دمشق: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
قدمت انتخابات الرئاسة السورية أنموذجاً فريداً من الديمقراطية وهي ديمقراطية "الإرادة والتحدي" التي أثبتت أنها أقوى بكثير من الديمقراطية المبنية فقط على صناديق الانتخاب، لأنها لا تكتفي فقط بتحديد هوية من تنتخبه، وإنما تسنده بشرعية القوة والإرادة والتحدي، والموافقة على البرنامج الذي يحمله مرشحها وهو هنا الرئيس بشار الأسد الذي حدد برنامجه تحت شعار "الأمل بالعمل".
الملايين من السوريين الذين أقبلوا على صناديق الانتخاب لم يأتوا فقط للإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة، وكذلك الملايين الذين احتشدوا في الساحات بعد الانتخابات لم يكونوا ينتظرون إعلان النتائج، وإنما هذه الملايين التي تعبر في كل الحسابات عن معظم شرائح المجتمع السوري، وأتجرأ لأقول العربي.. وجهت رسائل عديدة ذهبت في كل الاتجاهات:
رسالة تقول إن ما من أحد في العالم يملك حق التحدث باسم الشعب السوري إلا الشعب السوري.
ورسالة تقول إن ما من أحد في العالم قادر على فرض خياراته على الشعب السوري.
ورسالة تؤكد وفاء الشعب السوري ونبل قيمه، وهي تقول للعالم إن من وقف معنا في الشدة، وقاوم معنا الحصار والضغوط، وحافظ على سورية ووحدتها، لن نخذله في صناديق الانتخاب.
ورسالة تقول إن من خالف إرادة الشعب السوري من حملة الهوية السورية، لا يملك شرف الانتماء إلى سورية وقيمها الحضارية والتاريخية، وهؤلاء فرزوا أنفسهم بأنفسهم ولن يحلموا بهذا الشرف بعد الآن.
أما الرسالة الأهم فتقول إن سورية انتصرت وستستكمل انتصارها بتحرير ما تبقى من أراضيها، وحان وقت العمل لإعادة بناء سورية لتنهض من بين الأنقاض كطائر الفينيق قوية متجددة وحيوية وحضارية ومنتصرة.
ما أذهل الأعداء قبل الأصدقاء، أن الصورة الفريدة التي قدمها المجتمع السوري، جاءت بعد أن حاول قادة وإعلام حلف العدوان بكل ما أوتوا من قوة لتشويه صورة الرئيس الأسد في عيون جمهوره المكون من معظم شرائح المجتمع السوري، ومارسوا لتحقيق هذه الغاية كل ما يمكنهم من التضليل والضغوط والحصار ومحاولة تجويع الشعب السوري، بهدف تحميل مسؤولية ما يعانيه هذا المجتمع من مشاكل وأزمات والوقوف في طوابير على الأفران ومحطات الوقود ومواقف النقل العام إلى الرئيس الأسد شخصياً، لكن الشعب السوري الذي أثبت أنه من أكثر شعوب العالم وعياً وفهماً وقدرة على تحليل ما يحدث حوله أدرك أن محاولة النيل من الرئيس الأسد لم يكن لشخصه، وإنما لسببين، الأول: هو صموده الأسطوري خلال العدوان الشرس الذي شن على الدولة والمجتمع في سورية على مدى أكثر من 10 سنوات السورية، وحمى بصموده هذا الدولة السورية من السقوط في براثن العصابات الإرهابية وتقسيمها وتفتيت المجتمع السوري، والذي يعني بالمحصلة القضاء على سورية كهوية وطنية وقومية، والثاني: بسبب البرنامج الذي يحمله الرئيس الأسد لتحرير إرادة الشعب السوري، وصون حريته واستقلاله والانتقال معه من مرحلة الانتصار في الحرب، إلى مرحلة العمل وإعادة البناء ونهضة سورية حيث يوجد فارق هائل بين قيادة دولة وهي منتصرة ومستقلة ومسيطرة على ثرواتها، وفيها مجتمع محرر الإرادة ويمتلك كل مقومات النهوض والتطور، عن دولة مسيطر على إرادتها وثروات شعبها، وهو ما نرى نماذج كثيرة منها في محيطنا ومنطقتنا.
وما أذهل أكثر من حاول تشويه صورة الرئيس الأسد أن هذه الصورة الوطنية لم تقتصر على السوريين في الداخل وإنما تشارك فيها السوريون في الخارج بمعظم شرائحهم، مؤكدين بذلك أن تهجيرهم جاء بسبب إرهاب المجموعات الإرهابية التي سيطرت على مناطقهم، مكذبين بذلك الصورة التي حاول إعلام تحالف العدوان زرعها عن الجيش السوري بأنه "يقتل شعبه، وكان السبب في تهجير ملايين السوريين"، وهذا ما ظهر بوضوح من خلال منع معظم دول تحالف العدوان السوريين الموجودين على أراضيها من الإدلاء بأصواتهم وبخاصة تركيا وألمانيا التي تضم الأعداد الأكبر من المهجرين السوريين، لكن الصور التي جاءت من لبنان والأردن ومصر وفرنسا أسقطت كل ادعاءات تحالف العدوان ووسائل إعلامه.
