استطلاع وتصوير: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
بدعوة كريمة من السيدة الدكتورة هالة سليمان الأسعد رئيسة «جامعة الأمة العربية» تم تنظيم رحلة إلى منطقة الجولان السوري، ومدينة القنيطرة المحررة، تحت عنوان «الجولان مخرز في عيون الطامعين.. الصمود ثقافة وعقيدة».
رافقنا في الزيارة، نخبة من الشصيات السياسية، وأعضاء من مجلس الشعب، وكتاب، وإعلاميون، وأساتذة جامعات، وناشطون، ووسائل إعلام، وكانت صحيفة «لا» عبر مراسلها في دمشق، بين الحضور في هذه الزيارة.

في عين العاصفة
من حسن حظنا، كان وجود الصديق الجميل، كما منطقة الجولان، والصلب كما صخورها البازلتية، الدكتور سمير أبو صالح ابن بلدة مجدل شمس المحتلة، الذي قضى فترة طويلة في سجون الاحتلال أسيراً، ومن داخل السجن، حصل على شهادة الدكتوراه، وأجاد اللغة العبرية، فكان خير رفيق، وخير دليل، خبيرا بأدق تفاصيل المنطقة.
المنطقة جميلة، وغنية في كل شيء، والطريق إلى الجولان، يمر عبر سهول زراعية، تربتها بركانية خصبة جداً، تنتج أفضل أنواع الخضروات والفاكهة في العالم، لكنها غير مستثمرة كما يجب، بسبب الوضع في المنطقة، وخاصة العدوان على سورية، المستمر منذ أكثر من اثني عشر عاما، وكانت في عين العاصفة، نظراً لقربها من حدود الكيان الصهيوني، والحدود اللبنانية.

“لن أوقع”
الطريق إلى الجولان، يمر عبر “طريق السلام” الذي اكتسب هذا الاسم، لأنه أقيم خلال فترة المفاوضات، التي تمت مع الكيان الصهيوني، في الفترة التي تلت سقوط الاتحاد السوفييتي، في تسعينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى اختلال التوازنات الإقليمية والدولية، وناورهم فيها الرئيس الأسد عشر سنوات، حتى تم امتصاص صدمة الانهيار السوفييتي، ثم انتهت مع قمة الرئيسين الراحل حافظ الأسد، والأمريكي بيل كلينتون، والتي اكتسبت عنوانا شهيراً لها، مما قاله الرئيس الأسد لكلينتون “لن أوقع” فكانت بداية مرحلة جيوسياسية صعبة، مازالت مستمرة في كل المنطقة، حتى وقتنا الراهن.
أول مشاهد دخولنا في عمق الجولان، كان مع رؤية المراصد “الإسرائيلية”، فوق قمم جبل الشيخ، التي احتلها خلال عدوان عام 1967، ثم حررها الجيش العربي السوري، خلال حرب تشرين التحريرية، عام 1973، ورفع العلم السوري فوقها، قبل خيانة أنور السادات، وتوقيفه القتال على الجبهة المصرية، بخلاف ما كان متفقا عليه مع الرئيس حافظ الأسد، مما مكن العدو الصهيوني، من تركيز كل قواته، مع الجسر الجوي الأمريكي، على جبهة الجولان، واستعادة السيطرة على بعض النقاط، التي حررها الجيش السوري، ومنها مواقع المراصد الاستراتيجية.
مررنا في طريقنا، ببلدات ومواقع عدية منها “طرنجة” و”نبع الفوار” ثم دخلنا بلدة “حضر” التي كان لأهلها وقفة عز وشرف وبطولة، خلال العدوان على سورية، وقدمت حوالي 200 شهيد من خيرة شبابها، حتى لا تقع فريسة الإرهاب، والمجموعات المسلحة وكان لها ما أرادت.

موقع جيوسياسي
وقفتنا الأولى، كانت في منطقة “عين التينة” الملاصقة لخط فض الاشتباك مع العدو الصهيوني، الذي وضع كأمر واقع، إثر المفاوضات التي تلت حرب تشرين التحريرية، وهي النقطة المواجهة تماما لبلدة مجدل شمس المحتلة، وتم رفع الأعلام السورية والفلسطينية، وعلى مرأى ومسمع من الاحتلال، وهناك قدم الصديق الدكتور سمير أبو صالح، شرحاً وافيا للخريطة الجيوسياسية لمنطقة الجولان.
ومن هناك، كانت إطلالة على بعض مستوطنات ومواقع الاحتلال “الإسرائيلي”، وبلدات الجولان المحتل، مثل عين قنية، ومسعدة، وبقعاثا، وأيضاً كانت هناك إطلالة خاصة ومؤثرة، من الدكتور أبو صالح على منزل أهله في مجدل شمس، الذي يراه من هذه النقطة، ولا يستطيع زيارته، لكنه لم يستطع مغادرة الجولان، فبنى له منزلا في الجانب المحرر من الموقع، وكانت لنا محطة في ذلك البيت العامر بالمحبة، مع ضيافة من فواكه الجولان، من التين والعنب والإجاص والخوخ والتفاح، وهي من النوع الفاخر، والأطيب والأشهى من نوعها في العالم.

