أبو الدراما السورية الأديب والإعلامي مروان ناصح في حوار خاص مع «لا»:الدراما اليوم تبحث عن النبض من جديد بعد أن كانت نبض الناس
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا

حاوره: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
الأستاذ مروان ناصح من الأسماء الإعلامية المعروفة في الأوساط السورية والعربية.. بدأ عمله في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية وكان من كوادرها الناجحين وتنقل في أكثر من منصب وإدارة؛ ومنها مدير قناة «دراما سورية» التي تولى إدارتها منذ لحظة إحداثها كما شغل عدة مناصب في الإدارات الثقافية والفنية.
عرف أيضاً كشاعر وأديب وكاتب سيناريو، ويُعد من رواد الحركة الثقافية والدرامية في سورية وكانت له مساهمة كبيرة في الدراما السورية وكان فاعلاً في تطورها خلال فترة نهضتها حتى أصبحت الأولى عربيا والأكثر طلباً وعرضاً في الشاشات العربية وقدم سيناريوهات عددية لأعمال تلفزيونية وإذاعية وسينمائية وله ديوان شعر وعدة مجموعات قصصية وقصص ومقالات كثيرة منشورة في الصحف السورية والعربية.
عندما بدأت السنوات العجاف في سورية انتقل إلى الجزائر ومن هناك تابع نشاطه وله تجربة غنية في التلفزيون الجزائري، حيث عمل كخبير ومستشار في قناة الشروق الخاصة، ثم منتج ومعد للكثير من الأعمال السمعية البصرية من خلال تأسيسه لشركة هدبة للإنتاج الفني.
انتقل بعدها إلى دولة الإمارات حيث انضم كمتعاون إلى مجمع اللغة العربية في الشارقة في مشروعه «المعجم التاريخي للغة العربية» الذي تم إصداره أواخر العام الماضي، وفي مشروعه الجديد «الموسوعة العربية الشاملة» (قيد الإعداد)، كما تابع عمله ككاتب في «مجلة الشارقة الثقافية» التي تصدر عن دائرة الثقافة في هذه الإمارة.
«الكلمة» هوايتي الأولى والأخيرة
شاعر، إعلامي، درامي.. أيُّ هذه الصفات هي الأقرب إلى قلبك؟ وبأي منها تحب أن نقدّمك إلى القرّاء؟
الحقيقة أن كل هذه الصفات تلبسني، ولا يمكنني أن أخلع واحدة دون أن أخلّ بتوازني الشخصي! لكن إن كان لا بدّ من واحدة، فأنا أفضّل أن يُقدَّم اسمي كـ»كاتب». لأن الكلمة هي جذري، وهي التي منحتني القدرة على التعبير سواء في الإعلام أو الشعر أو الدراما. الكلمة كانت هويتي الأولى، وستبقى الأخيرة.
لم تحن العودة بعد
بعد 2011، تنقّلتَ بين الجزائر والإمارات، وربما بلدان أخرى، لكنك لم تنقطع عن سورية.. كيف تقيم هذه المرحلة؟ ومتى العودة النهائية؟
هذه السنوات كانت صعبة بطبيعة الحال. كنتُ قريباً من سورية بروحي ومشروعي، حتى إن كنتُ بعيداً جسدياً. التنقل كان أشبه بمحاولة لحفظ التوازن الشخصي والمهني. سورية كانت حاضرة في كتاباتي وقلقي وحنيني. أمّا العودة؟ العودة ليست قراراً إدارياً، بل هي لحظة وجدانية.. أشعر بأنها تقترب، لكنها لم تحن بعد.
تشبه مزاج الشارع وتخاطب وجعه
كنتَ جزءاً من نهضة الدراما السورية، وشهدت تألقها. ماذا تخبرنا عن تلك المرحلة؟
نعم، كنت شاهداً ومشاركاً في مرحلة ذهبية، حين كانت الدراما السورية مشغولة بالناس لا بالنجوم، وبالأسئلة لا بالسطحيات. كنا نكتب بصدق، وننتج بأدوات محدودة، لكن برؤية كبيرة. كانت الدراما شبيهة بمزاج الشارع، تخاطب وجعه وتقول ما يعجز عن قوله. وأنا أعتزّ بأنني ساهمت ولو بقدرٍ بسيط في تلك المرحلة.