وهكذا بدت الصورة التي قدمها السوريون يوم الانتخابات وبعدها من طوفان بشري واحتفالات الانتصار على مدار الساعة، مؤكدين وقوفهم مع الرئيس الأسد نهجاً وبرنامجاً، وقائداً منتصراً في الميدان وفي السياسة وأعاد سورية وطناً لشعب لا سوق عقار لشركات دول تحالف العدوان، وأعاد الشعب حارساً لوطن لا مجرد تجمّع لمستهلكين لما تنتجه الشركات الأجنبية.
الرئيس بشار الأسد أكمل هذه الصورة والرسائل التي وجهها السوريون بوقوفهم معه ومع برنامجه، إذ أكد أن الانتخابات لم تكن مجرّد مناسبة لإدلاء المواطنين السوريين بأصواتهم في صناديق الانتخاب لاختيار رئيسهم للسنوات السبع القادمة، وإنما كانت غربالا وفرزاً سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بين من ينتمي للقيم السورية النبيلة وهم الأغلبية من شرائح المجتمع السوري، ومن ارتضى بنفسه أن يكون أداة بيد أعداء سورية ضد وطنهم.
وقال الرئيس الأسد في كلمته التي وجهها إلى الشعب السوري بعد إعلان نتائج الانتخابات: "إن ما قمتم به خلال الأسابيع الماضية لم يكن مجرد احتفالات بمناسبة، ولا مجرد تعبير عن اندفاع وعاطفة وطنيين، أو التزام بواجب وطني هو المشاركة بالانتخابات الرئاسية، بل ظاهرةَ تحد غير مسبوق لأعداء الوطن بمختلف جنسياتهم، وهو أقوى مستوياتِ الشدةِ في إرسال الرسائلِ المناسبة لأشخاص جلسوا في الغرف المظلمة يحيكون الدسائس".
وخاطب السوريين قائلاً: "عرّفتم الثورة وأعدتم إليها ألقها بعد أن لوث اسمَها جزء من المرتزقة وفاقدي الشرف حاملي جواز سفر سوري، أنقذتم سمعتها وأعدتم إطلاقها".
وأضاف: "ما قمتم به كان ظاهرةَ تحد غيرِ مسبوق لأعداء الوطن بمختلف جنسياتهم وولاءاتهم وتبعيتهم، كان تحطيماً لغرورهم وكبريائهم الزائف، وصفعةً على وجوه عملائهم وأزلامهم، هذا التحدي هو أعلى درجاتِ التعبيرِ عن الولاء الصادق والعميق للوطن".
وتابع: "لقد قلبتم الموازين ونسفتم قواعدَ اللعبة وأكدتم بما لا يدع مجالاً للشك أن قواعدها توضع هنا، وتصنع هنا، وتحدد هنا، بأيدينا.. ولا مكان لشركاء سوى للإخوة والأصدقاء".
وخلص الرئيس الأسد إلى القول إن "اختيار الشعبِ لي لأقوم بخدمته في الفترة الدستورية القادمة هو شرف عظيم لا يرقى إليه سوى شرف الانتماء لهذا الشعب.. ليس بالهوية فقط، وإنما بالتطلعاتِ والأفكار والقيمِ والعادات، وما يزيدني حماسةً وثقةً بالمستقبل، هو روحُ التحدي الموجودة لديكم، والتي من دونها، لا يمكن لحامل المسؤوليةِ من مواجهة التحديات الوطنية الكبرى".
وهكذا جاءت نتائج انتخابات الرئاسة السورية، مكملة في السياسة الانتصارات التي يحققها كامل حلف المقاومة في المواجهة الميدانية، بخاصة وأنها جاءت بعد انتصار المقاومة الفلسطينية، وصمود وانتصار الشعب اليمني، ونجاح إيران في فرض إرادتها في مفاوضات الملف النووي، ونجاح المقاومة اللبنانية في فرض قواعد اشتباك تجعلها قوية ويدها العليا في مواجهة العدو الصهيوني.
وما يرعب تحالف العدوان عموماً والعدو الصهيوني خصوصاً، هو أن انتخاب الجمهور السوري للرئيس الأسد لا يمكن النظر إليه بأي شكل من الأشكال على أساس أنه مقتصر على منصب الرئاسة السورية، وإنما هو انتخاب على أساس برنامج عمل مقاوم ومنتصر، يزداد قوة ويزيد من تثبيت جذوره، وأن برنامجه للمستقبل لن يكون لبناء سورية وحدها، وإنما لبناء كامل منطقة المشرق العربي وهي منتصرة ومحررة الإرادة والثروات، وهذا يعني تلقائيا موت المشروع الصهيوني والاستعماري الغربي، وهو ما يتأكد في سلسلة الانتصارات التي تحققها سورية وحلف المقاومة، وأننا على موعد مع انتصارات لن تتوقف حتى تحقيق الانتصار الكامل، وسيكون للرئيس الأسد الشرف بأنه كان في طليعة القادة الذين حققوا هذا الانتصار.. وإن غداً لناظره قريب.