تحقيق/ بشرى الغيلي  / لا ميديا -

من المدرسة ينهض النشء بوطنه ويرتقي به، أو العكس.. فمنها يتخرج المعلم، والطبيب، والمهندس، والمحاسب، والإعلامي، والأكاديمي.. إلخ، ومن المدرسة يبدأ الفشل أيضا.. فالأخطاء الطباعية صارت بشكل ملحوظ في المناهج المدرسية، بخاصة في المدارس الحكومية، ناهيك عن انعدامها أو عدم توفرها، مما يضطر أولياء الأمور لشراء الكتب من الأرصفة التي هي الأخرى لا تخضع للرقابة وتحمل نفس الأخطاء.
وحسب مصدر في وزارة التربية والتعليم، فإن الوزارة تطبع الكتاب الجديد المطور للطالب الغني الذي يدرس في المدارس الأهلية، وهي أيضا تتحمل جزءاً من المشكلة، كذلك حكومة الإنقاذ التي يدرسون المسؤولون فيها أبناؤهم في مدارس أهلية، ولا يشعرون بمعاناة الطلاب الفقراء في المدارس الحكومية وهم عامة أبناء الشعب.
بدورنا في صحيفة «لا» حاولنا البحث عن إجابات لتساؤلاتنا، وكيف تصل الكتب إلى السوقِ السوداء وتباع على الأرصفة، بينما لا تصل إلى المدارس الحكومية..؟ نقاط كثيرة ناقشناها في هذا التحقيق.

«لا» بالقربِ منهم
لأنهم محور القضية التقت «لا» مجموعة من طلاب المدارس الذين يعانون جراء الأخطاء الطباعية، ناهيك عن انعدام كتب المنهج في مدارسهم الحكومية، حيث بدأت تغريد عبدالله (خامس أساسي في مدرسة عائشة للبنات)، بأنها تجد العناوين في فهرس الكتاب كاملة وتفتح الصفحة المحددة فتجدها محذوفة، مما جعلها تلجأ إلى بنت جيرانهم التي أصبحت في صف سادس، وتأخذ كتابها لتذاكر منه رغم أن طبعته قديمة.
وفي المدرسة نفسها تقول سهى (ثامن أساسي) إن والدها اشترى لها كتب المنهج من رصيف التحرير، ومعظمها لا تخلو من أخطاء، ولم تستطع المذاكرة بمفردها، لأن المنهج عبارة عن تساؤلات والمعلومات الأساسية في الدرس تتكون من سطر إلى سطرين، بمعنى أنه يجب عليهم البحث عن إجابات حتى وإن كانت من خلال الاستعانة بكتاب آخر!
صفاء (تاسع أساسي) هي نموذج آخر، ولكن هذه المرة من إحدى المدارس الخاصة، تقول إن الكتاب لديهم متوفر بطبعته الجديدة، والأخطاء موجودة، ولكنها قليلة، ولا تقارن بما هي موجودة في المدارس الحكومية.
عماد (أول ثانوي في مدرسة خالد بن الوليد)، يؤكد أنه لم يصرف لهم أي كتاب في المدرسة منذُ بدأوا الدراسة والكتب غير متوفرة، ويعتمدون على المدرس الذي يقوم بكتابة ملخص الدرس في السبورة وينقلونه لدفاترهم وتتم المذاكرة منه فقط، مما أثر على تحصيلهم كونهم محصورين في معلومات محددة قد لا تفي بالغرض، ومجرد تحصيل حاصل.
وهو ما يؤكد صحة المعلومات التي أشار إليها الكثيرون من أن المدارس الخاصة تقدم لطلابها الطبعة الجديدة من كتب المنهج المدرسي، بينما طلاب المدارس الحكومية يتجرعون المعاناة، لأن الحكومة لم تطبع للمدارس الحكومية!
 
