تقرير / لا ميديا -
في مشهد يتكرر كل يوم منذ أكثر من 666 يوماً، تستفيق غزة على لون الدم ورائحة البارود، حيث لا تزال آلة القتل الصهيونية تحصد أرواح المدنيين بلا رحمة، وتعيد رسم ملامح النكبة بوسائل أكثر وحشية وقسوة.
خلال 12 ساعة أمس السبت، استُشهد 57 فلسطينياً، بينهم 35 من طالبي المساعدات، معظمهم نساء وأطفال، تحت نيران الاحتلال التي استهدفت خيام نازحين في خان يونس وأحياء متفرقة من القطاع، في جريمة مكتملة الأركان.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة الشهداء إلى أكثر من 60,430 روحاً أُزهقت، في حين لا تزال فرق الإنقاذ عاجزة عن انتشال جثث الشهداء تحت الأنقاض، تحت وابل القصف، في مشهد يفضح كذب الإنسانية العالمية ويعري ازدواجية المعايير الدولية.
كل يوم في قطاع غزة حصار من النار والموت، تُديره «تل أبيب» بدم بارد، وبدعم واشنطن وبموافقة ضمنية من عواصم غربية.
وفي ظل دخول المجازر يومها الـ666، ومع استمرار الحصار، لم تدخل يوم أمس سوى 73 شاحنة مساعدات يتم سرقتها قبل وصولها نتيجة الفوضى الأمنية التي يُكرّسها الاحتلال بشكل متعمّد، وهو رقم هزيل أمام احتياج يومي لا يقل عن 600 شاحنة.

هندسة التجويع
الكيان الصهيوني لا يكتفي بالقصف، بل يمارس سياسة تجويع ممنهجة تُسمى مجازاً بـ»هندسة الجوع»، وهي مصطلح صاغته الأونروا لوصف الاستراتيجية الصهيونية في محاصرة المدنيين ومنع وصول المساعدات إليهم، بل واستهدافهم عمداً عند مراكز التوزيع.
منذ استئناف عدوان الإبادة في مارس الماضي، استُشهد أكثر من 1,300 فلسطيني أثناء محاولتهم فقط الحصول على رغيف خبز أو كيس دقيق.
إنها إبادة لا تجري في الخفاء، بل على مرأى من العالم، وبتواطؤ معلن من أطراف تدّعي الدفاع عن «القانون الدولي الإنساني».
منظمة الصحة العالمية بدورها حذرت مؤخراً من تحقق «أسوأ سيناريوهات المجاعة»، مؤكدة أن أكثر من نصف مليون إنسان في غزة يواجهون خطر الموت جوعاً. أما الواقع، فيؤكد أن المجاعة تحققت فعلاً، مع استشهاد 162 فلسطينياً بسبب سوء التغذية.

غطاء أمريكي... ومسرحيات دعائية مفضوحة
الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى مراكز توزيع المساعدات في غزة لم تكن سوى «مسرحية تلميع»، وفق وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس، محاولة بائسة لتجميل وجه الاحتلال وطمس الحقيقة التي لا يمكن تزويرها: أكثر من 60 ألف شهيد، ومئات الآلاف من الجوعى، وطفولة تُباد أمام شاشات العالم.
في السياق ذاته جاءت شهادة جديدة على الإبادة في غزة من قبل القائد الأسبق لقيادة المنطقة الشمالية في قوات العدو والنائب الأسبق لرئيس «الموساد»، عميرام ليفين، والذي قال إن: «ما يجري في غزة إبادة جماعية، وإطلاق النار على أطفال يبحثون عن الطعام جريمة حرب بأوامر رسمية من الحكومة».

حماس تنفي مزاعم ويتكوف
في سياق متصل، نفت حماس تصريحات ويتكوف بأن «حماس مستعدة لنزع سلاحها»، مؤكدة أن المقاومة حقّ مشروع مادام الاحتلال قائماً، ووصفت الخطاب الأميركي بأنه «غطاء سياسي للقتل الجماعي».
وشددت حماس، في بيان صحافي، على أن «المقاومة وسلاحها استحقاق وطني وقانوني ما دام الاحتلال قائماً»، مشددة على أن هذا الحق «أقرّته المواثيق والأعراف الدولية»، وأنه «لا يمكن التخلي عنهما إلا باستعادة حقوقنا الوطنية كاملة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس».
واعتبرت حماس أن الإدارة الأميركية لم تكن طرفاً حيادياً يوماً، بل هي شريك أصيل في الجرائم الصهيونية.

الداخل الصهيوني ينهار تحت صرخات الأسرى
المشهد في على جانب العدو ليس أقل مأساوية من الناحية السياسية، فقد التهب الشارع الصهيوني بعد مقطع فيديو بثّته كتائب القسام لأسير «إسرائيلي» يدعى «أفيتار دافيد»، ظهر فيه وهو يحفر قبره بيديه، جائعاً منهكاً، متهماً حكومته بالتخلي عنه.
وقال دافيد في الفيديو: «أنا لم آكل منذ أيام، وطعامنا القليل هو عدس وفاصوليا، والآسرون يقدمون لنا ما يستطيعون». وأضاف: «نتنياهو تخلّى عنا، وكل ما تربينا عليه في إسرائيل هو كذب».
وتابع الجندي الأسير: «أنا أحفر قبري بيدي، لأن جسدي يضعف كل يوم، وربما سأُدفن هنا في النفق».

مظاهرات في مدن عالمية لأجل غزة
على الصعيد الشعبي، خرج آلاف المتظاهرين في مدن عربية وعالمية تضامناً مع غزة، وتأكيداً على رفض العدوان والتجويع الذي يمارسه العدو الصهيوني.
في المغرب وموريتانيا واليمن، نُظمت تظاهرات ضخمة بعد صلاة الجمعة؛ إذ شهد المغرب تنظيم 90 وقفة في 58 مدينة، منها الدار البيضاء، أغادير، تازة، ومدن أخرى.
على الصعيد الدولي، احتشد مئات في باريس بساحة «الجمهورية»، حيث هتفوا بعبارات مثل: «غزة غزة.. باريس معك»، و»كلنا أطفال غزة»، داعين المجتمع الدولي لوقف الإبادة الجماعية المعلنة في القطاع.
وفي أستراليا، نظم المئات مسيرة في (داروين)، رافعين لافتات تُندد بالمجاعة وتطالب بوقف القتل، بينما عدّ نواب محليون الأوضاع «إبادة قسرية» تُجرى من دون رادع.
أما في سيدني، فقد أصدرت المحكمة العليا حكماً بالسماح بمسيرة واسعة تعبر فوق جسر هاربور، يُتوقع أن يشارك فيها حتى 50,000 متضامن دعماً لغزة.
كما شهدت الولايات المتحدة  احتجاجات في عدة مدن من ضمنها شيكاغو وأتلانتا ولوس أنجلوس وديترويت.
أما بريطانيا فشهدت احتجاجات داعمة منفردة ورمزية، بينها واحدة أمام البرلمان البريطاني وفي مدينة إدنبرة.