دمشق/ خاص / لا ميديا -
كان لافتاً، خلال جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية، وخاصة في محطتها السعودية، التي شهدت لقاء غير عادي بين ترامب ورئيس السلطة السورية المؤقتة أحمد الشرع، غياب القضية الفلسطينية بشكل شبه تام عن الحدث، رغم أن الكيان الصهيوني كان الحاضر الأكبر وراء الكواليس، وفي كل ما جرى الحديث عنه، وما تم اتخاذه من قرارات.
كان الاهتمام بلقاء الرئيسين واضحاً، إلى درجة أنه أخذ الأضواء عن كل الملفات الأخرى التي كانت على جدول أعمال جولة ترامب الخليجية. وهذا الاهتمام الكبير لم يكن بسبب قرار رفع العقوبات عن سورية، أو حباً بالشعب السوري، وإنما بسبب ما يعنيه القرار وأسباب اتخاذه، والشروط الموضوعة على الشرع وحكومته مقابل رفع العقوبات.
هذه الشروط لم تعد سرية، ولا ينكرها أحد، بمن فيهم الشرع وحكومته، ومعظمها يتعلق بالعلاقات مع الكيان الصهيوني، وحتى الملفات السورية المحلية لم تكن بعيدة عن علاقتها بملف العلاقات مع الكيان «الإسرائيلي».
فأهم الشروط التي وُضعت على الشرع لتنفيذها كان الدخول في عملية سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني، والدخول في «الاتفاقات الإبراهامية»، وهو ما أكدته وأعلنته حكومة الشرع بشكل مباشر وعلني، وفي أكثر من مكان ووسيلة، وخاصة من خلال رسالة الشرع إلى الرئيس ترامب، التي سبقت القمة وأعدت لها، وخلال زيارة الشرع إلى باريس، ومن خلال مسؤولين كبار في حكومة الشرع، أو بشكل غير مباشر، من خلال ما ينقل عن مسؤولين أجانب كبار التقوا الشرع، وهو ما أكده الرئيس ترامب بكل وضوح، في رده على سؤال عما إذا كانت سلطة الشرع ستنضم إلى «اتفاقية ابراهام»، فقال: «نعم؛ ولكن حالياً عليهم ترتيب أوضاعهم. أخبرتهم: آمل أن تنضموا إليها. وقال الشرع: نعم».
وحتى في الملفات الداخلية، التي كانت على جدول أعمال لقاء «ترامب – الشرع»، وقمة باريس، ولقاءات الشرع مع العديد من الوفود التي زارت دمشق، لم تكن بعيدة عن شرط العلاقات مع الكيان «الإسرائيلي».
فشرط طرد «الإرهابيين» الأجانب من سورية، والذي يعتبر من أهم مطالبه، لم يكن لأسباب سورية، بقدر ما كان استجابة لمخاوف الكيان الصهيوني الأمنية.
كذلك موضوع الفيدراليات في سورية، ورغم أنه بات مطلباً لمعظم المكونات السورية، بسبب تداعيات سيطرة المجموعات التكفيرية، والمجازر التي ارتكبتها في الساحل السوري وريفي حمص وحماه وفي الجنوب السوري، وإشكالية العلاقة بين السلطات السورية وتنظيم سورية الديمقراطية «قسد» الذي يسيطر على أكثر من ربع الأراضي السورية في شمال شرق سورية؛ إلا أنه أمر يناسب الكيان الصهيوني، باعتباره يمهد الطريق أمامه لفرض وصايته في الجنوب السوري، وأيضاً لهدف أهم وأبعد من ذلك بكثير، يتعلق بمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وهو اعتباره بروفة يمكن تطبيقها في المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل، بعد تغير شكل الصراع في المنطقة من صراع عسكري إلى صراع سياسي - اقتصادي - ديمغرافي.