عوامل نجاح الدراما السورية
ما العوامل التي ساهمت في نجاح الدراما السورية عربياً؟
ببساطة، الصدق. الدراما السورية لم تكن تجميلية، بل واقعية، تحكي عن الإنسان العربي بلغة بسيطة، قريبة من القلب، لكنها عميقة فكرياً. أيضاً، تنوع البيئة السورية -من الشام إلى الأرياف- منحنا قدرة على خلق أعمال متعددة الهويات لكنها موحّدة روحاً وتطلعات. أضف إلى ذلك نخبة من الكتّاب والمخرجين والممثلين الذين آمنوا بالفن لا بالشهرة فقط.
رشاقة سمعية
لماذا نجحت الدراما التركية باللهجة السورية تحديداً؟
اللهجة السورية تتمتع برشاقة سمعية، وسط بين الفصحى والعامية، فيها دفء وفيها موسيقى. وهذا ما جعلها الأقرب إلى أذن المشاهد العربي، سواء في الخليج أو المغرب. ولهذا فإن دبلجة الدراما التركية باللهجة السورية كانت موفّقة من حيث الوصول.
مشروع درامي عربي
لكن، أليس في انتشار الدراما التركية نوع من استلاب للدراما العربية؟
الاستلاب يحدث حين يغيب البديل الحقيقي. حين تضعف الدراما العربية من حيث المحتوى والمضمون، تملأ الدراما التركية الفراغ، بجودة بصرية وقصص مدروسة بعناية. الإسفاف لا يأتي من الدراما التركية بحد ذاتها، بل من تقليدها بلا روح، أو الاستسلام لسطوتها بدلاً من خلق مشروع درامي عربي يضاهيها.
تأثير طويل المدى
كيف تعكس الدراما الأحداث السياسية؟ وهل تملك القدرة على قول الحقيقة؟
الدراما ليست نشرة أخبار، لكنها مرآة حساسة. هي تُشير وتُلمّح، وتُضيء الزوايا المظلمة. أحياناً تقول الحقيقة بالتورية، وأحياناً تكتفي بإثارة الأسئلة. هي لا تملك حرية الصحافة ولا سلطتها، لكنها تملك تأثيراً طويل المدى، لأنها تدخل البيوت من دون استئذان، وتخاطب العاطفة والوعي معاً.
إعادة تموضع
برأيك، كيف ستؤثر المتغيرات الحالية في سورية على الدراما؟
ما تشهده سورية اليوم من تبدلات سياسية واجتماعية واقتصادية سينعكس مباشرة على شكل الحكاية، وعلى نبرة الصوت في الدراما. الناس قلقون من هزّات التغيير المفاجئ، والأولويات تتغيّر، لذا يجب على الدراما أن تُعيد التموضع، أن تبحث في العمق لا في السطح. هذه المتغيرات قد تكون مؤلمة، لكنها أيضاً فرصة لإعادة تعريف دور الدراما، ليس فقط في سورية بل في العالم العربي كله. نحن أمام مشهد دراماتيكي جديد يحتاج إلى رؤية جديدة.
الأمل لايزال قائماً
ما هو مستقبل صناعة الدراما السورية؟
المستقبل بيد من يملك الجرأة على التجديد، وعلى كسر «النمطيات» القديمة. نحن نحتاج إلى رؤية إنتاجية جديدة، تؤمن بالكاتب لا بـ«الترند»، وبالرسالة لا بالإعلانات.
الدراما السورية تمتلك المخزون الثقافي والكوادر، لكنها تحتاج إلى مناخ من الحرية يُعيد إليها الثقة بنفسها. والأمل قائم، مادام هناك كتّاب حقيقيون ومخرجون مؤمنون بقضية الفن والإنسان.
لا تقلدوا الآخرين
كخبيــــــر درامــي، ماذا تقترح للنهوض بالدراما اليمنية؟
أولاً، على اليمن أن يؤمن بقصته. هناك حكايات عظيمة في اليمن: موروث شعبي، أحداث تاريخية، غنى لغوي وبيئي. ثانياً، لا بد من دعم صناعة المحتوى المحلي ولو بإمكانيات بسيطة. يمكن للدراما أن تبدأ من مسرح تلفزيوني بسيط، لكنها يجب أن تُكتب بصدق. وثالثاً، لا بد من تدريب كوادر في الكتابة والإخراج والتمثيل والمهن التقنية، حتى تتكوّن نواة إنتاج فني متين. والمهم أخيراً: لا تقلدوا الآخرين، احكوا حكايتكم بلغتكم أو لهجتكم، وبأفكاركم ووجدانكم.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا