التقتها/ بشرى الغيلي / لا ميديا -

رغم أنه وحيدها من الذكور بين 4 شقيقات، إلا أنها تفتخر بأنه استشهدفي سبيل الدفاعِ عن وطنه وقضيته، بل تباهي بذلك، حيث كانت متعلقة به، وكان لا يفارقها أبدا منذ كان عمره 9 أعوام، وهو يقوم بمساعدتها ويقاسمها شظف العيش والمعاناة اليومية بجمعِ قناني المياه الفارغة، ويقسم وقته بين التعليم وبين مساعدتها في عملها المتمثل بنظافةِ الشوارع.
أم الشهيد نادر الأهدل كانت إحدى العاملات مع صندوق النظافة، إلا أنها صارت محرومة من عملها، وتم إيقافها منه بحجةِ أنها تغيّبت وانقطعت عن عملها، وذلك في فترة البحث عن نادر قبل أن تتأكد من وجوده في الجبهة، وما إن عادت لمزاولة عملها حتى قيل لها إنه تم إبعادها عن شغلها، وناشدت الكثير لإعادتها دون جدوى، والآن صارت العائل الوحيد لـ4 بنات كون والدهن مرابطاً في إحدى الجبهات، وباتت متعبة صحيا خصوصاً 
بعد فقدانها لعملها كما أنها تطوعت في مجال محو الأمية بمحوى «الخرايب» في منطقة مذبح القديمة، ولها 4 من أقاربها استشهدوا في فترات وتواريخ مختلفة، جميعهم بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن كرامةِ الوطن. تفاصيل أكثر ضمن السياق.

الطريق إلى الجبهة
نادر أحد الأطفال من فئة المحرومين الذين وجدوا أنفسهم وسط معاناةٍ قاسية منذ نعومةِ أظافره في محوى «الخرايب» بمنطقةِ «مذبح القديمة»، كان يساعد والدته في جمعِ علب المياه المعدنية الفارغة، ويقسم وقته بين الدراسة ومساعدتها.. تقول والدته عن بدايةِ انطلاقته للجبهة: «في أحد الأيام جاء ابني الشهيد نادر إليَّ ليخبرني أنه سيساعدني بجمع قناني (الصحة) الفارغة لنبيعها ونقتات منها، كوني كنت أعمل في النظافة ويقوم بمساعدتي.. فقلت له: لا، ما نريد، فكان والده بجانبي فقال: اتركيه يجمع لنا القناني.. وجاء معه ابن جده سيف الأهدل..».
وتضيف: «جاء الظهر ولم يأت بتلك القوارير التي قال إنه سيجمعها لنا.. ثم جاء العصر ولا أثر له، وانتظرنا حتى وقت الغروب، لكنه لم يأت، فبحثنا عنه في السنينة ومذبح ولا أثر.. فبدأت أخاف على ابني، بسبب أنه كانت هناك حادثة قتل لأحد جيراننا الذين وجدوا ابنهم مقتولا، فخفت أن يكون نادر قد أصابه مكروه ورموا به في أي مكان معزول».
وتتابع: «تواصلت بشأنه إلى بني مطر وبني منصور فقالوا لي إنه في الجبهة، فقلت لهم من أخذه، فقالوا لي: مع سيف الأهدل ابن جده، وهو الشخص الذي استشهد معه بنفس اليوم».

جبهة «جبل النار» في عبس
تضيف أم الشهيد نادر الأهدل أنها أول ما وصلتها الأخبار بأن ابنها الوحيد في الجبهة، بدأت بطرح الأسئلة على من أخبروها بأنه في الجبهة، وقالت لهم: «قولوا لي ابني مع من سار؟ وحينها كان مشرف المحوى المرحوم محسن السلامي، فأخبرته أن ابني لا أعرف مصيره ومع من في الجبهة.. فاتصل لي ابن خالي من تهامة وقال لي: وجدنا ابنك في عبس بجبهة «جبل النار» في الساحل الغربي.. فقلت لهم أعطوني ابني أكلمه.. فلما كلمته لاحظت أن هناك اختلافاً في صوته، فخلال الشهور الثلاثة تغيّر صوته كثيرا، فكلمني وقال: كيف حالكم يا أمي؟ فقلت له من أنت؟ فقال: أنا ابنكِ نادر.. فقلت له: أعطني أمارة في بيتنا تدل على أنك نادر.. فقال: أنا ابنك نادر وبالأمارة البيت حقنا فرشت فيه طربال وكتبت لكِ فيه اسمي وتردد قناة «المسيرة».. فقلت له: الآن تأكدت أنك ابني».
وتواصل: «حتى سلوكيات نادر تغيرت كثيرا وليس فقط صوته، وصار قلبه معلقاً بالله كأنه لم يكن بعمرٍ صغير». 

