولة اغتصاب، ووصل الأمر إلى أن قام بإحراق أجزاء من وجهه وجسمه بشكل شديد، وتفاجأت بذلك وسألته ماذا حدث له، فاعترف لي بأنه أحرق نفسه بعد أن تعاطى كماً كبيراً من المهدئات، ثم صور جسمه وأرسله لتلك المنظمات وقال لهم إن هذا اعتداء حديث حصل له بعد تهديدات عديدة، وقد زور محادثات وتهديدات إرهابية ضده كذلك.
يختم يونس: كنت أمر من محله أنا وصديق آخر بعد الجامعة لنشرب شعير ونأكل بعض الحلويات الشعبية، وكان يحكي لنا ذلك، وقد شعرت حينها بالاشمئزاز بعد أن تبين لي أنه جاد في مساعيه، وقللت تواصلي به كثيراً، ثم علمت أنه سافر بعدها وترك خلفه زوجته وابنتيه، ثم تواصل معي من أوروبا وقد وضع علم الشواذ في صفحته على «فيسبوك»، وقد علمت أنه سافر بطريقة مباشرة عبر الطيران، ولم يحتج أن يعبر 5 دول أو أكثر براً وسط الشعاب والجبال، أو يركب قوارب الموت التي تطردها أوروبا من أبوابها نحو الهلاك في أعماق البحار. ولا أعلم هل انضمت أسرته إليه وهل يستطيع إحضارهم، أو بالأصح هل يريد ذلك؟!

احتيال آخر
ياسر أحمد يقول إنه كان يعرف مجموعة من الشباب، سماهم «شلة من الفرغ»، شغلهم الشاغل محاولة البحث عن طريقة للخروج من اليمن. وكان هذا قبل ثورة 21 أيلول حسب ياسر، فقاموا بإنشاء صفحة على «فيسبوك» باسم «رابطة المسيحيين اليمنيين»، فكانت الصفحة تقدم مضامين وأفلاماً مسيحية تتم ترجمتها بشكل رديء إلى لهجات يمنية، كما قاموا بتصوير تجمعات ولقاءات لا تظهر فيها صورهم على أنها أنشطة تبشيرية، وأن هناك عملاً كبيراً للدعوة للديانة المسيحية وهناك إقبالاً ملموساً، والغرض كله كان محاولة لفت نظر الجماعات المسيحية الداعمة في لبنان ومصر.
حصل فعلاً تواصل بينهم وبين الكنيسة القبطية في مصر، يشرح ياسر، فعرفوا عن أنفسهم وقد كانوا 6 أشخاص فقط رغم ادعائهم أنهم ائتلاف كبير له نشاطات واسعة، لمن تواصل بهم من الكنيسة على أنهم مسيحيون يمنيون يحاولون نشر المسيحية، ثم حصل ما كانوا يتمنونه فعلاً، فقد طلبت الكنيسة القبطية أن تستضيف مجموعة منهم ليتعلموا المسيحية بشكل أكبر حتى يكونوا مبشرين بارعين.
بعدها سافر الـ6 وبقوا في مصر شهوراً يتعلمون ويتدربون على التبشير، وتم تعميدهم وإعطاؤهم دروساً كيف يصبحون قساوسة كما شرحوا لي، يقول ياسر، ويضيف: لكنهم كانوا مجموعة من المنحلين حقيقة، وليسوا مسيحيين أفراداً ولا مبشرين، وكان من الصعب عليهم تقمص دور الرهبان، فقد كانوا يذهبون للملاهي لشرب الخمر وعقد اللقاءات الغرامية مع بائعات الهوى في مصر عندما لا يكونون في الكنيسة، وقد اكتشف أمر أحدهم، لأنه كان يعود للكنيسة وهو سكران، فتم طرده.
بعدها عاد الـ5 لليمن بدعم مالي كبير ليبدؤوا التبشير والدعوة السرية والجهرية، وبدأت قصص جديدة يرويها ياسر. الأول فضل التوقف والانسحاب بما جنى من المغامرة الكبيرة هذه، وأخذ ما حصل عليه من مال واشترى سيارة وتزوج وانتهى الموضوع بالنسبة له.
بينما الثاني قرر أن يستمر في التبشير فعلاً، ولازال حتى الآن يروج للمسيحية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ويستقطب الشباب اليمنيين، وخصوصاً من يريد السفر، وكثير ممن ينضمون لجماعته لا يريدون الدخول في الديانة المسيحية، إنما يفعلون ذلك للاحتيال حتى يتمكنوا من الخروج من اليمن، وأعرف أصدقاء، يقول ياسر، سفروهم إلى لبنان ثم هربوا نحو فرنسا ودول أوروبية، وبعضهم عاد إلى اليمن بعد أن فشل في البقاء هناك لأسباب كثيرة، وقد تعرفت عليه بطلب من أصدقاء طلبوا مشورتي في ما كانوا يعتزمونه من الانخراط معه بهدف السفر قبل كل شيء حتى وإن كانت لهم ميول مسيحية أو إلحادية.
