تقرير -عادل بشر / لا ميديا -
واصلت محكمة غرب الأمانة، اليوم، عقد جلساتها للنظر في جريمة الدواء الملوث الذي تسبب بوفاة 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت، وإصابة 10 آخرين بمضاعفات، بينهم طفلان في مركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت، أواخر سبتمبر/ أيلول 2022م.
وكالعادة بدأت الجلسة بالنداء على المتهمين وعددهم تسعة متهمين هم: فيصل محمد محمد عوض، وفهد أبو بكر محمد سالم، ويوسف علي صالح صويلح، وعبدالله رشيد علي العريقي، ومحمد عبدالله الغيلي، وصلاح الدين عبدالواحد عبدالقادر العامري، وصلاح عبدالله غانم الحميري، وهيثم أحمد عبدالله البكاري، وعمر رشيد العريقي، حيث تبين حضور جميع المتهمين عدا المتهم الثامن،  وحضور المحامي إبراهيم الجنداري عن الشركة الهندية المُصنعة للدواء المُتسبب بالوفاة والإصابة للأطفال من مرضى سرطان الدم.
استعرض القاضي أُسامة الجنيد، قرار المحكمة في الجلسة السابقة بتاريخ 23 مايو/ أيار الجاري والتي قضت بالإحضار القهري ليوسف يعقوب الوكيل المحلي لشركة «سيلون لابز» الهندية لتقديم عقد الوكالة المُبرم مع الشركة الهندية، وهو ما دفعه للحضور في جلسة اليوم، لكنه لم يأتِ بالعقد معه، وطلب من المحكمة فرصة لإحضاره في الجلسة القادمة.
القاضي الجُنيد، وجه لوكيل «سيلون لابز» سؤالاً عن آخر مرة قام بإدخال شحنة أدوية إلى اليمن، فأجاب بأنه أدخل 84 صنفاً من الأدوية، بينها أدوية الـ(methotrexate)، عبر مطار صنعاء الدولي، بعد كارثة أطفال اللوكيميا، لافتاً إلى أن هذه الكميات أدخلها بموجب مناقصة مُعلنة من صندوق دعم الأورام السرطانية، بتوفير أدوية السرطان، وتم فحصها في المختبر الدوائي للهيئة العليا للأدوية.
وكان الأطفال من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت، تلقوا أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م، جرعة من دواء (methotrexate) ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى بحياة 11 طفلاً، وأدخل 10 آخرين العناية المركزة نتيجة للمضاعفات الخطيرة التي تسببت بها الجرعة الفاسدة.
من جهته قدم محامي الهيئة العليا للأدوية، مذكرة استلام أدوية مخصصة لمرضى السرطان، صادرة من صندوق مكافحة السرطان وموجهة إلى مدير عام مركز الأورام، تضمنت استلام صنف الـ(methotrexate) وعليها تأشيرة استلام من وزير الصحة، قائلاً بأن هذه الأدوية لم تمر عبر الهيئة.
إلى ذلك جدد محامي أولياء أمور الأطفال الضحايا عبدالمجيد صبرة، مطالبة المحكمة بالحجز على أرصدة وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية، لرفضهما تنفيذ قرار المحكمة في جلسة سابقة قبل شهر رمضان المبارك، والذي تضمن إلزام الهيئة بدفع مبلغ مليون ريال لكل أسرة طفل متوفى أو مصاب بسبب الجرعة الملوثة، كجزء من التعويض المستحق لهم.
وأكد المحامي صبرة أن الوزارة والهيئة التزمتا بعد وقوع الكارثة بالتكفل بعلاج الأطفال الذين تعرضوا لمضاعفات، حتى شفائهم، ولكنهما لم تفيا بذلك الالتزام، ومازال الأهالي يُعالجون أطفالهم على نفقتهم الخاصة، حتى الآن، لافتاً إلى أن مذكرة مجلس النواب للصحة والأدوية بتعويض أسرة كل طفل متوفى مبلغ 10 ملايين ريال و5 ملايين لأسرة كل طفل مصاب، لم تُنفذ، ومازالت «حبراً على ورق» وقال: «لا نريد أن تكون قرارات المحكمة، أيضاً، حبراً على ورق».
محامي متهمين آخرين في ذات القضية طلب من المحكمة استدعاء وزير الصحة للمثول أمامها والرد على الكثير من الاستفسارات.
