حـاوره :عادل عبده بشر / لا ميديا -
تتجه الأمور الميدانية في الضفة الغربية المحتلة إلى مزيد من التصعيد الدامي، حيث تعد العملية العسكرية الواسعة التي يشنها «جيش» الاحتلال شمالي الضفة امتدادا للحرب المتواصلة على قطاع غزة للشهر الحادي عشر توالياً، وترجمة للمخططات الهادفة لتسريع ضم الأراضي الفلسطينية والتهويد وتوسيع الاستيطان.
حول هذا تحدث مع «لا» من العاصمة الفلسطينية، القدس، السياسي والباحث في الشأن « الإسرائيلي» الدكتور محمد هلسة، قائلاً إن «إسرائيل حاولت تصوير ما حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، على أنه تهديد وجودي، ووفقاً لها فإن الطريق لمنع حَدثٍ مماثل هو تدمير قطاع غزة وطرد سكانه وبالتزامن، سحق المقاومة في الضفة الغربية».

اجتثاث العمل المقاوم
وأشار هلسة إلى أن مناطق الضفة الغربية، كانت واحدة من ساحات المواجهة الرئيسية التي أرّقت «إسرائيل» حتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث سعى الكيان لاجتثاث «العمل المقاوم» من مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية تحديداً، عبر حملات عسكرية متواصلة كان آخرها وأشدّها عملية «البيت والحديقة» في مدينة جنين ومخيمها مطلع تموز/ يوليو 2023.. موضحاً أنه «لمَّا عَجِز العدو عن ذلك بالعمل العسكري لجأ، مع الولايات المتحدة، إلى القمم الأمنية الإقليمية التي عُقدت في الأردن ومصر والنقب سعياً للوصول إلى ترتيباتٍ أمنية بمساعدة السلطة الفلسطينية، وبالشراكة مع أطراف إقليمية محلية بهدف إنهاء المقاومة في الضفة الغربية. لكن طوفان الأقصى أطاح بكلّ الخطط الإسرائيلية الأميركية ووضع الكيان في مواجهة وضعٍ مُركّبٍ وأكثر تعقيداً وتهديداً بعد أن توسّعت وتصاعدت ساحات الفعل الفلسطيني المقاوم لتشمل وسط الضفة الغربية وجنوبها، بل وفي أراضي 48 والقدس المحتلة».

وحدة الساحات
وأضاف أستاذ اللغة العبرية في جامعتي القدس وبير زيت  الفلسطينيتين: «كثّفت التنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، جهودهما لتنفيذ عمليات نوعية، وسَعَتا إلى تكريس وحدة الساحات من خلال إشراك الضفة الغربية بالفعل الوطني المساند لغزة شعبياً وعسكرياً، على خلفية الحرب الإسرائيلية الدائرة على القطاع، خاصة مع تصاعد الإجراءات الأمنية الإسرائيلية العقابية الانتقامية في الضفة، وتصاعد عُنف المستوطنين الحاد ضد الفلسطينيين، بتغطيةٍ وإسنادٍ واسعين من قِبل أجهزة الدولة الرسمية».
وأكد هلسة أنه «مع استمرار الحرب على قطاع غزة، توسّعت المواجهة العسكرية في الضفة وتصاعدت، بخلاف التظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي واكبت الحرب بوتيرة عالية في بدايتها، ثم ما لبثت أن تراجعت وخبت حتى تلاشت تقريباً من مختلف مدن الضفة لاعتباراتٍ مختلفة، أهمها: تبدّي موقف السلطة الفلسطينية الرسمي الذي آثر الانتقال من النأي بالنفس في بداية الحرب، إلى التدخّل الصريح لمنع توسّع الاحتجاجات في الضفة ومنع التصعيد، بل والتعطيل على المساعي الداعية لإشراك الضفة في إسناد غزة شعبياً وعسكرياً عبر سياسات الاحتواء والتنفيس تارة، والتهديد والقمع تارة أخرى، إضافة إلى حملات البطش والانتقام الشديدة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة منذ بداية الحرب، منها عمليات الاعتقال التي طالت حتى الأسبوع الأول من أيار/ مايو ما يزيد عن 8495 معتقلاً فلسطينياً ممّا غيّب إمكانية تنظيم الجماهير اجتماعياً وسياسياً في الضفة، وأبقى تركيزها في سياق الهموم والالتزامات الفردية أكثر من الأيديولوجيات والالتزامات الجماعية التي تُغذّي الانتفاضات الجماهيرية».

