سورية..وفورة التوحش والغرائز الطائفية
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

دمشق - خاص / لا ميديا -
عاشت العديد من مناطق سورية أياماً عصيبة، تخللتها فورة في الغرائز الطائفية، والمجازر الوحشية، التي يندى لها جبين الإنسانية.
بدأت الأحداث ظهيرة يوم الخميس، مع دخول قوات الأمن العام التابعة لنظام الجولاني إلى قرية «الدالية» في ريف جبلة، المعروفة بالسوية التعليمية العالية لأهلها، بأدبائها المعروفين على المستوى العربي، مثل الأديبة أنيسة عبود والأديب حسن يوسف وذلك لاعتقال فتى يبلغ من العمر 16 عاماً، بسبب منشور له على «فيسبوك»، حيث حاول الأهالي منعهم من اعتقاله، وتخلل الاحتكاك، توجيه شتائم طائفية للأهالي، مما اضطرهم لمغادرة البلدة، وفي طريق عودتهم، توقّفوا أمام كشك لبيع القهوة، حيث وقع شجارٌ مع شبّان كانوا مُفطرين، تخلله إطلاق نار كثيف في الهواء.
أدى توفر وسائل الاتصال، إلى سريان الأخبار في المنطقة، فتعرّضت القوة التابعة للأمن العام إلى إطلاق نار، من جهة قرية «بيت عانا» المجاورة للدالية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، في صفوف الأمن العام، ولوحظ قيام الأهالي، بإسعاف الجرحى، والاعتناء بهم، حتى وصول قوات الأمن وتسلمهم.
إثر ذلك، بدأت القوات الأمنية بإرسال تعزيزاتٍ عسكرية إلى أرياف جبلة والقرداحة، رافقها قصف بالطيران المروحي، وقصفٌ مدفعي من الكلية البحرية في جبلة، مما أدى إلى وقوع ضحايا بين السكان، ولجوء العديد من أهالي القرى المحيطة بجبلة إلى قاعدة حميميم، حيث تتواجد القوات الروسية.
ترافق ذلك، مع بيان «ملتبس» وخال من أي صوت أو صورة، لما يُسمّى «المجلس العسكري لتحرير سوريا» برئاسة العميد «غياث دلا» الضابط السابق في الفرقة الرابعة، التي كان يقودها اللواء ماهر الأسد، وبيان آخر من قائد سابق لمجموعة مسلحة رديفة للجيش السوري السابق، يدعى «مقداد فتيحة» دعوا فيهما إلى الانتفاض في وجه السلطة وقواتها.
بعد ذاك، امتدت الاشتباكات، إلى بعض أحياء مدينة اللاذقية وريفها، تخللها مواجهاتٌ بين قوات الأمن العام، وعناصر قيل إنها موالية للنظام الرئيس بشار الأسد، التي تحركت بشكل مشبوه، وهاجموا العديد من المفارز والنقاط، منها الكلية البحرية، وتعرض عناصر من الأمن العام والهيئة الأمنية للأسر، واستمرت هذه المناوشات، طوال الليل.
التطور الخطير في هذه المواجهات، حصل مع انتشار دعوات للنفير العام، على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن إعلاميي «هيئة تحرير الشام»، والعديد من الشيوخ وخطباء المساجد، لمؤازرة قوات الأمن العام، ووزارة الدفاع، في مواجهة ما سموه «فلول نظام بشار الأسد» وترافق ذلك مع خطاب وشحن طائفي، والدعوة إلى «استهداف العلويين».
مع ساعات فجر يوم الجمعة، وصلت إلى مناطق الساحل، أرتالٌ عسكرية من وزارة الدفاع والأمن العام التابعة لنظام الجولاني، ومجموعات مسلحة من الأجانب، الذين جنستهم السلطات الجديدة، والمعروفة بتوحشها، من الشيشان والقوقاز الأوزبك والتركمان والإيغور الصينيين، مترافقة مع تحرك مجموعات مسلحة، من الأحياء والمناطق السنية، ووصول لآلاف من المسلحين والمتطوعين، من المحافظات الداخلية، الذين انتشروا في معظم المناطق، التي تسكنها الطائفة العلوية، في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وريف حماه.
ترافق هذا الانتشار، مع عمليات قصف وإطلاق نار، استهدفت القرى والمباني، المطلة على الأوتوستراد الدولي حمص -طرطوس، وأسفر ذلك، عن مقتل العديد من المدنيين، كما بدأت الأخبار تتناقل حول حصول مجازر وحشية، بدأت في قرية «المختارية» في ريف اللاذقية، ذهب ضحيتها معظم شباب ورجال القرية، بعد تجميعهم وإعدامهم ميدانياً.
