دمشق/ خاص / لا ميديا -
برزت، خلال الأيام القليلة الماضية، معلومات وأخبار مسربة عن وجود مخطط «إسرائيلي» لفصل محافظة السويداء ومناطق في الجنوب عن سورية، تارة تحت غطاء حكم ذاتي، وأخرى انفصالاً كاملاً. وذهبت معلومات إلى أبعد من ذلك؛ إلى تخيير أهل السويداء بين البقاء ضمن الدولة السورية، أو الانضمام إلى الكيان الصهيوني.
معظم هذه المعلومات مصدرها «إسرائيلي»، وتحديداً من صحفيين وإعلاميين «إسرائيليين» من أصول عربية، واضح أنهم مكلفون من الحكومة «الإسرائيلية» ومؤسساتها الإعلامية والأمنية بالتواصل مع الجمهور العربي عموماً، والسوري خصوصاً، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، وتمرير مخططات وأفكار الكيان الصهيوني، وحتى لتوجيه القوات «الإسرائيلية» وأجهزتها الاستخباراتية نحو أهدافها في سورية ولبنان والأردن ومصر وغيرها.
كما لوحظ وجود إعلاميين سوريين وعرب يتم تزويدهم بمعلومات لتمريرها عبر هذه الوسائل، وتتميز بأنها تحمل بعض المصداقية، بهدف كسب الرأي العام وجذبه، ليسهل تمرير ما يريد تمريره الكيان الصهيوني وأجهزته العسكرية والأمنية.
آخر وأبرز ما تم تسريبه، حول الوضع في السويداء، تم نقله عن مصدر «إسرائيلي» تحدث عن اجتماع عُقد في شمال فلسطين المحتلة، وجمع ممثلين عن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وقادة من الجيش «الإسرائيلي» وناشطين من الطائفة الدرزية من السويداء و»إسرائيل».
وتحدثت التسريبات عن قرارات تم اتخاذها في الاجتماع، تنص على إعلان استقلال السويداء بشكل يشبه منطقة قبرص الشمالية، الخاضعة للسيطرة التركية، لتصبح المحافظة كياناً مستقلاً عن سورية، بنظام حكم ذاتي، مع ضمانات «إسرائيلية» ودعم من حلفائها.
كما تم الاتفاق -بحسب التسريبات- عن تشكيل قوة دفاعية من أبناء السويداء، وتسليحهم وتدريبهم، تحت إشراف ضباط دروز و»إسرائيليين»، وتزويدهم بأسلحة متطورة، وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي، وتمويل مشاريع طاقة شمسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء.
كما نقل المجتمعون تأكيدات من نتنياهو بأن «إسرائيل» ستدعم هذا المشروع، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وستعمل على الاعتراف به دولياً.
هذه الأخبار التي يتم تمريرها محاولة للاستفادة من الأخطاء الجسيمة التي تراكمها سلطة الجولاني منذ سيطرتها على الحكم، أواخر العام الماضي، والتي انتهجت سياسات وتصرفات وأعمالاً لا تليق بسلطة حاكمة، ومنها مجزرة الساحل، ثم الهجوم الأول على السويداء وجرمانا وصحنايا، ثم محاولة إخضاع محافظة السويداء والمدينة بالقوة العسكرية، معتمدة على «فزعة عشائر» مسلحة بأسلحة غير شرعية، وتوعدها للأكراد بمصير مشابه، إضافة إلى تقسيم الشعب السوري بين أكثرية وأقليات، وبيان دستوري يعزز الدكتاتورية، وهيمنة المجموعات المسلحة المصنفة «إرهابية»، إضافة إلى ما تشهده كافة المحافظات السورية من تكريس لأفكار التكفير وعمليات القتل والسبي والسرقة...
ما يميز موضوع السويداء (والطائفة الدرزية) أنه يتجاوز بكثير الموضوع السوري، بسبب الموقع الجغرافي للمحافظة ومناطق الانتشار الدرزي على الحدود مع فلسطين المحتلة والأردن، وبسبب امتداد التواجد الدرزي في لبنان والأردن والجولان المحتل وفلسطين المحتلة، وبسبب أن الدروز في الأراضي المحتلة عام 1948 يخدمون في القوات «الإسرائيلية» ويتم قبولهم في الكليات والمعاهد العسكرية «الإسرائيلية»، ما كوّن طبقة عسكرية مهمة من الضباط والجنود الدروز.
