اليمن بالحبر الغربي -
بينما يقف اليمن على شفا حالة من عدم اليقين بسبب وقف إطلاق النار الهش، فإن شعبه يتساءل بلا شك عن مصير أمته ووحدتها على المدى الطويل، خاصة أنه كما هو الحال دائماً في الحروب، فإن أكبر الضحايا هم اليمنيون أنفسهم.
كما أن الشكوك حول وجود صفقة سرية بين السعودية والحوثيين، والتي ربما تشمل إيران، تزيد من القلق اليمني، في ظل الاختلال المستمر في موازين القوى بين الفصائل المتحاربة، والذي يثير المخاوف بشأن عدالة أي اتفاق سلام مستقبلي.
هكذا يتحدث تحليل لـ«منتدى الخليج الدولي»، عن الهدنة اليمنية المستمرة منذ 18 شهراً، والتي أدت إلى تراجع كبير لأعمال العنف في جميع أنحاء البلاد، وما قابلها من تحسينات في نوعية حياة المدنيين، وسط تساؤلات عما إذا كانت حقاً مقدمة لتسوية سلمية دائمة، أم مجرد هدنة مناسبة لجميع الأطراف!
وفي نيسان/ أبريل 2022، توسطت الأمم المتحدة للتوصل إلى هدنة لمدة 6 أشهر بين الفصائل اليمنية، تماشيا مع المبادرة السعودية المعلنة في آذار/ مارس 2021.
وبينما انتهى وقف إطلاق النار رسميا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإنه مستمر منذ ذلك الحين، وإن كان مع انتهاكات عرضية، ما يصعب تحديد الوضع في اليمن.
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، أي بعد ما يقارب 18 شهراً من وقف إطلاق النار، أصبح الاتفاق يحوم بين الحرب والسلام، مما يثير تساؤلات حول استقرار هذا الترتيب على المدى الطويل.
وتثير الهدنة الفعلية بالضرورة تفسيرات متضاربة، حيث يرى مراقبون أنها خطوة نحو السلام، بينما يعتبرها آخرون حلاً مؤقتاً سيفشل حتماً ما لم يتم اتخاذ المزيد من التدابير الملموسة.
ووفق التحليل، توفر الهدنة فرصة لكلا الجانبين لتعزيز الحوار بين اليمنيين وبناء الثقة.
وفي ضوء جهود المصالحة الإقليمية، ولاسيما المبادرة السعودية الإيرانية التي ترعاها الصين، بدأت الرياض محادثات مباشرة مع الحوثيين.
وزار وفد سعودي صنعاء في نيسان/ أبريل لمعالجة قضايا مختلفة، بما في ذلك القلق الملح بشأن رواتب الموظفين العموميين.
كما نفذ وفد من جماعة الحوثي، في أيلول/ سبتمبر، زيارة إلى السعودية، هي الأولى منذ اندلاع الحرب قبل 9 سنوات، على أمل «تجاوز التحديات» خلال محادثات مع مسؤولين سعوديين برعاية عمانية، تتعلق بإنهاء حرب اليمن.
وخلال فترة التنفس التي خلقتها الهدنة، انخرطت الحكومة اليمنية أيضاً في الدبلوماسية، حيث أجرت زيارات وتبادلات إقليمية من أجل كسب النوايا الحسنة الدولية.
وسافر وزير خارجية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أحمد عوض بن مبارك، مؤخراً، إلى العراق، لإجراء مناقشات حول النفوذ العراقي على الحوثيين، واستكشاف دور بغداد المحتمل في عملية السلام اليمنية، بسبب علاقاتها الإيجابية مع جميع أطراف الصراع وجهودها، وقدرتها على ممارسة الضغط على الحوثيين.
بالتزامن مع ذلك، تكثفت الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي شامل.
كما سافرت سلسلة من الوفود العمانية، بدعم من الأمم المتحدة، إلى صنعاء بشكل منتظم منذ بدء الهدنة، للمشاركة في محادثات مع الحوثيين، مع التركيز على الجهود المبذولة لتأمين اتفاق سلام دائم.
وفي الفترة 17 - 20 آب/ أغسطس، زار وفد عماني صنعاء للتفاوض على اتفاق من ثلاث نقاط تتعلق بدفع الرواتب، والفتح الكامل للمطارات والموانئ البحرية في شمال اليمن، وتمديد الهدنة.
