بينما تموت الأسود والعاملون عليها جوعا.. إيرادات حديقة الحيوان تأكلها أمانة العاصمة ووزارة المالية
- تم النشر بواسطة مارش الحسام / لا ميديا

استطلاع وتصوير: مارش الحسام / لا ميديا -
في الضواحي الجنوبية لمدينة صنعاء تتربع حديقة الحيوان على تلة تم تصميمها لتحاكي الحياة البرية، وباعتبارها الوحيدة في اليمن، تعد الحديقة مقصدا لكثيرين أيام العطلات الدينية والوطنية وإجازات الأعياد كفرصة للخروج من صخب المدينة وضجيجها والاستمتاع بأجواء الريف الطبيعية والحياة البرية، لكن وبمجرد الوصول إليها يتفاجأ الزائر أن الحديقة تفقد جديتها وأن هناك استلابا وانتهابا ومسخا لهويتها وأن أجواء الملاهي وضجيج الأطفال حول ألعابهم هو ما ينتظره، بل إن هناك نوعا من اللايقين حول مستقبل الحديقة وما سوف تتمخض عنه تلك الاستحداثات الجديدة والمستمرة والمخلة بالبيئة الحيوية والطبيعية للحديقة.
علاقة جدلية
الزائر للحديقة بات لا يعرف أنه في حديقة الحيوان أم أنه في إحدى حدائق الملاهي الترفيهية، بعد أن قامت علاقة جدلية في ذاتها بين هذين النقيضين المتنافرين في أهدافهما.
كما لو أن مسؤولي الجهات المعنية باتوا يخاصمون مفهوم حديقة الحيوان، وبعكس الهدف الذي أنشئت من أجله بات هناك من يفرض عليها طابع حدائق ألعاب الأطفال الترفيهية، التي تتكاثر كالفطر في كل زاوية ومساحة شاغرة بالحديقة، وكما لو أن هناك توجهات جدية لاستنساخ حديقة ألعاب ترفيهية في دار سلم على غرار حديقتي الثورة والسبعين وعلى حساب مسخ هوية حديقة الحيوان.. ولا نذيع سرا، إذا قلنا إن عدد ألعاب الأطفال ضعف أعداد أقفاص الحيوانات.
قنبلة تأجير المساحات
أحد العاملين تحدث بإفاضة عن مأساة الحديقة وبعدها عن أجواء الطبيعة، بسبب الاستحداثات الجديدة والمستمرة والمرتكزة على قنابل تأجير المساحات الفارغة لمستثمرين لشغلها بألعاب الأطفال.
وتساءل قائلا: «ألم يكن من الأجدر منطقيا بناء حظائر جديدة وتحديث المباني القديمة ورفد الحديقة بحيوانات نادرة لجذب الزوار؟». ولكن متى كان المنطق هو المقياس في عالم الجشع والمال؟
وحين سألناه عما إذا كان عمال الحديقة ضمن المستفيدين من عائدات تأجير المساحات؟ وهل تحسنت مداخيلهم؟ تكفلت ملامحه بالإجابة، وطلب منا توجيه هذا السؤال إلى مدير الحديقة، متحاشيا التفاصيل لوضوح ما يرمي إليه.
أمانة العاصمة وإدارة الحدائق في قفص الاتهام
أحد مسؤولي الحديقة الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، اتهم جهات عليا (رفض تسميتها) بمسخ هوية الحديقة والقضاء على مستقبلها بتأجير مساحتها التي سبق أن تم تخطيطها لتقام عليها مشاريع مستقبلية للحديقة، نافيا تورط إدارة الحديقة في جريمة تأجير المساحات، مؤكدا عجزها عن مواجهة هذا السرطان الذي ينهش جسدها.
في ما يخص الجهات التي رفض المسؤول تسميتها، كان علينا أن نحاول معرفتها من القائمين على هذه الألعاب والذين أكد عدد منهم أنهم استأجروا هذه المساحات من أمانة العاصمة مباشرة، فيما أكد آخرون أن لديهم عقودا مع الإدارة العامة للحدائق والمنتزهات تخولهم باستثمار المساحة المحددة بالعقد.