أما عن فرصة تحقيق هذه الأفكار والمخططات حول السويداء، فالموضوع ليس بهذه البساطة، وموانع نجاح المشروع أكبر بكثير من احتمالات نجاحه؛ لعدة أسباب:
- الشعور بالانتماء الوطني لسورية، خاصة وأن سلطان باشا الأطرش، ابن السويداء، هو من قاد الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي عام 1925، وارتباط ذلك بالعقل والوعي الجمعي، ليس فقط عند الطائفة الدرزية وعموم الشعب السوري، وإنما عند كل الدروز بمختلف انتماءاته وميولهم السياسية والاجتماعية، في أماكن انتشارهم وفي كل دول بلاد الشام.
- وجود نخبة وطنية، سياسية ودينية واجتماعية، درزية ترفض الانفصال عن الدولة السورية، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى من المجتمع، وإدراك هذه النخب أن الكيان «الإسرائيلي» يستغل قضيتهم ليس حباً بهم، وإنما خدمة لمخططاته لتقسيم سورية. وبرزت دعوات من هذه النخب، ومن امتداداتها مع الوطنيين السوريين، إلى تأسيس تيارات سياسية وطنية سلمية واسعة لمواجهة مخاطر التقسيم.
- غياب مقومات الاستقلال، أو الانفصال، وصعوبة فك الارتباط بين أهل السويداء وعموم الشعب السوري.
وبعيداً عن أي متاجرة أو محاولة للعب على الغرائز الطائفية، فقد قدم أهل الجولان السوري المحتل، منذ العام 1967، ومعظمهم من الدروز، دروساً ونماذج في الأخلاق والانتماء الوطني، عندما رفضوا، وبكل قوة وإصرار، الهوية «الإسرائيلية»، وأكدوا ولاءهم وانتماءهم لسورية الشعب والوطن، رغم أنهم محاصرون من قبل قوات الاحتلال وتحت سيطرتها، ورغم ما تقدمه لهم الجنسية «الإسرائيلية» وجواز السفر «الإسرائيلي» من ميزات.
وللتأكد من الموقف، اتصلت «لا» بشخصية درزية وازنة في لبنان، والتي نفت صحة هذه المعلومات، مع التأكيد بأن هذا النفي لا يعني عدم وجود مشروع ومخططات «إسرائيلية» لتشجيع التقسيم.
هذه الأجواء المحيطة بالدعوات إلى الحكم الذاتي، والانفصال، تتحمل كامل المسؤولية عنها سلطات الجولاني في دمشق، بسبب ممارساتها وتبنيها سياسات منفرة وخطاباً طائفياً مقززاً يفقدها الثقة، ليس فقط عند أهل السويداء، وإنما لدى معظم مكونات الشعب السوري، إضافة إلى عدم قدرة هذه السلطة على المزايدة على أحد في الموضوع «الإسرائيلي»، وهي التي فتحت قنوات اتصال مباشرة مع حكومة العدو، وصلت إلى قلب دمشق، وأقدمت على سلوكيات تمس الشعور الوطني، ومنها تسليم سلطات الاحتلال ممتلكات الجاسوس «الإسرائيلي» إيلي كوهين، ورفات جنود «إسرائيليين»، مع الإشارة إلى أن أول رفع للعلم «الإسرائيلي» في سورية كان عن طريق الفصائل المسلحة التي أصبحت في الحكم اليوم، وتم ذلك في مدينة حمص وسط سورية، مع بدايات العدوان عليها عام 2011، ويومها غامر جندي سوري بالصعود إلى مكان وجود العلم، رغم خطورة الوضع، وأنزله ومزقه.
ومع رفض معظم مكونات أهل السويداء والشعب السوري لدعوات الانفصال، أو التقسيم، يبرز بشكل خاص تأييد مشروع الفيدرالية الإدارية، والحكم اللامركزي، الذي يعزز الديمقراطية والتنمية المحلية، ويلاقي قبولاً لدى معظم مكونات المجتمع السوري، وفي مقدمته من يطلق عليهم «الأقليات»؛ لكن الأمل بذلك لن يكون إلا مع سلطة وحكومة سورية وطنية غير طائفية، وهو ما ينتظره السوريون اليوم.