المؤكد: استخدم التحالف أسلحة بيولوجية في عدوانه على اليمن السؤال: كيف نثبت ذلك؟

غازي المفلحي- شايف العين / لا ميديا -
ضُربت البنية البشرية اليمنية بأسلحة بيولوجية بطرق مباشرة وغير مباشرة، خلال الـ5 أعوام الماضية، فقتل عشرات الآلاف بأوبئة كانت قد اختفت من اليمن منذ السبعينيات، وأصبحت الأمراض والأوبئة العادية جوائح يصعب السيطرة عليها، كما أن العدوان أفقر وجوع اليمنيين، وهذا أخطر وأصل كل أنواع الأمراض والأوبئة، حسب الأطباء.
 لكن هذه الحرب على بشاعتها وحقيقة وجودها لازالت غير مثبتة بالبحث والدليل العلمي الطبي من قبل وزارة الصحة وسلطات المجلس السياسي.

رزنامة الموت
إلى جوار قائمة طائرات الـf وتشكيلات المدرعات والأسلحة بأنواعها وعشرات الدول المشاركة في العدوان وجنسيات المرتزقة المتعددة، تصطف قائمة مخيفة من الأسلحة البيولوجية التي وجهت لليمن متسببة بعدد من الأمراض والأوبئة الفتاكة.
الكوليرا، الدفتيريا، حمى الضنك، سوء التغذية، الملاريا، البلهارسيا، التهاب السحايا، التهاب الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم، الإسهال، الحُمَّى النزفية، داء الكلب، السل، الإيدز، التهاب الكبد الوبائي A&E وB&C، حمى التيفوئيد وباراتيفوئيدية، فيروس غرب النيل، إنفلونزا الخنازير، الحمى المالطية، السعال الديكي، السل الرئوي، جدري الماء، الجرب، دودة غينيا، اللشمانيا الجلدية، النكاف، كزاز حديثي الولادة، الشلل الرخو الحاد، الحصبة، المكرفس، الإنفلونزا الموسمية، كلها أوبئة تفوق في خطرها الصواريخ والقنابل الفسفورية العنقودية التي تقتل اليمنيين، والتي وصلت إلى أكثر من ربع مليون غارة ونصف مليون صاروخ ضربت بها اليمن منذ بداية العدوان، حسب وزارة الدفاع. فقد جندت كلها من قبل العدوان طيلة 5 أعوام، وأصبحت اليمن في جبهة مفتوحة مع أكثر من 28 مرضاً خطيراً متفشياً يهدد أكثر من 30 مليون يمني، أصبحت بعضها مستوطنة في اليمن كالكوليرا والدفتيريا وحُمَّى الضنك والملاريا، وتهدد بقيتها بانفجارات وجوائح مرضية واسعة في أية لحظة، حسب الدكتورة رولا طاهر، نائب مدير برنامج الإنذار الوبائي المبكر بوزارة الصحة.
وظهر فيروس إنفلونزا الخنازير في اليمن بتركيبة جينية جديدة لا تستجيب للعلاج المعروف لهذا المرض، وزادت تشوهات الأجنة، ونفقت كثير من المواشي بعد رعيها في أماكن استهدفت بالصواريخ، وبعضها نفق بأمراض جديدة في اليمن كطاعون المجترات.

الصحة غير قادرة على تجهيز فريق طبي
يؤكد رئيس مركز الترصد الوبائي وناطق وزارة الصحة السابق الدكتور عبدالحكيم الكحلاني، أن استخدام الأسلحة الكيماوية أو الإشعاعية مرتبط بأمراض السرطان ولوكيميا الأطفال والتشوهات الخلقية التي كثرت خلال سنوات العدوان. لكن هنالك قصوراً في مراكز الأبحاث في الجامعات أو في وزارة التعليم والبحث العلمي، متمنياً أن تشكل الوزارة فريقاً علمياً من كوادرها ومن الجامعات ومن وزارة الصحة العامة والسكان ومن الطاقة الذرية واللجنة الوطنية لحظر استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وغيرها، يكون هذا الفريق متخصصاً ومتفرغاً لهذا العمل حتى يكون عملاً متقناً يرضي الله أولاً ثم يحظى بالمصداقية والكفاءة، ليجهز ملفاً لكل جرائم العدوان السعودي الأمريكي ضد أبناء اليمن، ويستطيع هذا الفريق الاستعانة بالخبرات الوطنية في المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة، أو يستعين إذا اقتضى الحال بمختبرات عالمية ذات ثقة وكفاءة لإجراء الفحوصات المتخصصة في الحروب البيولوجية، ويقول: أنا على ثقة بأن جرائم العدوان قد فاقت كل توقع، وقد تجاوزت آلاف المرات كل الخطوط الحمراء أخلاقياً ودينياً وانسانياً.