حيوانات محلية مألوفة
فيما الانطباع الثاني الذي سيلمسه الزائر للحديقة، هو أن أغلب حيواناتها مألوفة في البيت والبيئة اليمنية (محلية الموطن)، باستثناء عدد محدود من الحيوانات النادرة من خارج البيئة اليمنية، منها ما يقف على حافة الانقراض وأخرى على بعد خطوة منه، نتيجة لعدم القدرة على شراء فصائل للتزاوج والتكاثر جراء الحصار المفروض على اليمن والذي طال الحيوانات إلى أقفاصها والتي باتت تعاني الوحدة والترمل.
وتضم الحديقة 18 قسما وكل قسم يضم عددا من الأجنحة التي تستحوذ الحيوانات الأليفة على غالبيتها، ويضم قسم الحيوانات المفترسة 4 أجنحة، وتتوزع أجنحة بقية الأقسام الأخرى على فصائل الزواحف والطيور الجارحة والداجنة والبرمائية.
سفينة نوح اليمنية
تضاعفت أعداد الحيوانات في الحديقة خلال الثلاث السنوات الأخيرة بنسبة 100٪ حسب تأكيدات إدارة الحديقة لصحيفة «لا»، والتي لفتت إلى أن عدد الحيوانات كان 960 حيوانا في عام 2020، فيما بلغ تعدادها في جرد أواخر العام 2023 نحو 1686 حيوانا.
هذه الزيادة المضاعفة لا يدخل في أرقامها تضاعف أو تناسل الحيوانات النادرة في الحديقة وإنما العكس كونها في نقصان.
كما أن هذا الرقم المهول لأعداد الحيوانات أيضا لا يعني أنه تم رفد الحديقة بحيوانات جديدة لم نألفها، كالزرافات والأفيال وحمار الوحش ووحيد القرن وغيرها من الحيوانات غير المألوفة على البيئة اليمنية والتي يبحث عنها الأطفال في الحديقة دون جدوى، لأن هذه الزيادة العددية تعني فقط حشو الحديقة بعدد من الحيوانات التي يحرص على تربيتها كثير من اليمنيين في الريف والحضر لتبدو كسفينة نوح اليمنية، والتي لم تعد تحوي فقط زوجين من الأبقار والخراف والأرانب والكلاب والقطط والدواجن... الخ.. وإنما صارت تحوي حظائر وزرائب نتيجة لتكاثر وتناسل الزوجين في السفينة.
وتعددت تفسيرات العاملين في الحديقة حول سبب إغراق الحديقة بهذه الحيوانات، فأحدهم يرى أن السبب هو لتعويض النقص الحاصل في الحيوانات البرية النادرة وأيضا للتغطية على فساد تأجير المساحات من خلال الحديث عن زيادة أعداد حيوانات الحديقة التي يعتبرونها إنجازا، فيما يرى آخر أن هناك توجها لتحويلها إلى حديقة إنتاجية، والاستفادة من عائدات بيع المواشي والطيور ومنتجاتها.
حيوانات نادرة مهددة بالانقراض
تضم الحديقة فصائل حيوانات نادرة ومهددة بالانقراض، أبرزها النمر العربي الذي يعود للبيئة اليمنية الخالصة، بعد نفوق غالبيتها لم يعد يتواجد منها في الحديقة سوى ذكر واحد وأنثيين، كما تحوي الحديقة فصيلة الفهد العربي الذي يعد نادرا ومهددا بالانقراض، ويوجد في الحديقة زوجان (ذكران وأنثيان).
يقول العاملون إن هاتين الفصيلتين مهددتان بالانقراض ليس فقط من الحديقة وإنما من البراري باعتبارهما حيوانات نادرة.
وفي أحد الأجنحة المنعزلة، يعيش ذكر نعام حياة العزوبية بعد نفوق أفراد فصيلته على مدى سنوات سابقة، ولم يعد يتبقى سوى هذا الطائر الذي يبدو أنه قد بلغ من العمر عتيا وبات قاب قوسين أو أدنى من الانقراض ليس من الطبيعة وإنما من حديقة الحيوان فقط ولينتهي به الحال كمومياء كحال أحد أقرانه المحنطين في أحد الإسطبلات.
المفترسة أكثر شعبية
فيما عدد من الأجنحة لا تجد من يلتفت إليها إلا من باب إسقاط واجب الزيارة، وبالأخص حظائر المواشي والدواجن، إلا أنه لا يمكن للزائر أن يفوت جناح الحيوانات المفترسة والتي تعد أكثر شعبية للزوار الذين يتجمهرون أمام أقفاصها.