أرصفة مفتوحة للسوقِ السوداء!
في محاولاتنا البحث عن إجابات لتساؤلات كثيرة حول كيفية وصول المناهج المدرسية إلى أرصفةِ التحرير، بينما لا تتوفر في المدارس، ولا يجدها الطلاب في متناولهم، كانت بعض الإجابات صادمة.. يقول أبو رامز (أحد بائعي الكتب على الرصيف بالتحرير): «نبيع طبعات من سنوات سابقة، وأحيانا يتم تنزيل الكتاب pdf من موقع محدد، ثم نقوم بطباعته بمطابع خاصة ببائعي الكتب في الأرصفة».
ويضيف: «لكن المشكلة التي نواجهها هنا تتمثل في الأغلفة، فنقوم باقتطاع الأغلفة من كتب قديمة ونغلف بها الكتب التي نطبعها».

يبيعونها لنا جاهزة!
صاحب بسطة كتب آخر، يبيع الطبعة الجديدة التي تطبع خصيصا للمدارس الخاصة، رفض الإفصاح عن اسمه، واكتفى بقول حقيقة مُرة في إجابته على سؤالنا له من أين تحصلون على الكتب؟ وكيف تبيعونها دون معرفة ما فيها من أخطاء؟
قال بالحرف الواحد: «يأتون بها لعندنا جاهزة وعاد الواحد جنبه (عسكري) ولا أحد يقدر يعترض طريقه، ونحن نبيعها لأولياء أمور الطلاب».

نطلب الله على عيالنا
نموذج ثالث بمجرد أن اقتربنا منه قال: «لا تصوريناش»، لأنه رآنا نلتقط صورا لرصيف زميله في البسطة المجاورة، فتم تطمينه أننا لا نلتقط الصور إلا بعد أخذ الإذن، وعند سؤالنا له من أين تأتي بالكتب؟ قال: «نطبعها في المطابع التي بالجامعة، وأحيانا نأتي لشرائها وهي جاهزة لأن تلك المطابع تطبعها وتبيع المنهج جاهزاً وهم يأخذون المادة pdf من مواقع خاصة».
يضيف كلاما يبدو واقعيا إلى حد ما: «نحن نحاول أن نوفر الكتب الدراسية لنخفف من معاناة الطلاب أفضل من بقائهم بلا كتب، وأحيانا نكون بأمان الله نطلب الله على عيالنا يهجم علينا (المتهبشون) لندفع لهم ضرائب».
النماذج أعلاه غيض من فيض.. اكتفينا بأخذ بعض الآراء لمعرفة ما يدور خلف ذلك الرصيف المفتوح.

عجز في طباعة الكتب المدرسية
لحساسية الموضوع طرحته «لا» على الدكتور ضيف الله حسين الدريب، مدير عام المناهج بوزارة التربية والتعليم، الذي أوضح الكثير في رده على تساؤلاتنا ووضع النقاط على الحروف، حيث يقول: «أحب التوضيح بأن تطوير المناهج عملية مستمرة، فهناك كتب جديدة مطورة، وفي مخازن بعض المدارس كتب قديمة للمادة نفسها، ونتيجة لعجز الدولة عن طباعة الكتب الجديدة المطورة لجميع الطلاب في اليمن، فإن الطالب المحروم من الكتاب الجديد مضطر للاستفادة من الكتب القديمة».
فالحصول على كتاب قديم أفضل من البقاء بدون كتاب، حسب رأي الدريب، مضيفا أن «الإدارة العامة للمناهج قامت بتطوير عدد من المواد، مثل مادة القرآن الكريم للصفوف (1ـ6)، ومادة التربية الإسلامية للصفوف (1ـ6)، مادة الاجتماعيات للصفوف (3ـ6)، مادة اللغة العربية للصفين الأول والرابع من التعليم الأساسي، وتطوير المواد المذكورة يتطلب سحب الكتب القديمة من المخازن نهائيّا، وتوفير الكتب الجديدة المطورة لجميع طلاب اليمن، ما لم فإن التعامل مع الكتاب القديم يعني وجود منهجين مختلفين، وهذا يسبب إرباكا وخللا في التعليم».
أما بالنسبة لبقية المواد والصفوف، فيقول: «يمكن الاستفادة من الكتاب القديم خلال العام الدراسي 2020/2021 فقط، كون الوزارة بصدد التطوير لبقية الصفوف والمواد الأخرى، وفي العام القادم ـ بإذن الله ـ ستقر اللجنة العليا للمناهج مناهج مطورة للمواد المذكورة أعلاه تشمل المرحلة الأساسية كلها».
ويشير الدريب إلى أن الإدارة العامة للمناهج مسؤولة عن التوضيح، وعلى الجهات ذات العلاقة ـ مثل إدارة التوجيه ومكاتب التربية ـ منع تداول الكتب القديمة، وعلى الدولة توفير الكتاب المدرسي المعتمد لجميع الطلاب، كون التعليم مجانيّا، وبالتالي إلغاء الكتب القديمة المشوبة بالأخطاء، ومنع تداولها.

