عادل بشر / لا ميديا -
بعد ثمانية أشهر من التجوال بين المحيط الهادئ والشرق الأوسط، عادت حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس كارل فينسون" (CVN-70) إلى ميناء سان دييغو في ولاية كاليفورنيا. عودة وصفتها البحرية الأميركية بـ"الانتصار"، لكنها في الحقيقة تعكس إخفاقا استراتيجيا لواشنطن في ردع قوات صنعاء أو وقف عملياتها البحرية والصاروخية ضد العدو "الإسرائيلي" ومصالحه إسناداً لغزة.
البحرية الأميركية قالت إن مجموعة "كارل فينسون" القتالية، التي تضم الطراد "برينستون" والمدمرة "ستيريت"، وصلت الخميس الفائت إلى ميناء سان دييغو، بعد مغادرتها البحر العربي، إثر مواجهات شرسة مع القوات المسلحة اليمنية، منذ وصولها المنطقة في نيسان/ أبريل الماضي، لدعم رفيقتها "يو إس إس هاري ترومان" في الحملة الأمريكية المكثفة ضد صنعاء في ما عُرف بـ"عملية الراكب الخشن" التي وجه بها الرئيس دونالد ترامب، منتصف أذار/ مارس، في محاولة لثني الجبهة اليمنية عن مواصلة عملياتها العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني، قبل اضطرار واشنطن للهدنة مع صنعاء مطلع أيار/ مايو، إثر فشل الحملة في تحقيق أي من أهدافها المعلنة وأبرزها القضاء على القدرات العسكرية اليمنية.
وفيما أشاد تقرير البحرية الأمريكية بما وصفه "نجاح" الحاملة فينسون في مهمتها التي امتدت لـ269 يوماً، إلا أنه في ذات الوقت، كشف عن فشل ذريع أمام قوات صنعاء، حيث عجزت "فينسون" والبوارج الحربية المرافقة لها عن عبور باب المندب باتجاه البحر الأحمر، أو حتى الاقتراب من المضيق.
وأوضح التقرير أن "فينسون" ومجموعتها الضاربة، بقيت في شمال بحر العرب، ولم تتمكن من عبور مضيق باب المندب، الذي كان يمثل جزءاً رئيسياً من مهمتها، لافتاً إلى أن "فينسون" عملت بالتوازي مع مجموعة "هاري ترومان" التي كانت في البحر الأحمر، ومع مجموعة "نيميتز" المتنقلة حينها بين المحيط الهندي وخليج عمان، قبل أن تنتقل إلى مقر القيادة المركزية بالبحرين.
وأكد أن هذا العجز جاء نتيجة مباشرة لـ"الضربات المركّزة" للقوات المسلحة اليمنية التي شكلت تهديدا عمليا حال دون قتراب "فينسون" من البحر الأحمر، مشيراً إلى أن إخفاق "فينسون" يضاف إلى فشل حاملات الطائرات الأخرى في تحقيق أهدافها بالمنطقة والقضاء على ما وصفه بـ"التهديد اليمني".
ويرى خبراء عسكريون أن اختيار واشنطن إبقاء "كارل فينسون" في بحر العرب وعدم إدخالها إلى البحر الأحمر يعكس "عجزاً عملياً" عن مواجهة التهديدات المباشرة في باب المندب. فمجرد المرور عبر المضيق كان سيجعل الحاملة عرضة للاستهداف اليمني، وهو ما تجنبته القيادة الأميركية بشكل واضح.

مأزق استراتيجي مزدوج
وبحسب الخبراء فإن الانتشار الطويل لـ"كارل فينسون" يُمثل جزءاً من معضلة أوسع للبحرية الأميركية، ففي المحيط الهادئ، واشنطن منشغلة بتصاعد التوتر مع الصين، وتحتاج إلى حاملاتها لردع بكين، وفي الشرق الأوسط، قوات صنعاء فرضت معادلة جديدة جعلت حتى حاملات الطائرات العملاقة تتجنب الاقتراب من باب المندب والبحر الأحمر.
وبين المسرحين، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى إنهاك أساطيلها بانتشارات طويلة (269 يوماً للحاملة "كارل فينسون") دون تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية حاسمة.
وبعد ثمانية أشهر من الانتشار البحري، تعود "كارل فينسون" إلى كاليفورنيا مثقلة بحصيلة عمليات استنزاف فاشلة. وبرغم استعراضات القوة الأميركية، تبقى الحقيقة أن اليمن بقدراته المحلية نجح في فرض معادلة جديدة: لا أمن للملاحة "الإسرائيلية" في البحر الأحمر مادامت الحرب على غزة مستمرة والدعم الأميركي "لإسرائيل" متواصلاً.