ويضم قسم الحيوانات المفترسة أربعة أجنحة، هي:
جناح (أ): يخص فصيلة الأسود، ويحوي أسودا يمنية وروسية وحبشية وأفريقية.
جناح (ب): يخص الفهود النادرة والنمور إلى جانب أسود السيرك (العرض).
جناح (ج): يضم الذئاب وغرير العسل.
جناح (د): يخص حيوانات الوشق والضباع والثعالب والنمس.
الجوع يفترس الحيوانات المفترسة
تبدو جميع الحيوانات المفترسة هزيلة في أقفاصها وشبه مشلولة عن الحركة، بل منزوعة هيبتها، الأسود والنمور لا تحمل من صفاتها سوى الاسم، يفيد أحد العاملين بأن الحيوانات الآكلة للحوم تعاني من سوء التغذية ولا تحصل على حصتها الكاملة من اللحوم بفعل تداعيات العدوان والحصار على اليمن والذي أثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي لحيوانات الحديقة وأدى إلى نفوق عدد من الحيوانات المفترسة بما فيها النادرة.
ولفت أحد العاملين في الحديقة إلى أن الحيوانات المولودة بعد العام 2016 بدون حصة غذائية، وأن الحصص الغذائية لحيوانات الحديقة مازالت على جداول العام 2016 والذي لا يشمل الحيوانات الجديدة أو التي أعمارها دون الثمانية أعوام.
بعكس الحيوانات المفترسة تبدو القرود، ليس فقط الأكثر حيوية وإنما الأوفر حظا وبمأمن من الجوع وتحظى برعاية الكثير من الزوار الذين يرمون لها أصنافا مختلفة من الطعام.
الصورة بـ250 ريالا
خلال جولتي الاستطلاعية التي كان يلزم تدعيمها بعدد من الصور، ولم يكن يخطر ببال عدسة كاميرا تلفوني أن فرصتها في التصوير ستقتصر على حظائر الماشية بل ومن زوايا وأبعاد مختلفة، وبعكس الحيوانات المفترسة والنادرة من طيور وحيوانات كونها محاطة بسياجات حديدية مكثفة ومتشابكة لا تستطيع عين عدسة الكاميرا أن تنفذ من خلالها فحسب، وإنما العين البشرية أيضا والتي قد تشعرك بوجود حيوان داخل القفص دون أن تتمكن من رؤيته بوضوح، وهو ما يعد مستحيلا بالنسبة لعدسة الكاميرا التي غابت ملامح الحيوانات في صورها التي لم تتضح فيها سوى الصخور، كما لو أن الحيوانات الموجودة داخل هذه الأقفاص أخذت هذا الطابع الصخري.
ولكي تحظى بصورة واضحة، هناك طريقة واحدة هي دفع 250 ريالا مقابل كل صورة مع حيوان أو طائر، وهذه الطريقة ستتمكن من التقاط سيلفي مع أسد أو تماسيح أو طاووس أو تمتطي النعامة أو أن نتوشح بثعبان.
ولأني كنت أجهل طريقة التصوير الوحيدة صدني أحد العاملين حين هممت بالدخول، مطالبا إياي بدفع 250 ريالا كرسوم الدخول لالتقاط صورة.
وبعد أن أعطيته المبلغ المحدد، انتظرت منه أن يعطيني تذكرة أو سند دخول، وحين طالبته بذلك تفاجأت به يصارحني: هذه المبالغ تذهب إلى جيوبنا ونتحصلها علانية وبعلم إدارة الحديقة لنتقاسمها مع زملائي في الجناح كوننا بدون مرتبات والحديقة لا تعطينا أي مستحقات.
وحين سألناه: لماذا أنتم بلا رواتب وكيف لا تتسلمون مستحقات من الحديقة وهي جهة إيرادية؟ وكان رده بأن أشار بسبابته نحو مقر إدارة الحديقة: روح واسألهم.
يندب حظه بالأبقار
أحد العاملين في حظائر الأبقار يندب حظه، باعتبار أن مجال عمله لا يغري الزائرين بدفع 250 ريالا، وحسب وصفه لا أحد يرغب بالتقاط صورة مع بقرة ولو بالمجان.