في ضيافة أحفاد مريويد
وقفتنا الثانية كانت في بلدة “جباتا الخشب” التي ينتمي إليها المناضل التاريخي أحمد مريويد قائد ثورة أهل الجولان، على المستعمر الفرنسي، وحظينا بترحيب حار من أهل البلدة ووجوهها، حيث استقبلونا بصفتهم أحفاد مريويد، وكانت كلمة معبرة ومؤثرة، من الأستاذ حسن حسن أحد وجوه البلدة، أجاد فيها الحديث عن جباتا الخشب، وتضحياتها ضد المستعمر الفرنسي، وكانت لفتة موفقة منه، تأكيده أن أهل البلدة لن يضيعوا البوصلة، في إشارة منه إلى أن البلدة كانت خلال العدوان على سورية، في عين العاصفة، نظرا لقربها من الكيان الصهيوني، وكانت مرتكزاً للمخطط الصهيوني في المنطقة، عبر دعم المجموعات الإرهابية المسلحة، التي سيطرت على البلدة لفترة من الزمن.
ثم ألقى الأستاذ داوود أبو شقرة كلمة باسم الوفد، شكر فيها أهل جباتا الخشب على كرمهم، وحسن ضيافتهم، مع سرد تاريخي لواقع المنطقة، ونضال أهلها ضد المستعمر الفرنسي، ثم كانت ضيافة من أهالي البلدة، ضمت ما لذ وطاب، من فواكه الجولان وخيراتها الفاخرة.

ندوة حوارية
بعد ذلك كانت وقفة قصيرة في منطقة “خان أرنبة” كبرى مدن الجزء المحرر من محافظة القنيطرة، ثم تابعنا إلى مركز مدينة القنيطرة، وكان لقاء موسع في “دار الجولان للثقافة والفنون” حيث ألقى محافظ القنيطرة المهندس معتز أبو النصر جمران، كلمة رحب فيها بالضيوف، ثم عقدت ندوة حوارية، بحضور الوفد، وقيادات وفعاليات ووجوه المحافظة.
أدار الندوة د. سمير أبو صالح، وتحدث فيها السيد المحافظ، واللواء الدكتور حسن حسن والدكتور خالد المطرود والأستاذ خالد العبود عضو مجلس الشعب السوري، وتخللها مداخلات من عدد من الحضور ثم قدمت الدكتورة هالة الأسعد تعريفا بجامعة الأمة العربية ونشاطاتها.
ثم كانت محطة استقبال واستراحة، في مكتب محافظ القنيطرة المهندس معتز أبو النصر جمران، بحضور فعاليات المحافظة، تلاها دعوة غداء من المحافظ.

في وجه المخطط الصهيوني الأمريكي
ختام محطات هذه الرحلة العامرة، كانت جولة في “أطلال” مدينة القنيطرة المحررة التي دمرها الاحتلال “الإسرائيلي”، المعروف بهمجيته، قبيل الانسحاب منها، خلال حرب تشرين التحريرية، حيث لم يبق فيها بيتاً قائماً.
في طريق عودتنا إلى دمشق، مررنا قرب بعض المراوح الهوائية لتوليد الكهرباء، التي أقامها الكيان الصهيوني، والتي يستبسل أهالي البلدات المحتلة، وخاصة مجدل شمس، والقرى المحيطة بها، لمنع حكومة العدو من توسيعها، لأن هدفها سرقة أراضي الأهالي، وعزل بلداتهم عن بعضها، ونجحوا في منعه من إقامتها حتى الآن.
كانت جولة مهمة وممتعة، وأهم ما فيها، اطمئناننا إلى فشل العدو الصهيوني، وحلف العدوان في مخططهم، لتمزيق سورية، وهو ما أكده أحفاد سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي، ورفيقه في النضال أحمد مريويد، والاثنان من المنطقة الجنوبية، حيث يحاول أحفاد الجنرال غورو من الفرنسيين اليوم، تنفيذ المخطط الصهيوني الأمريكي، لفصل الجنوب السوري، وهو الحلم الموعود، والأمل المفقود، بفضل وعي أهالي المنطقة، وتاريخهم النضالي.
مشهد المراوح الهوائية “الإسرائيلية”، أعاد إلى ذاكرتنا الحكمة التي تقول “من يأت مع الرياح تذره الرياح” وحال الكيان الصهيوني، لن يكون إلا كذلك، حيث يسود الشعور بأنه يقترب من نهايته، ليس فقط في الجولان، وإنما في كامل المنطقة، وبأسرع مما هو نتوقع بكثير.