القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
بسم الله الرحمن الرحيم، له الحمد كله بمد الحمد لله رب العالمين. وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله يا ذا الفضل العظيم.
بعونه تعالي نتحدث عبر هذه الصحيفة الغراء في رحاب الشهر الكريم عن موضوع واحد نتناول الحديث عنه من عدة جوانب. إنه موضوع البشرى. وهذه الحلقة الأولى تعريف بأهمية الحديث عن موضوع البشرى، فمعرفة أهمية أي موضوع بمعرفة الضرر والغبن والخسارة في حال الجهل به أو الإهمال له، وأيضاً بمعرفة الخير والبركة والأثر الجميل المتجلي على حاضر ومستقبل من اهتم بهذا الأمر. ومن تقارب الموارد بين كلمة «البشرى» وكلمة «البشر» كان بداية اهتمامي بهذا الموضوع.
فالبشر نسبة إلى الهيئة الحسنة والجميلة التي ظهرت على هذا المخلوق المكرم، الإنسان، فجاءت صفة البشرية مدحا لبني آدم، الذين امتن الله عليهم وأظهرهم على الأرض ظهور تسخير للكون وظهور تمكين وظهور ذوات، ليظهر فيهم ومنهم وبهم البناء الحضاري والتبادل المعرفي. فكما ظهرت على بواطنهم هذه الجلدة التي تسمى البشرة فبها حصل لهم الحسن والجمال، ينبغي أن تظهر وتتجلى على هذه البشرة.
البشرى الواردة لغة من البشارة، التي هي بضم الباء وكسرها، من قول: بشره بالأمر، يبشره بشرى، إذا أوصل إلى متلقي الخبر خبراً ساراً مفرحاً ظهر السرور بهذا الخبر على هذه الجلدة التي علت وظهرت هذا الجسم الإنساني، فهو ظهور مع حسنٍ ظهر على البشرة. والمعنى الاصطلاحي لكلمة البشرى أنها إذا أطلقت فهي الخبر الذي يحصل به الفرح ويتجلى به السرور، ويسمى من جاء بهذا الخبر بشيراً، بل إن الله الذي امتن على البشرية بتسخير الشمس والقمر والرياح التي هي العطاء الذي إن خف سمي نسيماً وإن تكاثف سمي رياحاً، جعل الله هذه النعمة، نعمة الرياح، من مهامها أنها مبشرات بالغيث، وكانت من جند الله لنصرة الأنبياء والمرسلين، بل ومستمرة.
وكما جاء البشير لسيدنا نبي الله يعقوب بقميص سيدنا يوسف فارتد بصيرا، فإن رياح البشرى سبقت مجيء البشير، فإني أردت -إخواني الكرام- أن تكون هذه المقالات تهب برياح البشرى ببشائر العطايا والهبات والمنن والنعم على شعبنا وأحرار أمتنا بأن مرحلة الحزن ولت وذهبت، وأن سموم الإرجاف قد جاء ترياق اليقين بنصر وفتح حقاً قريب، وأن أجالب الشيطان عبر ورثته المترفين والمفسدين بتخويفه للناس من داء الفقر وتهديد بسلاح الجهل ونشر الدمار قد جاءت أنوار اليقين بأن هذا يوم الفتح ومغانم كثيرة، وجاءت رياح النصر مبشرات بغيث ينسكب على النفوس بحديث رواه الترمذي في سننه يقول سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: «أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخرا»، فمن مدد الحمد لله رب العالمين المنعم بقبول الصلاة منا والسلام على من له وبيده الشريفة لواء الحمد سيد الحامدين سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
من هذا المدد نتحدث عن البشرى في زمن أحاطت فيه بنفوس الكثير فيروسات وميكروبات اليأس، ولفحت وجوه الكثير نيران القنوط، وانهزمت همم كثير من الناس أمام جحافل الذنوب وتحت تأثير وآثار السيئات والقبائح من الأقوال والأفعال فاستسلموا، وكان هذا مراد شياطين الإنس والجن، ونسي الوعاظ والخطباء والمرشدون أن يطلقوا مع تنفس فجر الثبات ومع انبلاج صبح النصر أن يطلقوا بأعلى أصواتهم ويسمعوا العالمين حديث سيد المرسلين القائل: «بشّروا ولا تنفّروا»، وغفل -للأسف- الكثير عن مائدة الوهاب المنان لعباده في قوله سبحانه وبحمده: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}، وعن سحائب رحمته وغيث فضله المنهمر على النفوس التي أصابها قحط المعاصي، وحل بوجدانها واحتل مشاعرها وباء القنوط، فإذا برياح البشرى تهب بسحائب {أنيبوا}، وإذا بغيث مدرار مبارك {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}، وإذا بأنوار {لا تبتئس}، وبركات {اقبل ولا تخف}، وحفاوة {وآتاكم من كل ما سألتموه} تجعل القلوب تحيا، {فأحييناه}، {وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس} يمشي {سوياً على صراط مستقيم}، فصار الاهتداء بهذا الإعلان الرباني العظيم المهيمن في كتابه المهيمن بشرى للمسلمين.
إذن، في رحاب البشرى نحيا حياة طيبة، وإن شاء الله ندخل للحديث عن موضوع البشرى بعد هذه المقدمة في الحلقة القادمة بعون المولى القدير وتوفيقه.