في المسارِ الصحيح
بعد مرور 3 أشهر عاد نادر من الجبهةِ لزيارةِ أمه وعائلته، فجلس مع أمه ليتحدثا فقالت له: لن تعود الجبهة إلا بعد أن تخبرني مع من أنت؟ فأنت ابني الوحيد لا أريد أن أسمع أنك بصف أعداء الوطن، من الدواعش، والمرتزقة، وأريد أعرف المشرف، والفصيل، والشؤون، وأعرفهم جميعهم.. فقال لي: المهم تتركيني أرجع الجبهة وأنا أتصل لهم كلهم لتتأكدي.
وتضيف: «وفعلا اتصل بهم، وتأكدت وتطمنت أن ابني في المسار الصحيح. ولأن والده «محشّد» ومن المجاهدين كان لديه خبرة في معرفة أنه لا يكذب علينا فاطمأننا».
وتتابع: «في يوم عودته قام بإعداد الغداء لنا، وقال لي أنا جهزت الغداء واشتريت لحم دجاج وكل شيء جاهز، ما الذي تحتاجينه؟ فقلت له ما أحتاج شيئاً، ثم سألني: هل أنا قد عصيتكِ؟ فقلت له: حاشا يا ابني، من صغرك وأنت تساعدني بأعباء أخواتك، فقال: يا أمي طالما أنتِ راضية عني خليني أنطلق لأرضي الله، فالشهادة في سبيل الله أبقى من أية شهادة دنيوية، فقلت له: مع الله واستودعتك ربي».

استشهاد نادر
لأن نادر وحيد أسرته من الذكور مع 4 شقيقات، تسرد والدته عن كيفية تعامل المختصين في الجبهة معه ومع ابن جده سيف الذي استشهد معه أيضا في اليوم نفسه، وأنهم كانوا حريصين عليهما ألا يكونا بخطوط النار مباشرة لحداثة سنهما، ولأن نادر وحيد عائلته لم يتم تسليحه من قبل اللجنة هناك، فكانا بعيدين عن المعارك، وتواصل معها من غرفةِ الاتصالات بأنه سيزورها بعد شهرين.. ثم خرجا إلى جهةٍ بالقرب من المكان فتم قصفهما بطيران العدو في 25/5/2018م.
عن استشهاده تقول أم نادر: عرفت بخبر استشهاده من خلال ما لاحظته من المحيطين حولي، الذين كانوا يخشون أن يخبروني باستشهاد ولدي كونه وحيدي، حيث كانوا يتداولون الخبر همسا في ما بينهم.. ثم جاء إليَّ المشرف أبو الفضل، وكان الشؤون الخاص بهم الذي استشهد أيضاً بعد استشهاد نادر بأسبوعين (رحمة الله عليهم جميعا).. فقلت لأبي الفضل: أمانة عليك أن تتأكد لي من خبر ابني لأني ما آخذ الخبر اليقين إلا منك، فخرجت ووجدت أمي تبكي على سيف الذي كان معه بالجبهة، فقلت لها: ما لكِ تبكين؟ فقالت لي: ابن أخي سيف استشهد.. فقلت لها هو ونادر سوا يعني استشهدوا الاثنين معا..».
وعن مدى تقبلها لخبر استشهاد وليدها تقول: «تقبلت الخبر بثبات لإيماني بالقضية التي ذهب من أجلها، وأنه على حق في سبيل الدفاع عن كرامةِ وطنه، والأهم أن فلذة كبدي الوحيد بصف الوطن وقضيته المصيرية».

