ولي العهد السعودي من حفرة خاشقجي إلى حفرة الجبري
الصندوق الأسود الأمريكي يهدد ابن سلمان بـ«خاتم روسي مسموم»

تقرير: غازي المفلحي / لا ميديا -
لم يلتقط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنفاسه بعد أزمة مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي، بطريقة وحشية في مبنى السفارة السعودية بمدينة إسطنبول التركية، وما صاحب ذلك من اتهامات تؤكد تورطه في هذه الجريمة، وتعرضه لعمليات ابتزاز كبرى من أمريكا والغرب لإنقاذه من تبعات الجريمة، حتى أسقطته الأيادي الأمريكية في مشكلة جديدة معقدة ومزعزعة لعرش الأمير الغارق في الورطات.
دخل الأمير والسياسي المبتدئ محمد بن سلمان في صراع مع رجل الاستخبارات السعودية الخطير والصندوق الأمريكي الأسود سعد الجبري، الذي يبدو أنه يستخدم في غزوة أمريكية جديدة على السعودية وخزائنها.
الأسبوع الماضي برز بحدة صراع بين سعد الجبري ومحمد بن سلمان، وهو خلاف مستمر منذ عام 2017. وظهر الجبري، المستشار السابق بالاستخبارات السعودية، على شاشة (CBS) الإخبارية الأمريكية، وصرح بمعلومات يرجح كثيرون أنها قد تزعزع حكم ابن سلمان، إذ تحدث الجبري عن بعض الأمور الخطيرة مثل تخطيط محمد بن سلمان لاغتيال الملك عبدالله بن عبد العزيز، مهدداً بالكشف عن المزيد من الخفايا والأسرار إن استمر تهديد ابن سلمان لأمنه وحياته وحياة أفراد أسرته.
وكان سعد الجبري لسنوات الذراع اليمنى للأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، وكان حلقة الربط بين الاستخبارات السعودية وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والكندية والاسترالية والنيوزيلاندية.
وترقى الجبري، المصنوع أمريكيا والحاصل على الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي في جامعة إدنبره، في المناصب الحكومية السعودية حتى وصل إلى منصب وزير عضو بمجلس الوزراء، وحصل على رتبة لواء في وزارة الداخلية.
لكن في العام 2015 تغير كل شيء باغتيال الملك عبد الله، وبدأت فصول لعبة أمريكية جديدة، استغلت قيادة أضعف للسعودية مع صعود الملك سلمان إلى العرش ونجله محمد لمنصب وزير الدفاع ثم لمنصب ولي العهد بعد سنتين في انقلاب بدون دم في الظاهر أطاح بمحمد بن نايف الذي كان وليا للعهد.
وبعد أن خبت أزمة خاشقجي اشتعلت أزمة الجبري، الذي كشف أسراراً عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعدما تطورت الخلافات بينهما واحتدت، وضغط الحكومة السعودية على الولايات المتحدة واستخدام نفوذها لملاحقة الجبري في المحاكم وتجميد أمواله، بالإضافة إلى قيام السلطات السعودية بسجن اثنين من أبناء سعد الجبري في السعودية.
وفي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة"، على قناة (CBS)، كشف الجبري، الأحد 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن تخطيط محمد بن سلمان لاغتيال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ليتسلم والده العرش. وخلال لقاء جمع رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، عام 2014، تباهى الأخير بأنه يمكنه بمنتهى السهولة التخلص من الملك عبد الله الجالس على العرش حينها وتسليمه بالتالي لوالده. وعن خطته في ذلك قال ابن سلمان: "حصلت على خاتم مسموم من روسيا. يكفي أن أصافحه وسوف ينتهي". 
وأكد الجبري أن هناك مقطع فيديو يؤكد ذلك، وأن هذا التهديد باغتيال الملك صور سرا. وسلّم الجبري مقطع فيديو للقناة يتحدث فيه بشكل مطول عن المزيد من الحقائق التي وصفت بالمزلزلة، طلب نشره على نطاق واسع، إذا ما تعرّض للقتل.
الجبري اتهم محمد بن سلمان بالتخطيط لقتله عبر إرسال فريق اغتيال لتصفيته في منفاه بكندا، مثل الفريق الذي أرسله لتنفيذ عملية اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي بتركيا عام 2018.
