تقرير / لا ميديا -
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يواصل كيان العدو الصهيوني ارتكاب أفظع المجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة، مجازر تُسجّل في التاريخ كأبشع جرائم العصر. فالحصيلة المروعة التي أعلنتها وزارة الصحة في القطاع، أمس الثلاثاء، تكشف عمق المأساة: 62,064 شهيدًا و156,573 إصابة منذ بدء الإبادة، بينهم آلاف الأطفال والنساء. ومنذ استئناف العدوان في 18 آذار/ مارس 2025، ارتفع العدد بمعدل جنوني، ليصل إلى 10,518 شهيدًا و44,532 إصابة خلال أسابيع قليلة فقط. إنها حرب إبادة جماعية، وليست مجرد مواجهة عسكرية.
وخلال 12 ساعة فقط، أحصت مستشفيات غزة أمس، 51 شهيدا ارتقوا بنيران الاحتلال في مناطق عدة بقطاع غزة.

266 شهيدا ارتقوا تجويعا
لكن بشاعة الاحتلال لم تتوقف عند القصف والقتل المباشر، بل امتدت إلى سياسة تجويع منظمة. ففي حصيلة جديدة، أعلنت وزارة الصحة أن 266 فلسطينيًا قضوا جوعًا، بينهم 112 طفلًا، بعدما حوّل الاحتلال الحصار إلى سلاح فتك يطحن الأجساد الصغيرة قبل الكبيرة. هذه ليست حربًا عسكرية فحسب، بل عدوان صهيوني على كل أشكال الحياة في غزة: على الخبز، والدواء، والماء، وعلى مستقبل جيل بأكمله.
وما يزيد الجريمة بشاعة أن الاحتلال يستهدف الفلسطينيين حتى في لحظات بحثهم عن لقمة العيش. 31 شهيدًا و197 إصابة ارتقوا خلال الساعات الماضية فقط، أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية. وبهذا يرتفع عدد شهداء «لقمة العيش» إلى 1,996 شهيدًا وأكثر من 14,898 مصابًا. الاحتلال يقتل الفلسطيني مرتين: مرة بالقصف، ومرة بالحرمان من الطعام.

تصعيد دموي في غزة
على صعيد الدمار الممنهج والشامل، يواصل العدو الصهيوني حربه المجرمة لليوم الـ683 على التوالي.
أحياء الصبرة والزيتون وجباليا والتفاح ودير البلح وخان يونس، كلها تحولت إلى ساحات دمار.
الدبابات تتقدم نحو المدارس والمخيمات، والمدفعية لا تكف عن صب نيرانها على التجمعات السكنية، فيما طائرات «الكواد كابتر» تلاحق المدنيين بالرصاص في الشوارع. مشهد الدماء يمتد من خيام النازحين في رفح إلى قلب غزة، ومن شوارع دير البلح إلى مواصي خان يونس. الاحتلال يلاحق الفلسطيني حتى في خيمته، في ملجئه الأخير.

المقاومة تدمر 3 آليات
في المقابل، ورغم سيل الدم وليل المعاناة، تواصل المقاومة الفلسطينية إلحاق الخسائر بالعدو الصهيوني. كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس دمّرت جرافة عسكرية من نوع (D9) في حي الزيتون، فيما أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تدمير آليتين عسكريتين بعبوات «ثاقبة» شديدة الانفجار، ورصدت عمليات إجلاء للجنود من أرض المعركة. هذه العمليات تؤكد أن غزة، رغم الجوع والدمار، لا تزال عصيّة على الاحتلال، وأن المقاومة باقية ما بقي العدوان.

تلويح برفض الهدنة
سياسيًا، تكشّفت نوايا العدو الصهيوني الحقيقية في إفشال أي اتفاق لوقف إطلاق النار. فبينما وافقت حركة حماس على مقترح الوسطاء من مصر وقطر، وصفت «إسرائيل» الموافقة بأنها غير كافية، متمسكة بشروطها التعجيزية تحت ذريعة الأسرى. وأعلن من يسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن وقف الحرب سيكون «خيانة للأجيال»، كاشفًا أن الهدف الحقيقي هو إبادة غزة لا تحرير أسرى. تصريحات بن غفير ليست شطحات فردية، بل تعبير عن عقلية العصابة الصهيونية التي تحكم «تل أبيب»، والتي ترى في استمرار الدم الفلسطيني مادة لبقائها السياسي.
وفي المقابل، أكدت مصر أن «الكرة أصبحت في ملعب إسرائيل»، وأنها وحدها من يعرقل الاتفاق. أما قطر فأوضحت أن المقترح يكاد يتطابق مع الخطة الأميركية التي سبق أن طرحت. هذا يعني أن الاحتلال يصرّ على إطالة الحرب، غير آبه بالمجازر، غير مكترث بالكارثة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «فاقت كل تصور».

الاحتلال كل يوم أقرب إلى الزوال
لكن خلف ضجيج الإبادة، يعيش العدو الصهيوني أزمات غير مسبوقة. إذ أطلق مؤخرًا حملة بعنوان «مبتدئون من جديد»، تستهدف آلاف المتهربين من الخدمة العسكرية. خطوة تكشف بوضوح حجم الانهيار داخل المؤسسة العسكرية، التي تعاني نقصًا حادًا في الجنود، وتضخمًا في المهام، وإرهاقًا لا يطاق لقوات الاحتياط.
ففي خطوة استثنائية غير مسبوقة، لها دلالاتها المرتبطة بأزمة التجنيد في الكيان، أَطلق الاحتلال عملية سمّاها «مبتدئون من جديد»، تستهدف ما يصل إلى 15 ألفاً من المتخلّفين عن الخدمة الإلزامية، من جميع الشرائح الاجتماعية، ومعظمهم من غير «الحريديم».
ووفقاً لما أعلنه الاحتلال، فإن العفو عن التهرّب من الخدمة، مشروط بمهلة حُدّدت بأيام (حتى يوم الخميس المقبل)، تمثّل «الفرصة الأخيرة» للمتهرّبين. ويشير ما تقدّم إلى أن النقص في العديد ليس استشرافيّاً، بل ملموس، وهو يُلزم الاحتلال باتخاذ إجراءات سريعة لسدّ النقص غير الاعتيادي. ومع ترغيب المتهرّبين بالعفو، عن التهرب السابق، وباستقبالهم بذراعين مفتوحتَين، ومحو ملفاتهم الإجرامية بشكل كامل، تشير مصادر في قوات الاحتلال إلى أن مَن يتخلّف، ولا يسجّل نفسه خلال الأيام المقبلة، سيصار إلى اعتقاله، وتفعيل العقوبات المنصوص عليها في قانون التجنيد ضدّه.
وبات التهرب من الخدمة العسكرية في الكيان ظاهرة اجتماعية، لا مجرد استثناء، إلى درجة أن قوات الاحتلال باتت تستجدي شباب الشتات اليهودي من أميركا وفرنسا للقدوم والقتال.
إن المشهد برمته يعكس مأزقًا وجوديًا لكيان الاحتلال: فهو عاجز عن كسر المقاومة رغم المجازر، غارق في أزمة تجنيد تكشف هشاشة بنيته، ممزق سياسيًا بين أقطاب حكومة مجرمة عاجزة عن اتخاذ قرار موحد. بينما غزة، بكل جراحها، تصرخ للعالم: هنا يُذبح شعب أمام مرأى البشرية، والعالم يصمت صمت الخيانة.