غازي المفلحي / لا ميديا -

الأمطار الغزيرة التي هطلت على بلادنا مؤخراً أحدثت أضرارا كبيرة في عديد المنازل والمباني المشيدة بإحكام بالإسمنت والحديد والأحجار، فدخل السيل إليها أحيانا وحاصرها أحياناً أخرى، فكيف كان الحال بالنسبة لمساكن فئة المحرومين في المحاوي، وهي المكونة من طرابيل وخيام وبأسلوب بسيط؟
لقد أغرقتها مياه الأمطار وجاست خلالها محطمة كل ما يعترض طريقها، واضعة أهلها في أقسى مراحل المعاناة والبؤس..   ومع ذلك فإن مساكن المحرومين في المحاوي، وما حلت بها من كارثة لم تلفت الأنظار ولم يلتفت إليها أحد، كما هو الحال تجاه منازل أخرى خارج المحاوي، والتي سلطت عليها الأضواء وتحدث عنها الكثيرون في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

بيوت مجازية
من المعروف أن فئة المحرومين يسكنون في أكواخ متواضعة في إطار مساحة جغرافية يطلق عليها اسم «محوى»، يتخذون من هذه الأكواخ مساكن كبيوت (مجازية) لهم، لأنها لا تقوم حتى بما نسبته 20٪ من الوظائف المتوفرة في البيوت الحقيقية. 
فكل ما صمم البيت ليمنع دخوله يدخل هذه البيوت (الأكواخ)، يحرقها لهيب الشمس وتلفحها رياح الشتاء ويتسرب إليها المطر حتى لو لم يكن غزيرا أو مصحوباً بسيول، ناهيك عن الحشرات وغيرها، وهي أشبه ما تكون بالملابس مجازا، وحقيقة فإن وظيفتها لا تتجاوز ستر وتغطية ما بداخلها، ومكوناتها هي الخرق والطرابيل والأكياس والحجارة، وعندما ينهمر المطر من السماء فهي تبتل كأنها معطف يزيد من شدة البرد على جسم صاحبه، وإذا جرت بقربها المياه وليس بالضرورة أن تكون سيولاً فقد تجرفها وتمحوها كأن لم تكن.


لا ننام حتى ينتهي المطر
«لم ننم أغلب أيام المطر» هكذا تقول زوجة علي حسن ناجي التي هدمت الأمطار منزلها، وتضيف أنهم كانوا يبقون مستيقظين حتى ينخفض منسوب الماء في السائلة التي تقع منازلهم على حافتها، فلا ينامون وهي تمطر بغزارة خوفاً من أن تأتي سيول كبيرة تجرفهم.
وتتابع: «كل شيء ابتل وعشنا ليالي معاناة باردة قد لا تستطيعون تخيلها، كل واحد منا كان ينكمش حول نفسه في زاوية، وليس لنا مهرب أو اتجاه أو أهل نذهب إليهم، كل ليلة كنا ننتظر قدوم الصباح بفارغ الصبر، لتأتي أشعة الشمس وتدفينا».
وتستطرد: «كان المطر يهطل باستمرار وطوال الوقت، وفي الغالب ليلا، وقد أصبنا مع أطفالنا بكثير من الأمراض التي يتسبب بها البرد».
وتختم حديثها: «جراء ما يسببه المطر لنا من معاناة كنا نتمنى ألا تمطر السماء، وندعو الله أن يتوقف عن الانهمار».

نريد أن نعيش مثل الناس
فئة المحرومين كغيرهم من أبناء المجتمع فيهم من يعانون من أمراض مزمنة، وفيهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنهم يتفوقون على غيرهم في حجم المعاناة المضاعفة التي تنالهم في أيامهم البائسة العادية أو الاستثنائية في البؤس، ومع الأمطار تشتد معاناة هؤلاء المرضى أكثر فأكثر، الطفلة وحدة عبدالله ناصر (13 عاماً)، تعاني من مرض الشلل وهي مقعدة على كرسيها، تقول والدتها: «أنا وبقية إخوة وحدة نصبر على الجوع والأوضاع الصعبة، لكن وحدة لا تستطيع، وخلال أيام المطر الماضية كافحنا لتوفير بطانية وملابس جافة لها لتدفئتها وسط المستنقع الذي كنا فيه، ولم يكن بوسعنا الذهاب إلى أي مكان للاحتماء من المطر، فليس لنا مكان نذهب إليه غير بيتنا (لا يزيد عن 5 أمتار مربعة، ويسكنه 9 أشخاص)». 
وتضيف: «نريد المساعدة، لكي نعيش كالناس، نحن بشر ولسنا ذباباً».


وضع صعب
مر على الأمطار الغزيرة الأخيرة حوالي الأسبوعين، ولكن أكواخ المحرومين لاتزال متهالكة وبطانياتهم وأثاثهم المتواضع لايزال مبتلا.
في وسط المحوى عبّارة سيل مكشوفة تصرف الماء من الشوارع (شمال السائلة) من تحت بيوت المحرومين، لكن عندما زاد منسوب الماء فيها فاضت لتغمر أكواخهم وتغرق ما فيها.
خلال فترة الأمطار نالت بيوت (أكواخ) المحرومين في المحاوي كميات أمطار تعادل ما نالته الشوارع والأراضي المكشوفة، لأن أسقف أغلب هذه البيوت عبارة عن غرابيل قد يدخل من خلالها حيوانات صغيرة، لا أن تمنع دخول مجرد قطرات مطر صغيرة.
ونسبة المحاوي المتضررة تعتمد على المنطقة التي تقع فيها، فقد زادت السيول وأضرارها في المحاوي في مناطق اختناق مياه الأمطار ومجاري السيول كمنطقة دار سلم مثلا.

كل يعمل من جهته
قالوا لنا في أحد المحاوي التي زرناها، إن الطرابيل التي تم توزيعها لهم قبل أيام قليلة أحدثت فارقاً كبيراً لجهة تخفيف معاناتهم، فباستثناء الماء الذي غمر أرض المحوى فائضا من السائلة والشوارع وماء العبارة التي وسط المحوى، فقد حالت الطرابيل دون أن يدخل المطر بشكل كامل إلى البيوت، وقيل لنا إن هذه الطرابيل قدمت لهم من هيئة الزكاة بالإضافة إلى كسوة العيد.
وبالنسبة إلى تحسين أوضاع المحرومين بشكل عام، فبحسب مصادر حكومية، فإن هناك خطة شاملة تعد من قبل مجلس الوزراء، لكن حاليا تعمل كل جهة على تحسين أوضاع المحرومين واحتواءهم ودمجهم ضمن اختصاصها ومهامها، «هيئة الزكاة من جهة ومؤسسة الشهداء من جهة ووزارة حقوق الإنسان من جهة وبقية المؤسسات من جهة».


أهم مطلب
وبالنسبة للمحرومين فإن أهم مطالبهم الملحة في كل مناشدة للحكومة وكل من يهمه الأمر، هي توفير سكن لهم، ليتجاوزوا نصف معاناتهم، باعتبار ذلك حاجة ضرورية ومطلباً إنسانياً بالدرجة الأولى قبل التفكير بكونه وسيلة لدمجهم في المجتمع وتغيير النظرة لهم من الناس ومن أنفسهم ولتغيير واقعهم الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، لأنهم بحاجة إلى مساكن توفر لهم معيشة إنسانية تنقذهم من شبه العراء الذي يحيون فيه وهم يتقلبون بين حرارة الشمس وصقيع البرد والمطر.