فيما يشير الدكتور يوسف الحاضري، ناطق وزارة الصحة، إلى أنه يصعب على الوزارة حاليا تجهيز فريق طبي علمي لإثبات ضلوع العدوان في استخدام أسلحة بيولوجية ضد اليمنيين.
ويضيف الحاضري أن هذا ليس اتهاماً أجوف لتحالف العدوان، بل حقيقة، وسيتم العمل على إثباتها علميا عندما تسنح الفرصة.

ليس الآن
يقول طبيب فضل عدم ذكر اسمه: ذهبت قبل حوالي سنة ونصف، والتقيت مسؤولاً رفيعاً في هيئة التنسيق والشؤون الإنسانية، وحدثته عن موضوع توجيه الأنظار نحو الحرب البيولوجية التي تتعرض لها اليمن، كون كشف هذا الجانب من العدوان جبهة كبيرة بحد ذاتها. فقال لي ذلك المسؤول كنت أرغب في أن تتولى المهمة جهة رسمية حتى يتم تمويل جزء منه، وحتى تتجاوب معك الجهات المعنية على رأسها وزارة الصحة، وتطلع على تسجيل الحالات الموثقة في مكاتب الصحة بالمحافظات، ليكون العمل دقيقاً وموثقاً، كما أنني لا أتوقع أن تحصل على دعم من الوزارة، لأن الهجوم الذي تعرضت له اليمن بواسطة الأوبئة قد تكون تواطأت فيه المنظمات التي تدعم وزارة الصحة والعمل الإنساني، وسيشكل ذلك عائقاً أمام فتح هذا الملف، وأي تحقيق قد يشير إلى أن لهم علاقة، كما سيفضح مشغليهم ومموليهم من دول العدوان، لذا سوف تستعدينا المنظمات في وقت نحن بحاجة إليها، وهناك اعتماد كبير عليها. فكان ما طلب مني بطريقة غير مباشرة هو تأجيل الموضوع، فنثر كل الأوراق حاليا صعب، ومتخذ القرار معذور إلى حدٍّ ما.
جدير بالذكر أنه صار من المألوف الإعلان أن المنظمات قدمت مواد إغاثية فاسدة ومنتهية الصلاحية في أكثر من مكان وزمان في اليمن، وقد تم اتهامها بنشر طاعون المجترات بين المواشي في تعز وشبوة.

يجب التوثيق وتجهيز ملف دعوى
ويضيف الطبيب ذاته: لكن يجب التوثيق ولو سرا، ودراسة كل الحالات وإثباتها وإظهار الارتباط بينها وبين العدوان وأسلحته، وتجهيز ملف دعوى لمواجهة ملفات قد ترفع ضدنا بالمناسبة، فقد ترفع علينا دعوى لدفع تكلفة العدوان علينا. فقد أدخلت اليمن تحت الفصل السابع بطلب من اليمن نفسها أيام مؤتمر الحوار، والفصل السابع ينص على أن مجلس الأمن والأمم المتحدة يحق لهما التدخل في اليمن بالقوة لمنعها من إلحاق الضرر بنفسها أو بجوارها حسب دعواهم، وسلم ملف اليمن للسعودية، ثم انتخب الفار هادي رئيساً بالتوافق، وعندما تم شن العدوان علينا كانت الحجة حماية الشرعية، وبطلب من الرئيس المتوافق عليه من قبل كل اليمنيين. وعلى اليمنيين أن يدركوا خطر معركة ما بعد العدوان الصحية والقانونية، ويستعدوا من الآن.
ويختم: نحن نواجه جيشاً من العدائيين لليمن حتى من داخل اليمن نفسها، خصوصاً في جانب التدمير الحيوي للإنسان والأرض اليمنية، وقد استوردت أسمدة محظورة عالمياً لتدمير الإنسان والتربة، وهذا ليس سراً، وقد كشفته صحيفة «لا» كذلك، وهذا لصالح وبواسطة تجار محليين معروفين.