وفي ختام الجلسة قررت المحكمة منح وكيل الشركة الهندية يوسف يعقوب فرصة إلى الجلسة القادمة لتقديم عقد الوكالة وبوليصة الشحن لكميات الأدوية التي أدخلها إلى اليمن قبل كارثة أطفال اللوكيميا وبعدها.
يُذكر أن جميع المتهمين في هذه القضية تجري محاكمتهم خارج قفص الاتهام، حيث تم الإفراج عنهم بالضمان في جلسات سابقة، عدا المتهم الأول فيصل محمد عوض.

وابيضت عيناه من الحزن
والد يوسف: ماذا لو كان نجل وزير الصحة أو مدير الأدوية بين أطفالنا الضحايا؟
الشاب أمير أحمد عوض، أحد آباء الأطفال ضحايا جرعة الدواء الفاسدة، التقته صحيفة «لا» خارج قاعة المحكمة، وكانت عيناه تتقدان غضباً، بعد سماعه مزاعم وكيل هيئة الأدوية خلال الجلسة، بأن الهيئة قامت بعلاج جميع الأطفال المصابين بالمضاعفات حتى تشافوا تماماً.
هذه الادعاءات دفعت بوالد الطفل يوسف أمير عوض، إلى الخروج عن هدوئهِ المألوف، وجعلته يصب غضبه على الهيئة ومحاميها الذين وصفهم بـ«الكذابين»، فاتحاً صدره لصحيفة «لا» بعد أسابيع من تجنبه الحديث عن مأساة طفله البِكر والأسرة بأكملها منذ تلقيه الجرعة القاتلة.
يقول أمير عوض: لم يكن يوسف قد تجاوز العام والنيف حين أُصيب بسرطان الدم، حيث قمنا بنقله إلى مستشفى الكويت، واستمر علاجه طوال الفترة الماضية، وتحسنت صحته كثيراً ولم يتبق على إكمال علاجه سوى القليل، حتى أواخر  أيلول/ سبتمبر الأسود 2022م، عندما تم إعطاؤه جرعة من دواء ملوث تسببت له ولنا جميعاً بمأساة لا يعلمها سوى الله».
وطبقاً للأب المكلوم، أصيب نجله بمضاعفات في نفس اليوم الذي تلقى فيه الجرعة، وهي عبارة عن «خُزعة» في الظهر لأخذ عينة من النخاع الشوكي والتأكد من جدوى العلاجات، حيث فوجئوا به في تلك الليلة، يدخل في نوبة بكاء شديدة، إضافة إلى إصابة عينيه بالورم وعجزه عن فتحهما، وتصلب في الرقبة، الأمر الذي دفعهم للعودة به إلى مستشفى الكويت، ليتم بعد ذلك إدخاله العناية المشددة.
أمضى يوسف -والكلام لوالده- أكثر من شهرين في العناية المركزة، حتى تمكن من تجاوز الخطورة والنجاة من شبح الموت الذي اختطف أرواح رفاقه الـ11 المصابين بذات الداء اللعين، ليتم إخراجه من العناية والاستمرار في معالجته حتى اليوم.
يقول الأب: «حين كان يوسف في العناية، كُنا نشتري بعض العلاجات من جيوبنا، وبعد خروجه من العناية مازلنا إلى اليوم نعالجه من المضاعفات التي كادت تقضي على حياته، وإلى الآن ونحن نعالجه على نفقتنا الخاصة، وما زعمه محامي هيئة الأدوية من أنهم قاموا بعلاج الأطفال على نفقتهم، كذب وعارٍ عن الصحة».
وأضاف: «تعذبنا كثيراً وذُقنا المآسي الصعاب، كُنا نموت مع كل صوت يخرج من صدر يوسف، مرت علينا أيام سوداء لم يعرف النور إلى أرواحنا وحياتنا طريقا، خسرنا كل ما لدينا، ومازال الطريق طويلاً ومليئاً بالأوجاع».
واختتم الأب حديثه بالقول: «بعد أيام يُكمل يوسف السنتين والنصف من عمره، وهو يعاني الأمرين، مرض اللوكيميا ومضاعفات الجرعة الملوثة، وأتساءل: ماذا لو كان نجل وزير الصحة أو مدير هيئة الأدوية أحد هؤلاء الأطفال؟»، ثم صمت ومضى متعفراً بدموعه، شيعتهُ بعيني حتى بلغ منعطف الشارع، التفت نحوي بلغني صوته حزيناً باكياً يقول: «يا أسفى على يوسف ورفاقه» وابيضت عيناه.