أيضاً كان لافتاً أن اتخاذ إجراءات على الأرض لتنفيذ هذه الشروط لم ينتظر لقاء «ترامب - الشرع»، وإنما تم قبل ذلك بكثير، وهذا يؤكد أن التفاهم على هذه الأمور تم منذ فترة طويلة، وهي التي مهدت لموافقة ترامب على لقاء الشرع، ومن هذه الإجراءات:
- رسالة الشرع إلى ترامب، وفيها إغراءات سورية لإدارته، وموافقة على كل شروط واشنطن لتطبيع العلاقات، ورفع العقوبات.
- أخبار عن لقاءات سورية - «إسرائيلية» عديدة، ومنها لقاء وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة مع وفود «إسرائيلية».
- إعلان نقل رفات الجندي «الإسرائيلي» تسفيكا فيلدمان، الذي قتل خلال الغزو «الإسرائيلي» للبنان عام 1982، بتسهيل مباشر من السلطات السورية، وسبقه إلقاء القبض على القيادي الفلسطيني طلال ناجي، أمين عام الجبهة الشعبية - القيادة العامة، في خطوة يقال إنها متصلة بعملية التعرف على رفات فيلدمان، وقبله قياديين من الجهاد الإسلامي.
وتم تسريب معلومات بأن إلقاء القبض على ناجي تم بطلب «إسرائيلي»، بعد تسريب معلومة مستقاة من مذكرة من رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السورية السابق، علي دوبا، إلى الرئيس الأسبق حافظ الأسد، تؤكد أن طلال ناجي على علم بمكان دفن فيلدمان، وأن التحقيق مع ناجي تم من خلال وفد أمني «إسرائيلي» رفيع المستوى، واستغرق عدة ساعات، وتم خلاله سحب معلومات منه حول مكان دفن فيلدمان، وكانت هذه المعلومات صحيحة، وتم فيما بعد نقل رفات الجندي إلى الكيان الصهيوني.
- لقاءات أمنية سورية - «إسرائيلية»، عقدت في أذربيجان.
- مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية، علي الراعي، أجرى لقاء حصرياً مع قناة «كان» الصهيونية، قال فيه: «نريد السلام في المنطقة، بما في ذلك مع إسرائيل».
وأبعد من ذاك بكثير، كان لافتاً تأكيد جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الأسبق إلى سورية، بأن علاقة أمريكا بالشرع ليست جديدة، بل تعود الى زمن كان اسمه «الجولاني»، وقوله: «حميناه من بشار الأسد».
ترتيبات الوضع في سورية، وخريطة الطريق التي ستوضع لها للسير عليها وتنفيذها، وتطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق وثمنه، بعد قرار رفع العقوبات، تمت مناقشتها في «اجتماع أنطاليا» بتركيا، بين وزيري خارجية حكومة الجولاني، أسعد الشيباني، والأمريكي ماركو روبيو، وبحضور وزير الخارجية التركي حقان فيدان.
وقال روبيو، خلال اللقاء، إن الرئيس ترامب سيصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية؛ لكن الطريق سيكون طويلاً، وشدد على أن أمريكا تريد أن تفعل كل ما تستطيع لتحقيق السلام والاستقرار في سورية.
مهما حاولنا قراءة الصورة بطرق عديدة، أو تدوير الزوايا، لا يمكن تجاهل أن الحدث السوري، منذ انهيار سلطة الرئيس بشار الأسد، ومجيء الجولاني (أحمد الشرع)، غيّر المشهد الجيوسياسي في سورية باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، والدخول في «الاتفاق الإبراهامي»، وسيفتح الباب لتغيير كل المنطقة في هذا الاتجاه، بسبب أهمية موقع ودور سورية الجيوسياسي، باعتبارها أحد أهم المفاتيح السياسية في المنطقة والعالم.
ويمكن القول، وإلى إشعار آخر، وحتى إيجاد ظروف تغير المعادلات التي أوجدها التغير الدراماتيكي في المشهد السوري، إن منطقة شرق المتوسط أصبحت منطقة نفوذ أمريكي، خاضعة للسيطرة «الإسرائيلية».