تقرير- عادل بشر / لا ميديا -
لاتزال صنعاء تبعث الحيرة لدى الأوساط الفكرية والسياسية والمؤسسات البحثية في الغرب والولايات المتحدة، إثر الفشل العسكري الذي تقوده أمريكا وبريطانيا وتشارك فيه دول أخرى، في ردع القوات المسلحة اليمنية، أو الحدّ من عملياتها المساندة للشعب الفلسطيني.
مبعث الحيرة يعود إلى القدرات العسكرية الكبيرة التي أظهرتها اليمن، على مدى تسعة أشهر، منذ التحامها بملحمة طوفان الأقصى الفلسطينية، ولازالت تُفاجئ بها الكيان الصهيوني ومِن خلفه الولايات المتحدة وبريطانيا، من خلال تنفيذ عمليات نوعية بلغت حدّ استهداف العمق الصهيوني، بطائرة مُسيّرة محلية الصنع، تمكنت من تجاوز أكثر التقنيات الدفاعية تطوراً والوصول إلى هدفها في قلب مدينة يافا التي يطلق عليها كيان الاحتلال "تل أبيب".
وطوال الأشهر الماضية منذ دخول اليمن الحرب مع الكيان الصهيوني انتصاراً للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة في قطاع غزة للشهر العاشر توالياً، ركزت مراكز بحثية وفكرية وسياسية، غير حكومية، في الغرب والولايات المتحدة، على دراسة أسباب فشل التحالف الذي تقوده أمريكا وبريطانيا في ما وصفته وسائل إعلام أمريكية بـ"إخضاع الحوثيين في اليمن"، وردع هجماتهم البحرية التي بدأت باستهداف السفن الصهيونية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، لتشمل بعد ذلك السفن الأمريكية والبريطانية، ردا على عدوان واشنطن ولندن على اليمن، حماية لـ"إسرائيل". لتصل تلك المراكز إلى نتيجة حتمية مفادها "لن نستطيع هزيمة اليمنيين".
في هذا الصدد وبعد تسعة أشهر من القصف الأمريكي البريطاني المتواصل على اليمن، خرج مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، بنظرية جديدة تُركز على توجيه حملة إعلامية متواصلة ضد من وصفهم بـ"الحوثيين" وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تحقيق أي انتصار وإن كان ذلك إعلامياً.
مجلة "فورين أفيرز" ‏الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة فكرية متخصصة في دراسة وتحليل السياسة الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية، ذكرت في مقال تحليلي حديث، أن "اليمنيين أثبتوا أنهم مشكلة عنيدة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها".
وفي المقال الذي بعنوان "شن الحرب الخطأ في اليمن.. لماذا لا يمكن قصف الحوثيين حتى يخضعوا؟"، أكدت المجلة أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة "حتى ولو أسقط القنابل في جميع أنحاء أراضي اليمن، فإن ذلك لن يُقلل من القدرات العسكرية للحوثيين إلى الحد الذي لا يستطيعون معه شن هجمات".
وأوضحت المجلة أن اليمنيين شنوا هجمات بحرية استهدفت سفناً تجارية وعسكرية، كما استهدفوا "إسرائيل" بصواريخ وطائرات مسيرة، ما أدلى إلى تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة "لمحاولة كبح جماحهم"، لكن هذا التحالف فشل في ردعهم، بل إن عملياتهم تصاعدت مما يؤكد أنهم غير مستعدين للتراجع عن تلك العمليات.
وأشارت المجلة إلى أن جميع عمليات القصف الجوي التي يقوم بها التحالف الأمريكي لن تنجح في "إخضاع الحوثيين الذين يستطيعون تحمل الحروب الطويلة وسيستمرون في شن الهجمات البحرية وأيضاً استهداف إسرائيل". لافتة إلى أن "الحوثيين نجحوا أيضاً في حرب المعلومات حتى إن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتمكنوا من هزيمتهم إعلامياً".
وقالت المجلة الأمريكية إن "وسائل الإعلام الحوثية، المطبوعة والمرئية، بما في ذلك قناة المسيرة وهي منصة إعلامية رقمية مقرها بيروت تُنتج باللغتين الإنجليزية والعربية، والخطابات التلفزيونية لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، توفر إحساسًا جيدًا بروح الحملة الإعلامية لعملياتهم في البحر أو ضد إسرائيل". موضحة أنه ينبغي على أمريكا وضع سياسة فعالة لمواجهتهم.
وأكدت "فورين أفيرز" أن الولايات المتحدة "لا تملك سوى خيارات قليلة جداً عندما يتعلق الأمر بالرد على الحوثيين".. مضيفة: "فحتى الآن فشلت الضربات العسكرية، والعقوبات التي تستهدف قيادة الحوثيين، والجهود الرامية إلى منع تهريب الأسلحة في وقف الهجمات. ومن غير المرجح أن يؤدي تصعيد نطاق وشدة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة إلى تغيير حسابات الحوثيين أو تغيير الديناميكيات العسكرية للصراع بشكل كبير".
كما أكدت أن توسيع نطاق العمل العسكري ضد اليمن وحتى إن أدى إلى تدهور القدرات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية، فإن هذه القوات قادرة على تجديد قدراتهم الحربية، وفي الوقت ذاته يستطيعون استخدام التكنولوجيا المنخفضة التكلفة بما في ذلك الطائرات بدون طيار في الجو والبحر، والأسوأ من ذلك أن حملة القصف المتسارعة من شأنها أن تزيد من خطر التصعيد وسوء التقدير، وفقاً لـ"فورين أفيرز".

حرب البيانات
المجلة الأمريكية وفي سياق استعراضها للفشل الأمريكي في اليمن، أكدت أن "أفضل فرصة للولايات المتحدة لردع هجمات الحوثيين هي إيجاد السبل اللازمة لإدارة حملة إعلامية خاصة بها لمواجهة رسائل الحوثيين وحرب المعلومات التي يربحون فيها".
ورأت "فورين أفيرز" أن تحييد ما وصفته بـ"الدعاية الحوثية" هو أفضل وسيلة لردع هجماتهم.. مؤكدة في نفس الوقت أن "الطريقة الأكثر مباشرة لإضعاف رسائلهم الإعلامية، هي التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة".
وشددت المجلة الأمريكية على ضرورة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، لشن حملة إعلامية مضادة لصنعاء، عبر دحض أخبار العمليات العسكرية سواء في البحر أو على "إسرائيل" وفي نفس الوقت محاولة استعطاف الرأي العام العالمي من خلال "التشهير بالحوثيين وإظهار الجانب السيئ لاستهدافهم للسفن من تلويث للبيئة البحرية وكذلك التركيز على إشاعة استهداف طواقم السفن التجارية، وتسليط الضوء على الجهود الأمريكية في إنقاذ طواقم السفن المستهدفة، وإضفاء الطابع الإنساني على تلك الجهود".
كما تطرقت المجلة إلى وجوب أن تتضمن الحملة الإعلامية المضادة، "التشهير بالحوثيين، وإظهار أن الجماعة لا تساعد الناس بل تؤذيهم. كما يمكن للرسائل الأمريكية أن تنقل كيف اعتقل الحوثيون موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في يونيو/ حزيران" حدّ تعبير "فورين أفيرز".