نفس المعاناة يعاني منها العاملون في أقسام المواشي والطيور الداجنة والأرانب والكلاب، وهو ما دفع أحد العاملين في أحد هذه الأقسام للتفكير في استثمار أحد الحمير، وخطط أن يضيف إليه عربة. وكان له ما أراد، ولتنجح خطته التي علق عليها قائلا: «لأنه من المستحيل أن يتصور شخص مع حمار، فكرت بهذه الخطة التي جعلت كثيرين يرغبون بالتصوير مع الحمار والتجول بركوب عربة يجرها حمار».
تحسن كبير (سنوات القحط ولت)
كل الأسئلة والتساؤلات التي طرحناها هنا وهناك أعدنا طرحها على مدير حديقة الحيوان؛ المهندس فؤاد الهريش، وفي البدء طلبنا منه وصف وضع الحديقة الراهن، فأكد أن هناك تحسنا كبيرا وبنسبة 70٪ عن الأعوام السابقة.
وعن التحسن الذي يقصده، قال إن أعداد الحيوانات تضاعفت بنسبة 100٪ خلال الثلاث السنوات الأخيرة.
وعن سوء التغذية الذي يلازم الحيوانات المفترسة، وهل تفاقم جوعها مع تضاعف أعداد حيوانات الحديقة خصوصا أن جداول التغذية للحيوانات (حصص كميات الغذاء) مازالت كما هي على العام 2016؟ كان رده بأن سنوات القحط والمجاعة ولت وأن ما قبل العام 2019 ليس كما بعده، وأن الحيوانات المفترسة باتت تحصل على حصتها الكاملة رغم اعترافه بأن جداول التغذية مازالت كما هي منذ 2016 رغم تضاعف أعداد الحيوانات.
وتابع: «المجاعة التي تتحدث عنها وسبق أن تحدثت عنها وسائل الإعلام، هي فعل ماض وكثر الحديث عنها في العام 2016 ولكن بعدها تحسنت الأوضاع رغم شحة الإمكانيات يتم يوميا ذبح من 16 الى 18 ذبيحة يوميا، وباقي الحيوانات غير المفترسة تحصل على ما يكفيها من خضروات وحبوب وحشائش».
عائدات الحديقة لا تعود عليها
وعن شكوى العمال من انقطاع رواتبهم وعدم تسلمهم أي مستحقات ولو يسيرة من الحديقة، بالرغم من أنها جهة إيرادية، أوضح الهريش أن عائدات الحديقة لا تعود عليها، نافيا استفادتها من إيرادات تذاكر الدخول أو الإيجارات والتي تورد تلقائيا إلى حساب صندوق النظافة في البنك المركزي ولتبقى تحت تصرف وزارة المالية.
واستطرد بالقول: «كل إيرادات الحديقة ليست تحت تصرفنا، ولا نستطيع سحب أو صرف أو التصرف بريال واحد من عائدات التذاكر أو غيرها، إلا بتوجيه من وزارة المالية أو تحت البنود التي حددتها المالية، والتي لا نجدها تلبي احتياجات الحديقة الضرورية بالشكل المطلوب، الحديقة تعاني من أزمة مالية وتعاني من قلة العمالة وعاجزة عن التقاعد أو توظيف عمالة جديدة، ولا تستطيع دفع أي حوافز للعمالة الحالية المنقطعة رواتبهم أسوة بموظفي الدولة».
بلا نفقة تشغيلية
وعن أبرز الصعوبات التي تواجهها الحديقة، لفت الهريش إلى أن الحديقة تواجه كثيرا من الصعوبات وأنها بلا نفقة تشغيلية منذ العام 2016.
وأردف أن الحديقة تواجه صعوبة في توفير مياه الشرب للحيوانات، بسبب نضوب البئر، وقال: «منذ أشهر ونحن نتابع وزارة المالية للتوجيه بحفر بئر جديدة لري عطش الحيوانات والمزروعات، وإلى الآن لم توجه بعد».
أما في ما يخص الخطط المستقبلية، فيقول مدير الحديقة: «إذا تم حفر البئر الموعودة ستتم زراعة المسطحات وتوسيع المساحات الزراعية لإظهار الحديقة بشكل لائق».
في ختام حديثه، طالب المهندس فؤاد الهريش أمانة العاصمة، ووزارة المالية بزيادة الاهتمام بحديقة الحيوان ودعمها لمواجهة الإصابات الطارئة للحيوانات، وكذا إجراء أعمال الصيانة الطارئة للسياجات وأبواب الحظائر التي صارت بعضها متهالكة.
المصدر مارش الحسام / لا ميديا