4 شهداء من أقاربها
نادر وإن كان ابنها الوحيد إلا أنه ليس الشهيد الوحيد في أسرة والدته، فلديها 4 شهداء من أقاربها، جميعهم قضوا في معركة الدفاعِ عن كرامةِ وطن الإيمان والحكمة في ساحات البطولةِ والشرف.
أولهم هيثم الأهدل الذي استشهد في خور مكسر/ عدن بتاريخ 2/5/2015م.
أما ثاني أقاربها الشهداء فهو الشهيد محمد راجح ابن عمها، والذي استشهد في البقع ما بين نجران ووادي أبو جبارة بتاريخ 19/2/2017م.
والثالث سيف الأهدل شقيق هيثم،والذي استشهد مع نادر بنفس اليوم في جبلِ النار بالساحلِ الغربي في 25/5/2018م.. وهو ابن خالها شقيق أمها.
والشهيد الرابع من أقاربها هو الشهيد ياسر حسين، ابن شقيقها، والذي استشهد في عمليةِ «نصر من الله» الثانية بتاريخ 12/10/2019م بمجازة في نجران، إضافة إلى أن أحد أبناء خالها أسير.
وتقول أم نادر: «مع ذلك لن نستسلم ولم نبخل برفد الجبهات حتى النصر»، مضيفة: «كنت قبل استشهاد نادر أمشي ورأسي مطأطأ بالأرض، وبعد استشهاده صرت أمشي ورأسي بالسماء مرفوع لأنني مؤمنة بشرفِ القضية التي دافع عنها».

أوقفوني من عملي مصدر رزقنا الوحيد
كانت أم نادر تعمل في مجال النظافة منذ 21 عاما، وأثناء مرحلة بحثها عن نادر تغيّبت عن عملها الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد كعاملةِ نظافة، وبعد أن اطمأنت أنه في الجبهة، عادت من أجل ممارسةِ دوامها اليومي والقيام بعملها كما جرت العادة، إلا أنه تم إبلاغها بأنها موقوفة عن العمل، بحجة أنها منقطعة عن العمل، فناشدت، ورفعت شكاواها، ولا فائدة لذلك، وتم قطع راتبها الذي يعتبر مصدر رزق أطفالها الوحيد.. ثم أخرجت ورقة سنرفقها ضمن هذا اللقاء من مشرف مربعهم محوى الخرايب المرحوم محسن السلامي، فحواها: المذكورة أعلاه ابنها معنا في الجبهة، وهي متطوعة أيضا للتدريس في مجال محو الأمية، ولديها درجة معلمة بعد أن تم تأهيلها. ورفع بالمذكرة لصندوق النظافة ليتم صرف راتبها، ومع ذلك رفضوا رفضا قاطعا.
وتضيف لصحيفة «لا»: «من يومها وأنا موقوفة، والآن أعاني من ظروفٍ قاسية كجمع علب الصحة الفارغة، والتسول في الشوارع، وننتظر الصدقات أنا وبناتي القاصرات، أريد من صندوق النظافة أن يعيدوا لي عملي لأصون نفسي وبناتي من الشوارع وسؤال الناس، ونحن نخرج نتسول غصبا عنّا لكي لا نموت جوعا، رغم أنني كنت في حالٍ أفضل ومستورين، عندما كان زوجي ـ قبل أن يذهب إلى الجبهة ـ وابني نادر موجودين يشتغلان ويساعدانني، ولي حتى الآن 3 أعوام رغم وجود اسمي بالكشوفات، دون عمل وبلا راتب».
وتستطرد بوجعٍ وحسرة: «أريدهم أن يعيدوني إلى عملي، فهذا عرق جبيني وجبين ابني نادر الذي ضحى بروحه فداءّ لوطنه، وكان يعمل معي بالنظافة منذ كان طفلا وعمره 9 سنوات، وشاخ عمري وأنا أنظف الشوارع، وبالأخير حرموني من عملي، وأناشدهم عبر صحيفتكم الموقرة بأن يعيدوا لي عملي ليس تكرما منهم بل حقاً من حقوقي، فأنا منذ عام 2001 أعمل في مجال النظافة». وأشارت إلى امرأة كانت متواجدة معها بأنها حرمت هي الأخرى، و4 من زميلاتهما، من الاستمرار في العمل.

رسائل قصيرة
أبرقت أم الشهيد نادر رسائل قصيرة في ختام لقائنا بها قائلة: «رسالتي الأولى للمحرومين بأن ينطلقوا إلى الجبهات وألا يظلوا محرومين بالدنيا والآخرة لأنها النعيم المقيم.. ورسالتي الثانية أقول فيها لجميع من لم يلتحقوا بالمجاهدين من أبناء اليمن بأن يخجلوا من الله ورسوله فماذا ينتظرون؟ ورسالتي الأخيرة لجميع أهلي ومعارفي بأن ينطلقوا إلى الجبهات لأننا لم نعد نريد شيئا من الدنيا إن لم نعش بكرامة».
وفي ختام اللقاء عبرت أم الشهيد نادر عن ثنائها وتقديرها لصحيفة «لا»، لما تبديه من اهتمام دائم بفئةِ المحرومين ومناقشة قضاياهم ومشاكلهم.