ولا يستبعد أن تقوم قوى العدوان مقابل مبالغ مالية بجعل أراضٍ معينة تحت سيطرتها مقابر لدفن مخلفات نووية أو طبية أو حربية أو كيماوية تريد بعض الدول التخلص منها، وحصل هذا في أيام نظام الوصاية السابق، حيث تم دفن مخلفات نووية قادمة من ألمانيا، في الحديدة، وهذا ما يفسر زيادة نسبة حالات السرطان هناك.

استهداف ممنهج للإنسان اليمني
اليمنيون يُقتلون من حيث يعلمون ولا يعلمون، والاستهداف الممنهج للأرض والوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي والثروة الطبيعية، هو استهداف للإنسان اليمني كوجود حيوي بشري.
يتعرض اليمنيون لحرب بيولوجية بكتيرية تقليدية بواسطة تحالف العدوان عندما قضى على خطوط دفاعهم الصحية، فتم تدمير القطاع الصحي وإيقاف تطويره وتوسيعه ومده بالاحتياجات الضرورية بسبب الحصار والوضع الاقتصادي السيئ، وبالكاد يتماسك ويقدم ما يمكن من خدمات صحية وطبية متواضعة ضعيفة.
قطاع الصحة بلا إمدادات أدوية آمنة وكافية، وكثير من الأدوية معدومة، و97٪ من معدات المستشفيات اليمنية تجاوزت عمرها الافتراضي، حسب وزارة الصحة، وموظفو الصحة بلا رواتب، وعددهم 48 ألف موظف.
وحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن باتت خارج الخدمة.
وهذا ما حول كثيراً من الأمراض التي كانت في اليمن بنسبة ضئيلة، إلى جوائح قتلت آلافاً من الناس، كما عادت أمراض قديمة للظهور بقوة خلال سنوات العدوان، فالكوليرا عادت بعد أن زالت من اليمن منذ أواخر السبعينيات، حسب الدكتور عائض السريحي، طبيب جراح، ومدير مركز تأهيل للجلطات الدماغية، ومدير إدارة المنشآت الطبية الخاصة سابقاً.
وتسبب العدوان والحصار في انتشار الأوبئة في اليمن التي لم تكن قبل العدوان تشهد هذا الكم من الأوبئة وهذه الأنواع من الأمراض مثل الكوليرا والدفتيريا وحُمَّى الضنك والحصبة، فعلى سبيل المثال آخر وباء دفتيريا حصل في اليمن كان قبل 34 عاماً، كما يقول الدكتور الكحلاني.
صحيح أنه قبل العدوان كان الكثير من الأوبئة العادية التي تعرفها اليمن أتت من القرن الأفريقي، لكنه كان يتم مواجهتها والتحصين ضدها، أما في فترة العدوان فقد ضربت هذه الأوبئة بقوة، والسبب هو الانهيار الحاصل في أغلب قطاعات الدولة، خصوصاً القطاع الصحي، حسب عدد من الأطباء.
يقول الكحلاني إن استهداف النظام السعودي للمرافق الصحية مباشرة، واستهداف الأطقم الإسعافية وسيارات الإسعاف، ومنع استيراد الأدوية والمستلزمات وغيرها، أدى إلى شبه توقف القطاع الصحي. ويضيف: «لا شك أن اليمن في حال لا سمح الله وصل إليها فيروس كورونا، فيتوقع انتشاره بسرعة النار في الهشيم، لأن النظم الصحية القوية في الدول المتقدمة انهارت بسرعة عند وصول الفيروس إليها، فما بالكم بالوضع الصحي في بلادنا بعد 5 سنوات من العدوان والحصار الغاشم».
 
ضربة بيولوجية بلا شك
الاستهداف البيولوجي المباشر يؤكده أطباء، ويقولون إن اليمن قد ضُربت بيولوجياً بأمراض عدة، وأوضحها الكوليرا التي أصابت منذ أواخر أكتوبر 2016 وحتى اليوم أكثر من 2,344,120 يمنياً، وقتلت 3,792 شخصاً، حسب إحصائيات برنامج الإنذار الوبائي المبكر.
