تقرير / لا ميديا -
ليس مجرد صراع على الأرض، بل صراع على التاريخ، على الذاكرة، على من يكتب القصة ومن ينجو من محوها. في غزة، لا تُقاس الحرب بعدد الغارات ولا بطول الأيام، بل بمدى تمسك الناس بديارهم، رغم كل شيء. هناك، حيث تسحق البيوت وتتشظى الأجساد، ينبثق شيء يشبه المعجزة، مقاومة تعرف كيف تتحرك بين الركام، وتصوغ من الكمين سيفاً، ومن المأساة بياناً.
فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام - الجناح العسكري لحركة حماس، تواصل تنفيذ عمليات عسكرية مركبة ضد قوات العدو الصهيوني التي توغلت مجدداً في قطاع غزة.
وفي عملية نوعية أُطلق عليها اسم «كسر السيف»، أعلنت الكتائب، أمس الأحد، مسؤوليتها عن تنفيذ كمين محكم ضد قوة صهيونية شرق بلدة بيت حانون شمال القطاع، مؤكدة وقوع إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال.
ووفق القسام، بدأت العملية باستهداف مركبة عسكرية من طراز «ستورم» تتبع قيادة كتيبة جمع المعلومات القتالية، بقذيفة مضادة للدروع. ولم تكد قوة إسناد تصل إلى المكان لإنقاذ المصابين، حتى كانت في مرمى عبوة ناسفة متطورة من نوع «تلفزيونية 3»، أودت بحياة عدد من الجنود وأصابت آخرين بجروح بالغة.
وفي تطور متزامن، قصفت المقاومة موقعاً عسكرياً مستحدثاً في المنطقة، بأربع قذائف (RPG)، تبعها وابل من قذائف الهاون، في تأكيد لجاهزية المقاومة وقدرتها على المبادرة.

العدو يرد بتكثيف بالمذابح
بينما تنفذ المقاومة عملياتها العسكرية بدقة ومهارة، يشهد قطاع غزة على الجهة الأخرى جحيماً لا يتوقف. فالقصف الصهيوني المتواصل، الجوي والبري والبحري، يواصل حصد أرواح المدنيين، وسط صمت عربي دولي مُخزٍ.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة ارتقاء 44 شهيداً و145 جريحاً خلال 24 ساعة فقط، ليرتفع إجمالي عدد الشهداء منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى أكثر من 51,200 شهيد، وأكثر من 10 آلاف مفقود، وأكثر من 116,800 جريح، في ظل أوضاع صحية وإنسانية أبعد من الكارثية.
وفي اليوم الـ34 من استئناف العدوان الصهيوني ونكث الاتفاق، استهدفت آلة الإجرام الصهيونية خيم نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس، كما دمرت أبنية سكنية في مدينة غزة، وقصفت حي التفاح شرق المدينة، موقعة المزيد من الضحايا. حتى البحر لم يسلم، فقد فتحت الزوارق الحربية نيرانها تجاه السواحل، بينما كانت المدفعية تقصف دون تمييز.

سكاكين أمريكية «إسرائيلية» لتمزيق غزة
لا تقتصر المأساة على القصف فحسب، بل تمتد إلى خطة أمريكية صهيونية وصفها محللون بـ»العدوان الأشمل»، تهدف إلى توسيع العمليات البرية لتقطيع أوصال مدينة غزة، وتفتيت ما تبقى من قدرة المقاومة على الصمود. تقارير من وسائل إعلام العدو كشفت أن الخطة تشمل «بتر المدينة إلى قسمين»، وربما السيطرة الكاملة على القطاع وفرض إدارة عسكرية فيه.
وبحسب إعلام العدو، فإن المرحلة التالية من العدوان على غزة قد تتضمن السيطرة الكاملة على القطاع واحتلاله من أجل البقاء فيه، وإدارته من خلال شركة أميركية، بزعم «خنق قدرة حماس على الحكم من الزاوية المدنية والإدارية».
بدوره، جدد من يدعى وزير المالية والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، تصريحاته التحريضية الداعية إلى استمرار عدوان الإبادة في قطاع غزة، واحتلاله بالكامل.
ولترجمة الخطط الصهيونية الأمريكية تلك، تدفع غزة اليوم ثمناً فادحاً. المرصد الأورومتوسطي أشار إلى أن نحو 80% من البنية التحتية للقطاع دمرت، بما في ذلك المباني السكنية والمرافق الصحية والتعليمية والأراضي الزراعية، في جريمة إبادة جماعية تُنفذ تحت أنظار العالم.

64 شهيدا في سجون الاحتلال
تتمدد المأساة الفلسطينية في كل اتجاه مع استمرار الجرائم الصهيونية داخل الزنازين.
وأعلن مكتب إعلام الأسرى الفلسطينيين، في بيان، استشهاد المختطف الجريح ناصر خليل ردايدة (49 عاماً) في مستشفى «هداسا» بالداخل المحتل، بعد نقله من سجن عوفر، لينضم إلى قائمة شهداء الحركة الأسيرة. وقبله بثلاثة أيام، استُشهد الشاب المختطف مصعب حسن عديلي (20 عاماً) من بلدة حوارة، داخل سجون الاحتلال، بعد أقل من شهر على اعتقاله.
في السياق، كشفت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية أن 64 مختطفاً على الأقل استُشهدوا داخل سجون الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة، بينهم 40 من سكان القطاع، بينما يخفي العدو الصهيوني هويات عشرات الشهداء، ويواصل احتجاز جثامينهم.