علاوة على ذلك، قام المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، بجولة في المنطقة للتواصل مع الأطراف المحلية والدولية المشاركة في عملية السلام اليمنية لتعزيز جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
كما سمحت الهدنة للأمم المتحدة بمعالجة القضية الحاسمة المتمثلة في ناقلة النفط «صافر» المتدهورة قبالة ساحل البحر الأحمر اليمني.
وبحلول 11 آب/ أغسطس، أكملت بعثة بقيادة الأمم المتحدة استبدال السفينة ونقل شحنتها النفطية، بعد نح أسبوعين من الجهد الشاق.
ويهدف هذا الإجراء السريع إلى منع التسرب النفطي الوشيك، والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة بيئية في المنطقة وتعطيل الإمدادات الغذائية لليمن وطرق التجارة البحرية الحيوية.
ووفق التحليل، فرغم أن السلام الدائم في اليمن لا يزال بعيد المنال، إلا أن الوضع الاقتصادي في البلاد شهد تحسناً طفيفاً خلال الهدنة.
وقد تم فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وكلاهما تحت سيطرة الحوثيين، أمام النقل والتجارة المحدودة.
لم تؤدِّ هذه الإجراءات إلى تعزيز اقتصادي كبير؛ لكنها قد تكون مقدمة لخطوات أخرى أكثر فاعلية.
يشار إلى أن اليمن يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، فمنذ بداية الحرب، يعيش حوالى 80٪ من سكانه تحت خط الفقر، وهناك العديد من التحديات المستمرة التي أعاقت التحسينات الاقتصادية والإنسانية ذات المغزى.
وكان أحد المخاوف الرئيسية هو قضية صرف الرواتب، المثيرة للجدل منذ انتقال البنك المركزي اليمني إلى عدن، وسط فشل الحكومة اليمنية والحوثيين في التوصل إلى حل وسط.
ويطالب الحوثيون الحكومة اليمنية بدفع هذه الرواتب من إيرادات النفط والغاز، في حين تصر الحكومة على أن يدفعها الحوثيون من حصتهم من إيرادات ميناء الحديدة.
وفي الوقت نفسه، وبسبب هجمات الحوثيين في المقام الأول على موانئ تصدير النفط، تفاقمت الأزمة الاقتصادية، مما ترك اليمن دون احتياطيات مهمة من العملات الأجنبية.
كما انخفض الدعم المالي الأجنبي أيضاً بسبب إحجام المانحين والمخاوف بشأن الفساد داخل المنظمات غير الحكومية الدولية المشاركة في اليمن.
ومن العوامل الأخرى التي تفسر انخفاض المساعدات المقدمة لليمن، جائحة «كوفيد-19» والأزمة الاقتصادية المصاحبة لها، وتحويل الأموال التي تشتد الحاجة إليها إلى أماكن أخرى، والصراع في أوكرانيا، الذي حل إلى حد كبير محل الحرب الأهلية في اليمن في الوعي العام.
بالإضافة إلى ذلك، تعثرت بعض الدول المانحة في الوفاء بالتزاماتها، بسبب المخاوف من الفساد داخل المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في اليمن.
ورغم الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى خفض المساعدات بسبب عدم كفاية التمويل من أحداث التعهدات الأخيرة.
واعتباراً من حزيران/ يونيو 2023، لم تتلقَّ خطة الاستجابة الإنسانية السنوية سوى 29.1٪ من التمويل المطلوب البالغ 4.34 مليار دولار أمريكي، مما تسبب بخفض كبير في برامج المساعدة.
ومع ذلك، منحت السعودية مؤخراً 1.2 مليار دولار للحكومة اليمنية في آب/ أغسطس، بعد إيداع مليار دولار في شباط/ فبراير 2023.
كما ساهمت الإمارات أيضاً بمبلغ 300 مليون دولار للبنك المركزي اليمني في عدن، كجزء من حزمة مساعدات في أواخر عام 2022.
وفي ظل وضع محصلته صفر على ما يبدو، أعرب الطرفان عن عدم رضاهما عن التنازلات المقدمة للحفاظ على وقف إطلاق النار.
وتعتقد الحكومة اليمنية أنها قدمت تنازلات كبيرة، بما في ذلك إنهاء الحصار المفروض على موانئ ومطارات الحوثيين والسماح للحوثيين بجني الأموال منها دون الحصول على عوائد كبيرة.