لا ندري كيف وصلت الرصيف!
وحول سؤالنا عن أن بعض كتب المنهج المدرسي تجد في فهرس الكتاب عنوان درس معين، لكن الدرس نفسه غير موجود داخل الكتاب، قال الدريب: «هذا غير موجود في مناهجنا المعتمدة المطورة».
وعن المناهج التي فيها أخطاء، وتباع في أرصفة الشوارع، ومن أين مصدرها أوضح بالقول: «المناهج الدراسية التي فيها أخطاء وتباع في أرصفة الشوارع ربما تكون مناهج دراسية (قديمة) صادرة من مطابع الكتاب المدرسي التابعة لوزارة التربية، وفيها هذه الأخطاء، ولا أدري كيف وصلت إلى السوق السوداء».

غير خاضعة للرقابة
ويعترف الدكتور الدريب بضعف الدور الرقابي لوزارة التربية على المناهج الدراسية التي تباع في أرصفة الشوارع، وعدم مراجعة محتوياتها نتيجة للظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن، «لكن هذا لا يعفي الوزارة من بذل جهدها في معالجة هذه المشكلة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة».
ويضيف: «المناهج الدراسية التي تباع في أرصفة الشوارع غير خاضعة للرقابة، وربما يكون بعضها نسخة طبق الأصل من المنهج المدرسي الحكومي، وبعضها تقوم بعض المطابع الخاصة بطباعتها لاستغلال الفراغ الحاصل في غياب كتب المناهج المدرسية، وتلك الطباعة مخالفة لمعايير الطباعة الرسمية، وليس هناك ترخيص رسمي بطباعة تلك المناهج المشوبة بالأخطاء التي يتم بيعها في السوقِ السوداء».

تجاوزات فادحة
ويواصل الدريب حديثه بالقول: «ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، فالتجاوزات أكبر من هذا بكثير، حيث وصلت إلى صنعاء وبعض المحافظات مناهج دراسية قديمة تم طبعها في السعودية طباعة فاخرة، وفيها أخطاء فادحة، وقد أرسلنا نسخة منها لرئاسة الجمهورية وحكومة الإنقاذ، ووضحنا لهم أن عجز الدولة عن طباعة الكتب الجديدة المطورة لجميع طلاب اليمن، هو سبب تسرب تلك المناهج الموبوءة وقيام جارة السوء بتوزيعها مجانا».
ويستطرد: «بعض المدارس الأهلية تقوم ببيع كتب قديمة لطلابها بحجة أنها موجودة في مخازنها من العام الماضي، ولا تريد شراء الكتاب الجديد المطور؛ لأن ذلك سيكلفها دفع مبالغ إضافية. وولي الأمر لا يدري أن ابنه يدرس في الكتاب القديم، لأنه لا يشك في المدرسة الأهلية التي دفع لها عشرات الآلاف مقابل توفير متطلبات ابنه كالكتب والمعلمين».