وقال الجبري إن المجموعة كانت مؤلفة من أعضاء فريق سمّي في التحقيقات باسم "فريق النمور"، وهو فريق ظل من القتلة المأجورين شكله الأمير محمد بن سلمان، وهم متخصصون في القتل خارج نطاق القضاء ويقومون بالاغتصاب والتعذيب.
وقال إن الفريق يمثل جزءا من نمط السلوك الاستبدادي لولي العهد، الذي أُشيد به في السابق على أنه إصلاحي، لكنه "قضى على المعارضين بلا رحمة منذ أن أصبح وليا للعهد".
وأوضح الجبري أنه تلقى إنذاراً بعدم الاقتراب من أي مبنى دبلوماسي سعودي في كندا.
وبحسب الجبري، فإنّ ولي العهد السعودي يستمر في ملاحقته، بسبب ما لديه من حقائق قد تهدد ملكه، وتدينه أمام المجتمع الدولي. 
وضمن تصريحات الجبري: "إنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مريض نفسي، وبلا رحمة، ولا يتعلم من الماضي".
وهرب الجبري عام 2017، عقب انقلاب ابن سلمان على وريث العرش آنذاك محمد بن نايف. ولإجباره على العودة إلى السعودية، احتجزت السلطات السعودية نجلي الجبري، سارة وخالد، اللذين كانا يعتزمان الالتحاق بالجامعات الأمريكية. 
وأضاف الجبري: "أنا هنا أدق ناقوس الخطر بشأن مختل عقليا، قاتل، في الشرق الأوسط بموارد لا حصر لها، يشكل خطرا على شعبه والأمريكيين والكوكب".
تدور معركة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسعد الجبري، في 3 قضايا رئيسية، واحدة في كندا واثنتان في الولايات المتحدة.
ومن هنا تظهر بعض خيوط اللعبة التي تديرها الإدارة الأمريكية من خلال تدخلها في القضية، فضلا عن أن المعركة دائرة تحت إشرافها المباشر. 
فبعد أن بدأ الصراع يحتدم ويثير ذعر الأمير محمد بن سلمان بمثل هذه التصريحات الخطيرة التي أطلقها الجبري، بدأت الولايات المتحدة لعبتها في استثمار هذا الصراع، حيث صرحت رئيسة المجتمع الاستخباراتي الأمريكي، التي تشغل مديرة المخابرات الوطنية، أفريل هينز، أنها تخشى أن هذه المعارك القضائية ستكشف أسراراً قومية أمريكية مع تقدم المسار القانوني. 
وقدمت هينز إفادة تحت القسم في قضية ماساتشوستس (إحدى قضايا النزاع بين الجبري وابن سلمان) قائلة إنه يتعين عليها التأكيد على قانون "امتياز أسرار الدولة" لمنع الكشف المحتمل عن معلومات سرية.
وتصف أفريل، في إفادتها، المعلومات السرية بأنها "تتعلق بمصادر مجتمع الاستخبارات الأمريكية أو أساليبه أو قدراته أو أنشطته أو المصالح الخاصة به، بالإضافة إلى المعلومات التي قد تميل إلى الكشف عن هويات موظفي إدارة الولايات المتحدة، وجهات تابعة لها، أو المكاتب التي قد يكون لواحد أو أكثر من الأطراف أو المملكة العربية السعودية تفاعلات معينة معها، التي قد يؤدي الكشف عنها إلى الإضرار بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة".
مازالت أزمة تصريحات الجبري في أسبوعها الأول، وربما تحمل الأيام القادمة سيناريوهات مهمة في هذه القضية العويصة التي تورط بها محمد بن سلمان وانتهزتها واشنطن التي وضعته على رأس القيادة السعودية وهي تعلم أنه ذو جهل سياسي كبير ورغبة مستميتة في الملك تدفعه لفعل وتقديم أي شيء لها مقابل حمايته وبقائه الرجل الأول في السعودية حاليا ومستقبلا.
وبحسب مراقبين يسعى ابن سلمان حاليا بكل الوسائل للتغطية على هذه الفضيحة التي كشفها الجبري، من خلال إثارة قضية تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي قال فيها: "إن الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي، وهذه الحرب عبثية ويجب أن تتوقف”.
ويرى المراقبون أن السبب الأساس في إثارة الزوبعة والضجة الإعلامية ضد قرداحي، الذي مضى على تصريحاته شهر كامل، هو تحويل الانتباه عن تصريحات سعد الجبري.