دمشـق - خاص / لا ميديا -
كانت لافتة التحولات السريعة في المواقف الأمريكية فيما يخص المفاوضات بين السلطات الجديدة في دمشق وتنظيم قوات سورية الديمقراطية "قسد" حول تطبيق اتفاق العاشر من آذار الماضي، الذي وقع بين الجانبين برعاية أمريكية، على وقع المجازر التي حصلت في الساحل السوري، بنصيحة بريطانية، كبديل عن صدور قرار في مجلس الأمن على الفصل السابع حول المجازر، ما أجبر سلطات دمشق في حينه على الموافقة على بعض بنود كانت ترفضها سابقاً.
‏من أهم ما نص عليه الاتفاق:
1 - دخول "قسد" كفيلق مستقل في جيش سورية الجديدة.
2 - منح "قسد" نظاماً لا مركزياً إدارياً في محافظة الحسكة مع عفرين (شمال حلب) والشيخ مقصود والأشرفية (أحياء في مدينة حلب).
3 - منح "قسد" 20% من ثروات محافظة الحسكة.
4 - إخراج الجيش الوطني من عفرين ودخول الأسايش (قوات أمن كردية) باسم الأمن العام لها.
5 - انسحاب "قسد" من دير الزور والطبقة والرقة كلياً.
لكن الاتفاق لم يطبق، وشهدت الفترة التي تلته تشدداً من الجانبين واتهامات متبادلة بعدم الالتزام ببنوده، واستمر ذلك حتى ظهر موقف أمريكي وضغوطات مفاجئة لعقد اللقاء الأخير الذي تم في قصر الشعب، حيث مقر الرئاسة السورية بين رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع وزعيم تنظيم "قسد" مظلوم عبدي بحضور المندوب الأمريكي إلى سورية توماس باراك.
المفاجأة الأمريكية الثانية ظهرت خلال الاجتماع، بتغير كبير في الموقف الأمريكي، الذي بدا واضحاً أنه أصبح منحازاً بشكل لافت إلى جانب السلطة في دمشق، وهو موقف يتم لأول مرة، خاصة وأن الولايات المتحدة هي التي أنشأت تنظيم "قسد" بحجة الوقوف بوجه تنظيم "داعش"، ودأبت على دعم التنظيم خلال كل مراحل الأزمة السورية واللقاءات والمفاوضات التي كانت تجري علناً ووراء الكواليس مع نظام الرئيس بشار الأسد، وبقيت تتخذ الموقف نفسه مع السلطات الجديدة في دمشق إلى وقت انعقاد هذا اللقاء.
المواقف الأمريكية الجديدة والمفاجئة ظهرت في تصريحات باراك الذي أطلق بعد اللقاء سلسلة من المواقف أكدت التموضع الأمريكي الجديد، حيث نصح "قسد" بالاتفاق مع الحكومة السورية وقال لـ"أسوشيتد برس": "لا أعتقد أن هناك تقدماً في المحادثات بين الحكومة السورية المركزية والأكراد".
وأضاف: "واشنطن تثق ثقة كاملة في الحكومة السورية وجيشها الجديد، ونريد التأكد من حصول قوات سورية الديمقراطية على فرصة محترمة للاندماج بالحكومة".
وفي تصريحات أخرى قال باراك لـ"سي إن إن تورك": "إن قوات سورية الديمقراطية (قسد) تعتقد أن أمريكا مدينة لهم، والولايات المتحدة تقول نعم نحن مدينون لك بواجب معاملتك بشكل معقول"، إذا لم تكن معقولا فإن بديلا آخر يأتي إلى جدول الأعمال.
لكن الموقف الذي كان الأكثر مفاجأة قوله في رسالة قصد توجيهها إلى تركيا (القلقة) إن ما يعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية" هي وحدات (واي بي جي)، التي تعد امتداداً لتنظيم حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي) الذي وصفه بالإرهابي وهو يسلم سلاحه لتركيا اليوم.
بغض النظر عن كل هذه التفاصيل فالتساؤل المهم يدور حول أسباب التغير الكبير في الموقف الأمريكي لصالح الحكومة السورية على حساب "قسد" والتفسير الوحيد الموجود لهذا التغير يقول "فتش عن إسرائيل".
فليس سراً أن هناك وراء الكواليس حركة نشطة جداً بين السلطات السورية الجديدة والكيان الصهيوني للتوصل إلى تفاهمات واتفاقات تضع الأسس لاتفاق سلام بين الجانبين وبدء مرحلة التطبيع ودخول دمشق في "الاتفاق الإبراهيمي".
وتتحدث الأخبار والتصريحات من مصادر وشخصيات سياسية وإعلامية موثوقة خاصة من الكيان الصهيوني وأمريكا ودول عربية وغربية عن لقاءات متواصلة تحدث في عدة عواصم عربية وأجنبية وحتى في دمشق والكيان الصهيوني آخرها كان في أذربيجان التي زارها الشرع قبل عدة أيام.
والتغير في الموقف الأمريكي يؤكد أن السلطات في دمشق تتجاوب بشكل كبير مع هذه الجهود، وهذا يؤكد أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد خروج اللقاءات السورية - "الإسرائيلية" وما توصل إليه الطرفان إلى العلن، وهذا يتوافق مع الأنباء التي تحدثت عن ترتيبات تجري لعقد لقاء بين الشرع ونتنياهو برعاية ترامب في واشنطن قريباً.
أما التسرع في تكثيف هذه اللقاءات والتفاهمات فتفسيره هو الميل لإنجازها وإعلانها قبل حصول تيار سوري سياسي وشعبي مؤثر يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني والتفاهمات التي يجري الإعداد لها، والتي تؤكد في كل تسريباتها أن الانسحاب "الإسرائيلي" لن يتجاوز ثلث الجولان، خاصة وأن الجميع يدرك أن الخصوصية السورية تجعلها مختلفة بشكل كبير عن المصرية والأردنية وبقية الدول العربية فيما يخص السلام والتطبيع مع "الكيان الإسرائيلي"، رغم إدراك الجميع أن تغير النظام في سورية وتغير التوازنات في المنطقة جعل خيار السلام طريقاً بمسار وحيد أمام القيادة السورية الجديدة، لأن البديل سيكون العودة إلى العقوبات وبشكل أقسى من السابق وتدمير ما تبقى من سورية؛ لكن ما يجري الحديث عنه في الشارع السوري هو أن يكون السلام عادلاً ولا يفرط بالحقوق السورية وفي مقدمتها الانسحاب الكامل من الجولان.
اتفاق السلطات السورية و"قسد" مهم جداً وتنتظره كل الأطراف الداخلية والإقليمية، لأنه سيكون الأساس لشكل وهوية سورية الجديدة، لأنه سيكون مقياساً لتطبيقه في المناطق المطروحة كأقاليم فيدرالية إدارية كما في الساحل السوري والسويداء.
كما أنه مهم إقليمياً لأنه سيكون مقياساً لأي تفاهمات في الدول التي تضم مواطنين أكراداً وخاصة في تركيا التي تسير باتجاه تفاهم مع الأكراد لأول مرة منذ أربعين عاماً بعد إعلان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني وقف العمل العسكري مع الحكومة التركية والانتقال إلى العملية السياسية لضمان حقوق الأكراد في تركيا وسيكون اتفاق الحكومة السورية مع "قسد" النموذج الذي سيطالب به أكراد تركيا.
هذا يؤكد أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حافلة بالأحداث التي ستساهم في تظهير الخريطة والتوجهات الجيوسياسية التي يتم العمل عليها في سورية والمنطقة بشكل عام.