يقول الدكتور السريحي: السبب الرئيسي الذي قد يؤدي لانتشار الكوليرا هو مخلفات الصرف الصحي (المجاري)، وقد كانت بعض مدن اليمن قبل عقود بلا شبكات صرف صحي، وللأسف كانت المجاري تصب في الشوارع وبالقرب من المساكن، ولكن مع ذلك لم تظهر الكوليرا، ربما سببت تلك المخلفات بعض الأوبئة العادية والإسهالات والتيفوئيد والأميبيا، ولكن ليس الكوليرا، وليس بذات التوسع والتفشي الكبير كما هو حاصل الآن، وللأوبئة العادية أيضاً.
ويضيف: الكوليرا تنتقل بسبب قلة النظافة، فلو أصيب بها شخص من صنعاء مثلاً بسبب شخص أفريقي، كما يقول من يبرر ظهور الكوليرا بأنها قادمة من القرن الأفريقي، فإن هذا الشخص سيحتاج إلى أسبوع على الأقل لينقل المرض إلى أسرته، وقد ينقل أفراد الأسرة بعد إصابتهم، الكوليرا إلى محيطهم في مدة مشابهة، لكن العدوى لن تنتقل مثلا لمدينة أخرى كذمار، إلا بعد شهرين أو 3 أشهر، وقد لا تنتقل، لأنه ليس بالضرورة أن تنتقل الكوليرا عن طريق الاحتكاك أو حتى العيش بجوار شخص مصاب عندما يكون الإنسان محافظاً على نظافته الشخصية، ويغسل يديه قبل الأكل.
ويؤكد السريحي: لكن جائحة الكوليرا عندما حصلت في اليمن تم تسجيل حالات إصابة في عدة مدن ومحافظات في توقيت واحد وفي اليوم نفسه، وهذا لا يمكن أن يحصل علميا وطبيا إلا باستهداف واسع وفعل فاعل. ويرى بأن هناك وسائل كثيرة لتمرير الكوليرا إلى اليمنيين، وليست بالسلاح أو الصواريخ، ولكن قد تكون أضيفت إلى مجموعة من الأغذية المقدمة كمساعدات. وهذا سيظهر أوضح عندما ترفع مراكز رصد وعلاج الكوليرا في مختلف المحافظات توقيت ظهور الحالات لدى كل منها. والأوبئة تنقل في الحروب عن طريق الأغذية أو الجو أو الملبوسات والبطانيات أو المياه أو التربة.
تقول الدكتورة رولا طاهر إن إحصائيات 12 أسبوعاً من عام 2020 فقط، سجلت 91,748 حالة إصابة، و26 حالة وفاة بالكوليرا، وإن برنامج الإنذار الوبائي المبكر يتوقع موجة جديدة واسعة للوباء مع حلول موسم الأمطار، لافتة إلى أن الحالات شهدت انخفاضاً قليلاً مطلع العام، لأن الناس حذرون من وباء كورونا، وهم حريصون على النظافة أكثر، وتجنب الحركة والاختلاط الزائد.
 
قتل بلا حدود
لا تقف الأمور هنا، فالاستهداف ممنهج، والضربات تأتي مركزة وبأقوى تأثير، والـ28 مرضاً تقابلها مثلها وأكثر من الأمراض غير المعدية، ولكن القاتلة للأجيال الحالية والقادمة، إذ زادت نسبة السرطانات بين اليمنيين بنسبة 8٪ منذ بداية العدوان، حسب الدكتور الحاضري، كما زادت نسبة مرضى السكر، الضغط، القلب، الأعصاب، الأمراض النفسية، والكلى.
ثم يأتي التجويع والإفقار، وهما أصل أكثر الأمراض والأوبئة، كما يقول الدكتور السريحي، فحالة الفقر وسوء التغذية تؤدي إلى إضعاف الأجيال الحالية والأجيال القادمة.
ويأكل اليمنيون أسوأ الأغذية وأرخصها، ويلاحظ هذه الأيام كثرة الإصابة بالجلطات الدماغية. وإلى جانب العامل النفسي الصعب الذي تسبب به العدوان للمواطنين الخاسرين وظائفهم ومصادر دخلهم وأقارب لهم، هناك الجانب المادي، حيث أصبح أغلب اليمنيين يشترون زيوتاً رخيصة غير صحية تسبب تصلب الشرايين وترفع الكوليسترول، ولا يستطيعون شراء زيت زيتون أو زيوت دوار الشمس، لأنها فوق قدرتهم الشرائية، بل اتجه الناس حتى إلى الأدوية الرخيصة والمهربة والمقلدة.