بعد ذلك بدأت تتكشف حصول مجازر يندى لها الجبين، مع إعدامات ميدانية طالت الأطفال والنساء وكبار السن، وكل من يقع أمامهم من الذكور في أحياء جبلة، وحمص، والعديد من المدن والبلدات والقرى، في طرطوس واللاذقية وحمص وحماه، مترافقة مع تعرض الأهالي، لممارسات وإهانات ذات طابع طائفي، وعمليات اقتحام، وسلب ونهب، وسرقة وإحراق سيارات المواطنين.
ولوحظ أن الاستهدافات طالت نخبا اجتماعية، خاصة في بانياس، من الأطباء والمهندسين والصيادلة والمدرسين وحتى من المعارضين السابقين لنظام الأسد، وطالت هذه المجازر العائلات بأكملها، بما فيها من أطفال.
ورغم فظاعة ما يجري، لوحظ تأخر سلطات الجولاني عن مخاطبة الرأي العام أو التهدئة، باستثناء بيانات قليلة، تُحمّل ما سمته «فلول الأسد» مسؤولية ما يجري، ثم ظهر من يسمى «رئيس السلطة الانتقالية» أحمد الشرع، في خطاب مقتضب، كان فيه أقرب إلى «أبو محمد الجولاني» زعيم «هيئة تحرير الشام»، من «أحمد الشرع» الرئيس، تحدث فيه بلغة المنتصر وبالوعيد والتهديد، وابتعد عن ذكر ما يجري من مجازر.
وفي محاولة منها للتعتيم على ما جرى، منعت سلطات الجولاني إقامة تشييع للضحايا، وأمرت بالسرعة بدفنهم، مع حضور عدد محدد من ذويهم، ومنعت إقامة مجالس العزاء بهم.
وتحدثت منظمات توثيق وحقوق الإنسان، منها تقرير للجنة «الرصد والتوثيق في حركة التجديد الوطني» عن عملية منظمة لإزالة الآثار وإخفاء الأدلة، وتحدث عن عمليات سريعة لإزالة جثث مئات المدنيين الذين قُتلوا في المجازر، وتحديداً في جبلة، ودفنها في مقابر جماعية تمهيداً لدخول وسائل الإعلام.
منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والنشطاء تحركوا بفاعلية، لكشف وفضح ما يجري، مستفيدين من توفر القدرة على التصوير وسرعة توصيل المعلومات مرفقة بالوثائق بالصوت والصورة، والقدرة على توصيل ما يجري، إلى المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية، واستطاعوا بذلك، إفشال محاولات سلطات الجولاني التعتيم على ما يجرى ومحاولاتهم تحميل المسؤولية لمن يسمونهم «فلول النظام السابق»، وظهر ذلك واضحا في تقارير وسائل الإعلام العالمية التي حمّلت بمعظمها سلطات الجولاني في دمشق المسؤولية عما يجري.
ما حدث أدى إلى جرح غائر في جسد سورية، دولة ومجتمعا وسلطة، وسيكون له تداعيات داخلية وخارجية كبيرة.
فعلى الصعيد الداخلي، عمقت هذه الممارسات من حالة الانقسام التي يشهدها المجتمع السوري منذ عام 2011، وأظهرت سلطات الأمر الواقع بأنها داعمة لما جرى من مجازر أو على الأقل لم تفعل ما يكفي لوقفها.
كما سيعيق محاولات حكومة الجولاني لبسط سيطرتها على كامل البلاد، مع زيادة الحذر من الجهات التي لاتزال خارج سلطاتها، مثل «قوات سورية الديمقراطية» التي تسيطر على ثلث الأراضي السورية، و«حراك السويداء» والمنطقة الجنوبية.
كما زادت هذه الجرائم من حالات الرفض والنفور التي تواجهها هذه السلطات عند المجتمع الدمشقي والسوري، والذي ينتمي بمعظمه إلى الشافعية، والمذاهب الصوفية، المعروفة باعتدالها، وظهرت أصوات وازنة من النخب السنية التي ترفض وتندد بما جرى.
وعلى الصعيد الخارجي والسياسي، فمن المؤكد أن هذه الجرائم ستسقط محاولات السلطة تقديم نفسها إلى المجتمع العربي والدولي على أنها تحولت من مجموعات مسلحة، تقع كلها على قوائم الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية، إلى قيادة دولة، كما ستعرقل محاولاتها الحثيثة، لرفع أسمائهم، منظمات وأفرادا، من قوائم الإرهاب الأممية ورفع العقوبات والبدء بمرحلة إعادة الإعمار وجلب الاستثمارات.
بعد اليومين الأسودين، تبذل محاولات للتهدئة، لكن ما حصل زاد من خطورة الأوضاع، وأدخل سورية، قيادة ومجتمعاً، في منزلقات، وأصبحت تحتاج إلى جهود مضاعفة ونظرة مختلفة عما قبلها، للخروج من حالة الصراع والقتال والانقسام، إلى مرحلة بناء الدولة، وبدء مرحلة إعادة الإعمار.
المصدر خاص / لا ميديا