بدورهم، زاد الحوثيون مطالبهم ورفضوا الشروط المقترحة لتجديد الهدنة، واستئناف صادرات النفط، وتحويل الإيرادات إلى البنك الوطني السعودي.
أما سلبيات الهدنة، وفق التحليل، فإن الافتقار إلى التصميم السياسي والثقة، إلى جانب النهج الأخير الذي يركز على الشؤون الإنسانية تجاه السلام على الساحة الدولية، يؤدي إلى حالة من عدم اليقين بشأن استمرار الهدنة، ويعيق المساعي الصادقة لتحقيق السلام الدائم.
وفي هذا السياق، ظهرت عقبات رئيسية، أبرزها السماح للحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي الجنوبي بتعزيز مواقعهم واكتناز الموارد، وهو ما قد يؤدي إلى صراع طويل ومكثف على تلك الموارد بمجرد انتهاء الهدنة، ويمهد الطريق لمزيد من العنف.
وخلال فترة الهدنة، ركز الحوثيون على المطالب الاقتصادية، واستهدفوا المنشآت الاستراتيجية للوصول إلى موارد النفط والغاز التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.
وفي خضم الهدنة والمفاوضات السعودية الحوثية المستمرة، يبدو أن الحوثيين يحولون تركيزهم العسكري إلى المحافظات الجنوبية، بينما يتجاهلون تكتيكياً محافظة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية في الشرق.
كما يقوم الحوثيون بتجنيد مقاتلين جدد من خلال البرامج الثقافية وإعداد الدعم اللوجستي للصراعات المستقبلية باستخدام الموارد الجمركية من ميناء الحديدة لشراء الأسلحة وتهريبها بعد رفع حظر الميناء.
وهذه ليست تصرفات مجموعة تبدو عازمة على إلقاء سلاحها والالتزام بالدبلوماسية، وفق التحليل.
وبينما تحدث مناوشات متفرقة عبر جبهات القتال المختلفة، بما في ذلك مأرب، فإن الحوثيين يكثفون حشدهم العسكري باتجاه المحافظتين الجنوبيتين الضالع ولحج، فضلاً عن محافظة تعز وسط اليمن.
وأسفر عن الاشتباكات الأخيرة في مديرية يافع بمحافظة لحج سقوط ضحايا من الجانبين.
وخلال هذه المواجهات، تشير بعض التقارير إلى أن قائد القوات الجوية المعين من قبل الحوثيين، أحمد علي حسن الحمزي، قُتل قبل بضعة أسابيع، رغم أن الموقع الدقيق لا يزال غير واضح.
وفي جنوب اليمن، حفز وقف إطلاق النار المجلس الانتقالي الجنوبي على تعزيز تطلعاته الانفصالية.
ومع ذلك، فقد جلبت هذه المرحلة أيضاً تحديات، بما في ذلك الانقسامات الداخلية، وأنشطة المنظمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، والمفاوضات المعقدة مع الحكومة اليمنية، وكذلك مع الرياض وأبوظبي.
وبلغ الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية بشأن حضرموت ذروته عندما أعلنت أكبر محافظة يمنية في الجنوب الشرقي تشكيل مجلس حضرموت الوطني في 20 حزيران/ يونيو.
وقد تفكر محافظات جنوبية أخرى مثل شبوة وأبين في اعتماد هياكل حكم مماثلة، تحافظ على درجة من الاستقلال عن الفصائل السياسية الأخرى.
ويعتقد البعض أن السعودية قد تدعم مثل هذه التحركات من أجل مواجهة النفوذ المتزايد للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والذي يهدف إلى السيطرة على هذه المحافظة ذات الأهمية الاستراتيجية للرياض.
ومن بين العقبات، ما تقدمه الإمارات من دعم لقوات الأحزمة الأمنية الجنوبية.
ففي الأشهر الأخيرة، ومع تصاعد أنشطة تنظيم القاعدة في الجنوب، أطلقوا حملة عسكرية ضد الجماعة، وهي ثاني عملية من نوعها هذا العام.
وللأسف، خلال هذه العملية، أدى انفجار على جانب الطريق إلى مقتل قائد قوات الحزام الأمني في محافظة أبين، عبداللطيف السيد، وعدد من جنوده.

«منتدى الخليج الدولي»