فاليمنيون جوعى حد الموت، ولا حاجة لأن يصل وباء كورونا حتى تسجل اليمن أرقام وفيات مفزعة، فمنذ بداية العدوان يموت طفل كل 5 دقائق، بسبب كثير من الأمراض أولها سوء التغذية، حسب إحصائية «لا».
وحسب وزير الصحة، الدكتور طه المتوكل، فأكثر من 100 ألف طفل يمني يموتون على مدى السنة منذ بداية العدوان، للأسباب السابقة.
وحسب الأمم المتحدة، فإن هناك طفلاً يمنياً يموت كل 10 دقائق، و15 أماً حاملاً يومياً بفعل تداعيات العدوان، وامرأة كل يوم عند الولادة.
ويؤكد الدكتور الكحلاني أن الحروب سبب رئيسي لانتشار وتزايد أعداد الأمراض غير السارية (غير المعدية = المزمنة). فكثرة الغارات الجوية والقصف بين المدن وفوق السكان المدنيين تزيد من الحالات النفسية وأمراض القلب، وتأخر وصول المحاليل لأمراض الكلى والغسيل الكلوي قتل الكثير من المرضى، واستخدام أسلحة محرمة دوليا قد يزيد من حالات الإصابة بالسرطان.
 
زراعة الموت
لأن العدو يزرع الموت للأجيال القادمة حتى، يرى خبراء أن الأسلحة التي ألقيت على اليمن ليست تقليدية كلها، فالقنبلة التي ألقيت على جبل نقم مثلا قنبلة كيميائية، وكان يفترض أخذ عينات من التربة مكان الانفجار، وأخذ عينات من التربة في كل أماكن القصف، ويتم عمل محاضر جمع واستدلال ودراسة العينات وإرسالها إلى مختبرات خارجية لتحليلها، فبعض مواد الأسلحة يكون عمرها أسابيع وبعضها شهوراً وبعضها عشرات السنين.
فقد يتوقف العدوان، ولكن تستمر جرائمه لعقود، وهو الحريص على ذلك، فقد عمد إلى قصف منشأة في «الأزرقين» (شمال العاصمة صنعاء) كانت تقوم بالتخلص من المواد الطبية الخطرة وتحول دون جعلها تهديداً لحياة الناس بأمراض خبيثة، خاصة سرطانية، وقد استهدفها العدوان قبل 4 أعوام عند الانتهاء من تجهيزها وقبل حتى تشغيلها، بعدة صواريخ أدت إلى تدميرها بالكامل مع معداتها. كما أن قطاع النظافة والتحسين في اليمن يرزح تحت معاناة لا تقل عن غيره من القطاعات، بل أخطر، فلا بنية تحتية سابقة جيدة ومجهزة للتعامل مع زيادة السكان والتخلص الآمن من المخلفات، والقطاع منهار اقتصادياً، والمعدات والآلات والشاحنات والعمال على حافة التوقف.
وليُحكم العدو تفشي الكوليرا في بعض المناطق، قام باستهداف إمدادات المياه النظيفة، وقد استهدفت شبكات وخزانات المياه في عموم محافظات الجمهورية، وأبرزها الحديدة وصنعاء ومأرب وحجة وصعدة وتعز وعدن، وإجمالي عدد خزانات وشبكات المياه التي دمرها العدوان بلغ 660 خزانا وشبكة مياه طيلة 5 سنوات، وفقاً لتقرير صادر عن المركز اليمني لحقوق الإنسان، هذا العام.
تدمير العدوان لخزانات المياه في كثير من الأماكن التي تفشت فيها الكوليرا، الهدف منه توجيه الناس للشرب من المصادر الملوثة، وحرمانهم من الماء الكافي للحفاظ على نظافتهم. كما كان يرافق موجات الكوليرا افتعال أزمات ديزل، وللأهداف ذاتها، أي خلق عجز في إمدادات المياه، والتي أغلبها جوفية وتستخرج عن طريق مولدات تعمل بالديزل.