حاملات الطائرات الأميركية في مواجهة خاسرة
منذ أواخر 2023، دفعت الولايات المتحدة بأعتى حاملات طائرتها -"دوايت آيزنهاور"، "تيودور روزفلت"، "أبراهام لينكولن"، "هاري ترومان" و"كارل فينسون"- إلى البحرين الأحمر والعربي لمواجهة التصعيد اليمني المتوازي مع تصعيد الكيان الصهيوني لجرائمه في قطاع غزة، إلا أن تلك الحاملات مجتمعة عجزت عن منع اليمن من فرض معادلته الجديدة.
بالمقابل كثفت قوات صنعاء من استخدام صواريخ كروز بحرية بعيدة المدى استهدفت حاملات الطائرات والبوارج المرافقة لها، إضافة إلى صواريخ باليستية مضادة للسفن وصلت إلى أعماق البحر الأحمر. كما اعتمدت على أسراب من الطائرات المسيّرة الانتحارية التي أربكت منظومات الدفاع الأميركية "إيجيس" وأجبرت حاملات الطائرات على البقاء في مناطق أوسع وأبعد.
هذه التكتيكات -بحسب خبراء عسكريين- أعطت صنعاء ميزة "الاستنزاف المستمر"، حيث إن تكلفة كل مسيّرة أو صاروخ لا تُقارن بالتكلفة الباهظة لاعتراضها أو تشغيل حاملة طائرات عملاقة.

خسائر غير مسبوقة
خرجت الحملة الأمريكية ضد اليمن بخسائر كبيرة، ففي الأصول العسكرية اعترف البنتاغون بفقدانه لثلاث مقاتلات F/A-18 خلال فترة انتشار "هاري ترومان" في البحر الأحمر، إضافة إلى إحداث أضرار مباشرة بعدد من البوارج المرافقة لحاملات الطائرات، بينها مدمرة تابعة لـ"آيزنهاور" أُصيبت بصاروخ كروز يمني، ما أدى إلى خروجها من الخدمة مؤقتاً، كما نجحت الدفاعات اليمنية في إسقاط 22 طائرة MQ-9 Reaper أميركية، خلال الفترة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وأيار/ مايو 2025، وهي أنظمة تكلفتها تتجاوز 30 مليون دولار لكل واحدة.
إلى جانب ذلك تعرضت خزينة البنتاغون لاستنزاف مالي بعشرات المليارات من الدولارات، وقد ظهر ذلك في مسودة ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2026، التي سلّطت الضوء على زيادة الإنفاق على صواريخ الاعتراض وأنظمة الدفاع الجوي إثر استنزاف المخزون خلال المواجهات في البحر الأحمر.

اعترافات بالفشل
لم تُخفِ بعض القيادات الأميركية حجم المأزق. فقد صرّح الأدميرال جيمس كيلر، قائد الأسطول الخامس، في حزيران/ يونيو الماضي بأن "الهجمات الحوثية خلقت بيئة بحرية غير مستقرة، ورغم وجود حاملات الطائرات والقوة الجوية، ما زلنا نواجه صعوبة في ضمان حرية الملاحة".
كما قال السيناتور جاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: "لقد أنفقنا مليارات الدولارات لنشر حاملاتنا في المنطقة، لكن الواقع يثبت أن جماعة صغيرة في اليمن نجحت في تعطيل واحد من أهم الممرات البحرية في العالم".

اليمن يغيّر معادلة البحر الأحمر
تؤكد هذه التطورات أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على استخدام حاملاتها كورقة ضغط استراتيجية مطلقة. فاليمن أثبت قدرته على مواجهة هذه الأساطيل البحرية الأميركية بأقل كلفة، من خلال صواريخ ومسيّرات دقيقة وتكتيكات استنزاف فعالة أظهرت أن معادلة الردع انتقلت من واشنطن إلى صنعاء.