عندما قابلته، يقول ياسر، وجدته ساذجاً وغير مقنع، لكن من يلتفون حوله يعلنون إيمانهم بكل ما يقول لكي يسافروا، وحتى الآن أعتقد أنهم ينشطون في اليمن بشكل سري، ويقيمون أنشطتهم وطقوسهم في بيوت، يشعلون الشموع ويضعون ماء للتعميد، وكل ذلك بهدف التوثيق للداعمين ليس أكثر.
أما الثالث فقد تم نفخه أكثر، وقيل له إنه مفكر وقائد، فقرر أن يشكل حزباً، وسماه «أنا يمني»، وقد كان القانون يتيح ذلك خلال تلك الفترة (2014)، واتجه نحو العمل السياسي بميول إلحادية حتى يحظى بدعم خارجي، كان يقيم الاجتماعات في منزله، وقد ذهب ياسر مرة وقال إنه وجد عنده كثيراً من الشباب وحتى مثقفين كباراً، وقد بدأ بعمل منظم إلى حدٍّ ما، وقد كان ضمن من حضروا تلك الاجتماعات مرشح سابق لرئاسة الجمهورية.
يكمل ياسر: أحياناً كانت تقام الاجتماعات في بيت الدكتور محمد عزان، الهارب خارج اليمن حالياً، فقد كان من المناهضين لأنصار الله منذ وقت مبكر، وقد ذهبت مرة إلى بيته، لكننا لم ندخل إلى بيته بشكل عادي، بل كنا نتفرق في سوق السنينة، ثم تأتي دينة (شاحنة صغيرة)، وندخل داخلها وتوصلنا إلى حوش البيت، وذلك لأنه كان مراقباً كما قيل لنا.
وكان يقدم نفسه على أنه باحث في شؤون الجماعات الدينية، وقد كان منفتحاً، لكن إلى حد أقرب للإلحاد، فكان كثير من الشباب الملحدين يجتمعون عنده، ويتم الاستقطاب والترويج لأفكار كثيرة، وقد كانوا يعتزمون تصعيد العمل وإقامة مظاهرات، لكن ذلك كله انتهى مع دخول أنصار الله صنعاء. بقية أفراد «الشلة» لم أعرف أين اتجهت وماذا تفعل، يختم ياسر.

تصاعد السقوط
القصص كثيرة، وكل فترة تجد شاباً يمنياً أو عربياً على «فيسبوك» يضع علم الشواذ صورة لملفه الشخصي، أو يعلن إلحاده، أو تجد فتاة تعلن تحررها أخيراً مما تسميه كهنوت الأسرة والدين والمجتمع، وتصرح أنها حرة بالتصرف بجسدها بكل حرية بعد أن وصلت إلى الدول الغربية.
بسبب فتح الغرب أحضانه لهؤلاء، صاروا يتشجعون وتزداد أعدادهم في الوطن العربي، وهم بين منحرف حقيقي وبين مدعي الانحراف وتبني أفكار معينة لكي يحصل على اللجوء. فحسب صحيفة «أنباء تونس» فإن 551 من الجزائريين حصلوا على حق اللجوء في فرنسا سنة 2016 مقابل 410 سنة 2015، بينما يصعب على السياسيين والقضاة والإعلاميين الحصول على ذلك.
وتتهم الخارجية الأمريكية في تقاريرها السنوية حول واقع حقوق الإنسان في العالم، كثيراً من الدول بخاصة العربية، بما تسميه القيود التي تُفرض على الحرية الجنسية، مشيرة إلى ما سمته موضوع المثليين والسحاقيات، وتستنكر القبض عليهم ومحاكمتهم، وتطالب باعتماد جمعية تعنى بشؤون الشواذ والسحاقيات.
وحسب معلومات يتم منح حق اللجوء السياسي لآلاف من العرب إلى أمريكا وكندا وأوروبا سنوياً، بمبررات شذوذهم الجنسي أو إلحادهم.
وهناك قصص كثيرة مشابهة تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي، كقصة علياء المهدي، المدونة والناشطة المصرية التي أثارت ضجة في العالم العربي بعد أن قامت بنشر صورة عارية لها في مدونتها، احتجاجاً على ما سمته «مجتمع العنف والعنصرية والنفاق»، واليمني مهند الرديني، الذي تحول إلى فتاة، والناشطة اليمنية هند قطران التي هربت إلى تركيا من مضايقات المجتمع اليمني كما قالت.
كذلك جلشيفته فرحاني إيرانية الجنسية، والتي تعرت على صدر مجلة بريطانية، واشتركت في التمثيل من غير حجاب مع النجم السينمائي دي كابريو، وتم منحها الجنسية والإقامة الفرنسية.