تقول مديرة مشاريع منظمة «أطباء بلا حدود» في اليمن والعراق والأردن، كارولين سيغين، لوكالة «فرانس برس»، إن اليمنيين «لا يمكنهم الحصول على مياه نظيفة، وبعضهم لا يمكنه الحصول حتى على الصابون». وتقول منظمة اليونيسف، مع ختام العام الخامس من العدوان، إن 18 مليون يمني، بينهم 9,2 مليون طفل في اليمن، لا قدرة لديهم للوصول مباشرة إلى «المياه الآمنة والصرف الصحي والنظافة الصحية».كما أن فقر البلاد العام ومستوى دخل الفرد المتدني والنزوح وحالة العيش الصعبة في الخيام والمدارس لـ3,3 مليون نازح، تعد من أسباب نسبة المرض وتفشي العدوى. كذلك، فإن ضعف النظافة العامة في المدن، وأحياناً انعدامها، وتزايد بؤر المياه الراكدة والقمامة المكدسة في الشوارع التي تهطل عليها الأمطار وتهب من فوقها الرياح وتجرفها السيول، تسهم بشكل رئيسي بنقل كثير من الأمراض والفيروسات والبكتيريا، التي تسبب الملاريا وحمى الضنك.
والسيطرة على حمى الضنك ليست بالمهمة السهلة، كما قال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر روبير مارديني.
وكان الوزير المتوكل، حمل دول العدوان المسؤولية الكاملة عن انتشار الأوبئة التي تفتك باليمنيين، ولم يستبعد انتشار بعضها عبر الأسلحة التي يستخدمها العدوان.
ويذكر تقرير مركز الأبحاث العالمي «جلوبال ريسيرش» أن الأوبئة أصابت حوالي 400 ألف شخص في اليمن بالكوليرا وغيرها من الأمراض القاتلة، وأن هذه الأمراض التي تسببها بكتيريا تستخدم في أسلحة تصنعها الولايات المتحدة، سبق وانتشرت في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وأفريقيا الجنوبية والعراق، ودول أخرى.
وحسب إحصائيات وزارة الصحة لعام 2019، فإن 17.1٪ من إجمالي السكان اليمنيين مصابون بعدوى الجهاز التنفسي العلوي، و6.6٪ منهم مصابون بالتهاب الجهاز التنفسي السفلي، أما التهاب الكبد الفيروسي الحاد والإسهال المائي الحاد وداء البلهارسيا فهي أقل من 1٪، و0.3٪ مصابون بالإسهال الدموي، وشكلت جميع أمراض الإسهال 9.8٪
ومن قرابة 4.9 مليون يمني ارتادوا المستشفيات خلال سنوات العدوان، فإن 3.2 مليوناً مصابون بأمراض الجهاز التنفسي.

الموت من كل جانب
لم يحتج تحالف العدوان لضرب اليمن مباشرة بسلاح جرثومي، وإن كان هذا لازال قيد الدراسة والاستدلال، حسب أطباء ومسؤولين في وزارة الصحة، وهذا ليس شرطا لإدانته، لأنه قتل اليمنيين بحرب جرثومية وحشية غير مباشرة، وذلك بالمكونات والمعطيات التي خلقتها حربه. فهناك مئات الأوبئة تظهر بمجرد أن تغيب النظافة، وأخرى عندما تغيب متابعة وزارة الصحة، وفي حالة دخلت البلاد في شبه إفلاس فهي لا تستطيع التعامل مع الأمراض والأوبئة التي تظهر في المواسم أو في المناطق الحارة أو الفقيرة أو المزدحمة، أو ما يستجد في أي وقت ومكان دون أسباب واضحة كحال الفيروسات كما حصل في فيروس كورونا، أو التي تأتي من دول مجاورة كالقرن الأفريقي.
فاليمن ورغم ما تعانيه لازالت تشكل واحدة من أكبر وجهات المهاجرين في العالم، وتسبب العدوان في عدم القدرة على السيطرة عليها وتنظيمها، فحسب المنظمة الدولية للهجرة، فعدد المهاجرين من شرق أفريقيا إلى اليمن عبر البحر الأحمر، يفوق عدد المهاجرين الذين سافروا عبر البحر المتوسط للوصول إلى جنوب أوروبا. وقالت المنظمة إن 138 ألف شخص أبحروا من القرن الأفريقي إلى اليمن عام 2019 فقط، بينما عبر 110 آلاف شخص فقط البحر المتوسط، العام ذاته.