قسم التحقيقات / لا ميديا -
تعيش مدينة تعز المحتلة أوضاعا مأساوية في مجالات الحياة المختلفة، حيث لا تفتأ سلطات الارتزاق المسيطرة على المدينة في إرهاق كاهل المواطنين بالمزيد من الجبايات والإتاوات وتحويل الخدمات من كهرباء ومياه وصحة إلى سوق رائجة للبيع والشراء.
مؤخرا، فوجئ أبناء مدينة تعز بارتفاع حاد في أسعار وايتات الماء من 12 ألفا إلى 20 ألف ريال، في ظل غياب تام للخدمات العامة، وارتفاع الأسعار، وانهيار في سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وما يصحب ذلك من انقطاع للمرتبات وتردي الوضع الاقتصادي والحياة المعيشية للمواطن في تعز المحتلة التي تعد أكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان.
صحيفة لا رصدت في هذا التقرير جانبا من معاناة أبناء مدينة تعز التي يعيشونها في الحصول على الماء، منذ أن توقف المشروع التابع لمؤسسة المياه بفعل الحرب العدوانية التي شنها التحالف ومرتزقته على اليمن، وكان لتعز نصيبها الكبير من الدمار والخراب والعبث على أيدي أولئك المرتزقة الذين عاثوا خرابا وتقتيلا ونهبا لممتلكات المواطنين وتدميرا للمشاريع الخدمية.
ومع توقف مشروع المياه في المدينة اضطر المواطنون إلى شراء الماء عبر الوايتات التي مثلت لمرتزقة العدوان مجالا خصبا للتربح والابتزاز، حيث فرضوا الجبايات التي يريدونها على كل وايت ماء يدخل المدينة، ويكون المواطنون هم الضحية الذين يدفعون الثمن مضاعفا في سبيل الحصول على مياه يعتمدون في توفيرها على الخزانات التي تُملأ من آبار في ضواحي المدينة المحتلة.
لكن شراهة الخونج وسلطات الارتزاق في تعز، وإمعانها في نهب الناس، فاقمت مؤخرا من ارتفاع أسعار وايتات الماء بشكل صارخ.
يقول صالح حميد الفارعي لصحيفة لا: أنا موظف على قدر حالي وراتبي 60 ألف ريال فقط (نحو 25 دولاراً) وفوجئت بأن سعر الـ2000 ليتر من الماء ارتفع من 12 ألف ريال إلى 20 ألف ريال، علما أني أستخدم شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف ليتر، ما يعني أن راتبي بالكاد يكفي فقط لما نحتاجه من ماء للاستخدام اليومي.
 وأضاف الفارعي: نعيش في ظل حالة فوضى، منذ بدء الحرب التي شنها تحالف العدوان ومرتزقته وحكومة فنادق الرياض عاجزة عن إعادة تشغيل مشروع الماء، وأصحاب وايتات الماء يرفعون أسعارها بين الحين والآخر بشكل عشوائي ومزاجي، وفي ظل غياب الرقابة مما تسمى الجهات الحكومية، وفي ظل هذا الوضع، نضطر للبحث عن توفير ما يمكن الحصول عليه من الماء من الوايتات الخاصة بفاعلي الخير التي تُوزَّع في بعض الحارات.
بدورهم، يقول أصحاب الوايتات إن السبب في رفع أسعار الماء يعود إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وانهيار سعر صرف الريال اليمني، واستنزاف عدد من الآبار التي يُعتمد عليها في الحصول على المياه، بالإضافة إلى الجبايات المالية غير القانونية التي تُفرض من قبل بعض النافذين.
من جانبه، قال هزاع محمد المفرح صاحب وايت ماء لصحيفة لا: نحن عمال ولدينا أسر نحن مسؤولون عنها، وأحيانا يُباع الماء بسعر التكلفة، ونخسر من ذلك، وللمطالبين بتخفيض سعر وايت الماء عليهم ضبط سعر الصرف، وأسعار المشتقات النفطية، وتوفير الآبار التي تغذي المدينة بالماء، وإيقاف الجبايات المالية المفروضة علينا، وحينها، سنلتزم بسعر ثابت، لأن الوضع خارج عن إرادتنا.
ويؤكد أصحاب الوايتات ان غياب الدولة وانهيار الوضع الأمني أتاح للعصابات المسلحة أن تتصدر المشهد في كل شيء، وتتحكم باحتياجات الناس من ماء وكهرباء وغاز ومشتقات نفطية، فيكونون محكومين بمزاج تلك العصابات المدعومة من قيادة الخونج وما يسمى محور تعز العسكري، مشيرين إلى أن كل عصابة منها تنصب نقطة جبايات خاصة بها بحيث لا يمر وايت ماء إلا بعد أن يدفع لهم، وهكذا حتى لا يصل إلى المواطن إلا بعد أن يكون قد دفع ثمنه خمسة أضعاف.
وبالنسبة لسلطات الارتزاق فإنها قد تركت الحبل على الغارب ولم تعد معنية بشيء سوى تقاسم الجبايات مع عصاباتها، وترك المواطنين لمصير مجهول متخلية عن كافة مسؤولياتها كسلطة محلية، حسب تعبير مواطنين آخرين التقتهم صحيفة لا، مؤكدين أن ما يحدث لمدينة تعز من قبل تلك الفصائل هو أمر يفوق الوصف.
قبل العدوان، كانت مدينة تعز المحتلة تعتمد على 88 بئراً لتغذية المدينة بالماء تتوزع على أربعة حقول مائية منها 18 بئراً في منطقتي الحوجلة والعامرة، بالإضافة إلى تسعة آبار في منطقة الضباب حذران، و23 بئراً في مناطق الحيمة وحبير، و38 بئراً تتوزع في مناطق المدينة.
وكانت قدرة تلك الآبار الإنتاجية قبل الحرب تصل إلى 20 ألفاً و600 متر مكعب في اليوم الواحد، وانخفض الإنتاج بشكل كبير ليصل إلى 5 آلاف و768 متراً مكعباً، وهو ما فاقم أزمة المياه في المدينة المحتلة بشكل غير مسبوق.
وتشير التقارير الدولية إلى أن اليمن يعدّ واحدة من بين أربع دول تعاني شح المياه في العالم، والأفقر من حيث الموارد بين الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية.
وتعد اليمن من أكثر البلدان التي تعاني من نقص الأمن المائي، حيث يبلغ المعدل السنوي للأمطار في اليمن 167 ملليمتراً، لكن 3% فقط من هذه المياه تتحول إلى جريان مائي سطحي.
وتشير إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة وافتراضاتها بشأن النمو السكاني إلى أنه من المتوقع أن يزداد الطلب السنوي على المياه في اليمن زيادة تدريجية بنسبة تصل إلى 120% بحلول عام 2050.
 وبحسب تقرير للبنك الدولي فإن اليمن يعدّ من بين أكثر بلدان العالم فقراً في المياه؛ حيث لا يحصل 18 مليون نسمة من سكانه على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي الآمنة، موضحاً أن توفير مياه الشرب يعدّ من أكبر المشاكل التي تواجه اليمن خلال السنوات المقبلة.