جبهة ضغط وإسناد
الدكتور محمد هلسة وفي سياق حديثه مع «لا» أفاد بأن العمل المقاوم في الضفة الغربية، وبالرغم مما تم ذكره من عمليات القمع والتنكيل ضد الفلسطينيين، إلا أن المقاومة استمرت في الضفة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في إطار مساعي فصائل المقاومة لإسناد جبهة غزة وقطع الطريق على مساعي «إسرائيل» لإنهاء مظاهر العمل المسلح الذي ظل يُشاغلها ويزعجها لسنوات.
وقال: «رغم كل الصعاب والمخاطر تستمر المقاومة في تصعيد عملياتها والهدف أولاً؛ تحويل الضفة الغربية إلى جبهة إسناد رئيسية لقطاع غزة، وثانياً؛ تخفيف وتيرة وأثر الحرب على القطاع والضغط على إسرائيل للموافقة على إنهاء الحرب ودَفعِها لسحب جيشها منه».
وبالإضافة إلى ذلك، وفقاً للدكتور هلسة، فإن عمليات المقاومة المتصاعدة عمّقت أزمة حكومة الاحتلال واستنزفتها في مسارات متعددة، خاصة الاقتصادية والأمنية، ورفعت تكلفة التدابير الأمنية التي تتخذها في الضفة الغربية إلى الحد الأقصى. كما أنّ عمليات المقاومة في الضفة الغربية أكدت أنّ الروح الكفاحية للفلسطينيين مازالت حاضرة رغم محاولات وجهود «إسرائيل» والمتساوقين معها فلسطينياً وعربياً لكي الوعي وفرض سياق اجتماعي سياسي مختلف، يفترض تقبّل «إسرائيل» والانكفاء أمامها بدعوى اختلال ميزان القوى.

دلالات وأبعاد
وحول دلالات وأبعاد تكثيف الكيان الصهيوني لعملياته العسكرية في الضفة الغربية، بما فيها عمليته الحالية التي أطلق عليها «المخيمات الصيفية»، قال السياسي والباحث في الشأن «الإسرائيلي» الدكتور محمد هلسة لـ»لا» إن الاحتلال يسعى إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها: «الاستفادة من أجواء العدوان على قطاع غزة لتنفيذ عمليات واسعة كثيفة باستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي، من دون الالتفات للانتقادات أو العواقب في غمرة الانشغال الدولي بالحرب، بهدف القضاء على البنية العسكرية المسلحة في الضفة بوسائل أكثر فتكاً، ما كان للكيان أن يستعملها من دون سياق الحرب الدائرة، وهو يرى أن الظرف ملائم جداً لتصفية الحساب مع المخيمات والمناطق التي كانت، ومازالت، نشطة وفعّالة ضده، باعتبارها رموزاً للتمسّك بحق العودة، وكونها منبعاً للحراك الثوري والنضالي».
كما يهدف الاحتلال، والحديث للدكتور هلسة، إلى «تحويل الضفة الغربية إلى تهديدٍ ثانوي عبر عمليات استباقية لإحباط الخلايا المسلحة ومنع تمدّد المواجهات إلى الضفة بشكل رسمي، ووأد شعار وحدة الساحات من خلال ضرب حركتي حماس والجهاد الإسلامي واستهداف نشطاهما بالاعتقال والتصفية الجسدية، وكذلك استهداف كل المحيط الفلسطيني، في إطار العقاب الجماعي الهادف إلى جعل المجتمع الفلسطيني مثبّطاً لأيّ عمل مقاوم».
وأشار إلى أن هذا التصعيد، وفق الرؤية «الإسرائيلية» مُهم، وهو جزءٌ أساسي من محاولة استعادة الردع «الإسرائيلي» بعد طوفان الأقصى، ورسالة إلى قادة المقاومة بأن الحرب ضدهم لا تقتصر على قطاع غزة، وأنها ستستمر في ملاحقتهم أينما وجدت بُنيتهم التحتية. كما تطمح «إسرائيل» الى أن تؤسس الحملات العسكرية المُكثّفة التي تقوم بها ضد البنى التحتية التنظيمية لحماس والجهاد الإسلامي في شمال الضفة، بصورة أو بأخرى، ومن دون تنسيق مباشر، لتسهيل مهمة السلطة الفلسطينية في بسط سيطرتها ووضع أسُس لترتيبات اليوم التالي للحرب.

سيطرة واستيطان
ويؤكد الدكتور هلسة أن التصعيد الصهيوني في الضفة الغربية، يهدف أيضاً، إلى تعميق التطهير العرقي وإجبار الفلسطينيين على النزوح عن أراضيهم، تمهيداً للسيطرة عليها والاستيطان فيها، عبر خنق الضفة بالحواجز وضرب مقوّمات البقاء وحرية التنقّل.. لافتاً إلى أن هذا التصعيد، يأتي كذلك، كون الضفة الغربية ساحة لمناورة نتنياهو مع قوى اليمين المتطرفة، التي تُهدده بين الفينة والأخرى بالانسحاب من الحكومة إذا ما انسحب من قطاع غزة وأوقف الحرب، وبالتالي يُنظر للفعل الاحتلالي في الضفة على أنه أداة مناورة ومقايضة من نتنياهو يعوّض بها شُركاءه الذين يتكئ عليهم في استقرار ائتلافه، حيث الضفة بالنسبة لليمين الصهيوني أهم من قطاع غزة سياسياً ودينياً، لذلك يسعى لتفريغ مناطق في الضفة من الوجود الفلسطيني، بشكل يصبّ في تحيق أجندة هذا اليمين الصهيوني الحالم بضمّ الضفة الغربية والقضاء على فُرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.