عادل بشر / لا ميديا -
رغم العمليات العسكرية المكثفة والتحالفات الدولية الرامية إلى إيقاف العمليات العسكرية اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، وتحجيم قوة صنعاء، التي برزت جلية خلال العشرين شهراً الماضية كقوة إقليمية قادرة على إعادة صياغة توازنات الردع في المنطقة، ما يزال اليمن حاضراً بقوة في المعادلة الأمنية الإقليمية، ولا تزال هجماته على السفن «الإسرائيلية» وحظر الملاحة البحرية على كيان الاحتلال متصاعدة بتواتر متواصل.
هذا ما توصل إليه تقرير تحليلي حديث لأحد المعاهد البحثية الأمريكية، أشار إلى أن إعلان صنعاء توسيع عملياتها البحرية في المرحلة الرابعة من التصعيد البحرية ضد العدو «الإسرائيلي» إسناداً لغزة، إضافة إلى تطوير القوات المسلحة اليمنية المستمر للقدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة، يثير تساؤلات حول أسباب صمود اليمنيين وقدرتهم على مواصلة المعركة الداعمة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعية في قطاع غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويذهب محللون إلى أن العوامل وراء ذلك تتراوح بين قدرة اليمنيين على التكيف مع الضغوط العسكرية، واستثمارهم في البنية القتالية المحلية، وبين ما زعموا أنه «دعم خارجي»، مؤكدين «صعوبة القضاء على القوة اليمنية الصاعدة، التي شكّلت تحدياً حتى للولايات المتحدة».
وقالت مجلة «مراجعة الأمن العالمي» (Global Security Review) التي يصدرها «المعهد الوطني لدراسات الردع» الأمريكي، إن القوات المسلحة اليمنية نجحت في إدارة الحرب غير المتكافئة، وذلك من خلال إجادة توظيف إمكاناتها الأقل كلفة من إمكانات خصومها، لتحقيق تأثيرات اقتصادية ومعنوية كبيرة، الأمر الذي يجعل من الصعب على القوى «المتفوقة» في الإمكانات تحقيق أي ردع ضد صنعاء.
وأوضحت أن أسباب فشل محاولات ردع صنعاء وإيقاف هجماتها البحرية على السفن «الإسرائيلية» أو المرتبطة بالاحتلال أو المتعاملة مع الكيان الصهيوني، لا تكمن في القوة النارية أو الوجود العسكري فحسب، بل في التفاعل المعقد بين الجغرافيا، والحرب غير المتكافئة، وديناميكيات الاستخبارات، وقيود العقيدة البحرية التقليدية التي تفتقر إلى العمليات البرية، لدى القوات الأمريكية و«الإسرائيلية».
وأشار التقرير إلى أن القوات اليمنية مستمرة في تصاعدها؛ لأنها «تتحدى المنطق العسكري التقليدي»، لافتاً إلى أن القوات البحرية الأمريكية والغربية لم تستطع تقليص ما وصفه بـ»التهديدات اليمنية البرية».
وأضاف: «بينما تستطيع الأنظمة البحرية المتطورة اعتراض الطائرات المسيّرة أو الصواريخ بمجرد إطلاقها؛ إلا أنها لا تستطيع تدمير البنية التحتية أو الأفراد أو سلاسل الإمداد التي تُمكّن من شنّ هذه الهجمات»، مؤكداً أنه «رغم أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل شنّت غارات جوية على البنية التحتية للحوثيين؛ إلا أن قدراتهم المسلحة تبدو بعيدة كل البعد عن التقليص الفعال».

بساطة وصعوبة
تقرير المجلة الأمريكية أفاد بأن صنعاء «بنت قوات عسكرية تعتمد على الجغرافيا والبساطة والقدرة على التكيف، فمنصات إطلاق الصواريخ المزروعة في التضاريس الجبلية، بعيدة عن متناول نيران البحرية أو الغارات الجوية، إضافة إلى أن العديد من هذه المنصات سهلة الحركة ومتغلغلة في تضاريس توفر غطاءً طبيعياً، وغالباً ما تعمل قوات صنعاء في مجموعات صغيرة ومستقلة دون اتصالات إلكترونية، ما يجعل اكتشافها صعباً للغاية عبر أساليب الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التقليدية».
وتطرق التقرير إلى استراتيجيات القوات المسلحة اليمنية في إدارة الحرب غير المتكافئة من حيث التكاليف والإمكانات، مشيراً إلى أنهم «لا يعتمدون على منصات باهظة الثمن أو تقنيات متطورة، إذ تعتمد قدراتهم على أسلحة منخفضة التكلفة وعالية التأثير، مثل الطائرات المسيّرة، وصواريخ كروز، والقوارب المتفجرة المُسيّرة عن بُعد، والألغام البحرية».
وضرب التقرير مثالاً على تلك الأسلحة التي وصفها بـ«الفعالة» من حيث التكلفة، بأن صاروخاً بقيمة 20 ألف دولار تمكّن من إسقاط طائرة (إم كيو -9) المسيّرة بقيمة 30 مليون دولار.
ورأى التقرير أن «العقيدة البحرية غير المتكافئة للحوثيين تعتمد على حقيقة مفادها أن كل ضربة ناجحة، حتى لو لم تكن حاسمة استراتيجياً، إلا أن لها تأثيراً اقتصادياً ونفسياً هائلاً على العدو، لافتاً إلى أن «ضربة جوية واحدة بطائرة مسيّرة تُلحق الضرر بسفينة أو تُؤخرها قد ترفع أقساط التأمين العالمية، وتُجبر شركات الشحن على تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح، والأهم من ذلك، تُقوّض الثقة في الهيمنة البحرية الغربية والإقليمية».
وأوضح التقرير أن صنعاء أظهرت صموداً كبيراً في وجه «القوى المتفوقة»، وتحدّت «نماذج الردع القائمة على القوة المتفوقة».

معضلة العمليات البرية
مجلة (Global Security Review) الأمريكية طرحت، في التقرير ذاته، استراتيجية القضاء على قدرات صنعاء العسكرية عبر عمليات برية مدعومة جواً وبحراً.
وقالت إن العديد من المخططين العسكريين يتفقون على ضرورة العمليات البرية للحد مما وصفه التقرير بـ»تهديد الحوثيين»، موضحة أن ذلك يتطلب عمليات استخباراتية بشرية، وقوات خاصة، وضربات جوية على منشآت الإطلاق البرية، ومهام تخريبية مدعومة بالوكالة.
ومع ذلك، أكدت المجلة أن «هذا الأمر يواجه تحديات ومخاطر عديدة»، وغير مضمون النتائج.
وخلص التقرير إلى أن القوات اليمنية مُلمّة بظروف الحرب الحديثة، وتكمن قوتها في عدم التكافؤ، وفي الجغرافيا والصبر الاستراتيجي، بينما يعتمد خصومها على التفوق التقليدي المُقيّد بالسياسة والعقيدة.