الوزارة جزء من المشكلة
أما دور وزارة التربية في هذا الجانب فهي جزء من المشكلة؛ حسب الدكتور الدريب، موضحا السبب: «الوزارة تطبع الكتاب الجديد المطور للطالب الغني الذي يدرس في المدرسة الأهلية؛ لأنه يدفع لمطابع الكتاب المدرسي ثمن المناهج الدراسية الجديدة، أما الطالب الفقير فالوزارة عاجزة عن طباعة الكتب الجديدة المطورة له، وسبب عجزها عن القيام بمسؤولياتها هو عدم وجود الميزانية الكافية لطباعة الكتاب المدرسي لجميع طلاب اليمن».

الحل ممكن إذا تضافرت الجهود
خلال نزولنا الميداني لبعض الأرصفة لاحظنا إقبال أولياء الأمور على شراء كتب المناهج الدراسية، تلك التي تحمل الأخطاء الطباعية، في ظل عدم توفرها في المدارس الحكومية لكنها متوفرة في المدارس الأهلية، فأين يكمن الخلل؟
وللإجابة على هذا السؤال يوضح الدكتور الدريب أن «الخلل يكمن في العجز عن طباعة الكتاب المدرسي لجميع طلاب اليمن، وأنا أوجه السؤال الآتي للشعب اليمني: من المسؤول عن توفير الكتاب المدرسي لجميع طلاب اليمن؟ لماذا تلقون باللوم على وزارة التربية والتعليم وحدها؟! أليست حكومة الإنقاذ تعلم أن الكتاب المدرسي الجديد لا يُطبع منذ بداية العدوان الأمريكي على اليمن؟ أليست حكومة الإنقاذ تعلم أن وزارة التربية والتعليم لا تملك الميزانية الكافية لطباعة الكتاب المدرسي منذ 6 سنوات؟! أليست حكومة الإنقاذ تعلم أن الكتاب المدرسي الجديد يُطبع للطالب الغني فقط في المدارس الأهلية؟! أليس الكثير من المسؤولين في حكومة الإنقاذ يسجلون أبناءهم في مدارس أهلية ويضخون لها الرسوم الكبيرة! وكأن أمر المدارس الحكومية لا يعنيهم؟!».
ويرى أن توفير الكتاب المدرسي لجميع الطلاب اليمنيين مشكلة ممكن حلها إذا تضافرت الجهود، «من وجهة نظري لو باعت وزارة التربية والتعليم الكتاب المدرسي لكان خيرا لها وللشعب من حرمان الطلاب من الكتب نهائيّا، فعندما تركت الوزارة حبل هذا الموضوع على غاربه غاب الكتاب المدرسي الجديد المطور عن المدارس الحكومية. لماذا لا يتوفر المنهج المدرسي في المدارس الحكومية بأسعار رمزية غير ربحية؟! لماذا لا تسمح الوزارة لدور النشر الخاصة بأخذ نسخة إلكترونية معتمدة للكتاب المدرسي وبيعها بسعر معقول؟!».
ويختتم حديثه بالقول: «إذا كان ولي الأمر يشتري المناهج الموبوءة من السوق السوداء، فلماذا لا توفر الوزارة نقاطا لبيع الكتب الرسمية المعتمدة في جميع المحافظات، وتمنع الكتب القديمة المشوبة بالأخطاء التي تباع في السوق السوداء؟».

آخر الأوراق
مما سبق نخلص إلى أن القضية مشتركة بين وزارة التربية والتعليم وحكومة الإنقاذ.. فمن غير المنصف أن أبناء المسؤولين يدرسون في مدارس أهلية وكل الظروف مهيأة لهم، ولذلك لا يشعرون بمعاناة معظم أبناء الشعب الفقراء الذين يدرسون في المدارس الحكومية، ومن لا يستطيعون حتى توفير ثمن كتاب واحد على أن يسجلوهم في مدارس خاصة، ناهيك عن العشوائية التي تمتهنها السوق السوداء لبيع المناهج المدرسية على الأرصفة، كما لاحظنا كيف يتم ذلك ضمن التحقيق، فتطوير الإنسان يبدأ من الصفوف الأولى، ولذلك في كل دولِ العالم يركزون على النشء، لأنهم أساس التنمية والرقي والحضارة، ومن المدرسة يبدأ خراب العقول إذا لم تجد من يوجهها الوجهة السليمة.