تقرير أمريكي: التّطور التّكنولوجي العسكري اليمني يربك واشنطن ويعرقل استراتيجيتها
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
تتوالى الاعترافات الأمريكية والغربية بنجاعة العمليات اليمنية المساندة لقطاع غزة الفلسطيني، فبخلاف إغلاق البحر الأحمر في وجه الملاحة «الإسرائيلية» وما نتج عن ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة ذات انعكاس أمني وعسكري على الكيان الصهيوني، إضافة إلى الفشل الأمريكي في ردع قوات صنعاء، لا تزال الأخيرة تؤرق مضاجع واشنطن وتعرقل خططها للتحول نحو آسيا لمواجهة الصين.
تقرير تحليلي للخبير الأمريكي رامون ماركس نشرته مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، أمس، أكد فيه أن قوات صنعاء أصبحت اليوم «النموذج الأوضح للثورة المستمرة في التكنولوجيا العسكرية التي تهز ركائز القوة الأمريكية وتقوض التفوق العسكري التقليدي للولايات المتحدة».
وأوضح التقرير أن مضيق باب المندب، لم يعد مجرد ممر بحري يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، بل أصبح اليوم ساحة اختبار حقيقية للقوة الأمريكية ولقدرتها على تنفيذ استراتيجيتها الكبرى بالتحول نحو آسيا لمواجهة الصين، مشيراً إلى أن التغيير الحقيقي الذي يواجه «البنتاغون» اليوم ليس فقط التوتر مع روسيا أو الصين، بل ظهور تكنولوجيا عسكرية منخفضة الكلفة مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ البرية.
وذكر التقرير أن «التحدي الأعمق الذي يُعقد أي تحول استراتيجي، يتمثل في الثورة المستمرة في التكنولوجيا العسكرية التي تواجه البنتاغون»، لافتاً إلى أنه «لا شيء يُجسد هذه الحقيقة أفضل مما فعله اليمنيون في البحر الأحمر».
وأضاف «فخلال أكثر من عام، أعاق المقاتلون اليمنيون مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات التجارة البحرية. وقد أجبرت هجماتهم غير المتماثلة بواسطة الطائرات المسيّرة والصواريخ المنطلقة من البر على إعادة توجيه التجارة العالمية عبر رأس الرجاء الصالح. وبرغم كل الجهود، فإن البحرية الأمريكية -وهي أقوى قوة بحرية في العالم- لم تستطع السيطرة على مضيق باب المندب وتأمين حركة التجارة الدولية».
ممر استراتيجي
يمر عبر باب المندب ما يقارب 12٪ من حجم التجارة العالمية، بما في ذلك ناقلات النفط والغاز القادمة من الخليج العربي نحو أوروبا. وأي اضطراب في هذا المضيق يرفع تكاليف الشحن ويهدد إمدادات الطاقة العالمية. ومنذ بدء الاحتلال «الإسرائيلي» عدوانه الغاشم على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، خاضت صنعاء الحرب إلى جانب الشعب الفلسطيني، مستخدمة ورقة البحر الأحمر للضغط على العدو الصهيوني وحلفائه بهدف إيقاف العدوان ورفع الحصار عن غزة.
ومع تصاعد المواجهة الإقليمية، صعّدت صنعاء من عملياتها العسكرية ضد السفن المرتبطة بـ«إسرائيل» إضافة إلى السفن والبوارج الأمريكية والبريطانية، إثر انخراط واشنطن ولندن في العدوان على اليمن حماية للكيان الصهيوني، ما حول البحر الأحمر إلى ساحة مواجهة يومية، قبل أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى إعلان الهدنة مع صنعاء، مطلع أيار/ مايو الماضي، مقابل ضمان عدم التعرض لسفنها وحاملات طائراتها، مع ترك الباب مفتوحاً للقوات المسلحة اليمنية في مواصلة عملياتها الإسنادية لغزة.
استنزاف مكلف يعرقل الاستراتيجية الأمريكية
وبحسب التقرير فإن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من مليار دولار في أقل من شهر على عملياتها ضد اليمن. ومع ذلك، لم يتحقق الهدف الذي حاولت واشنطن تسويقه لتبرير عدوانها على اليمن ويتمثل في «تأمين وحماية حرية الملاحة» رغم تأكيد القوات المسلحة اليمنية في بياناتها المتفرقة بأن عملياتها لا تستهدف سوى السفن «الإسرائيلية» أو المرتبطة بالاحتلال أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.
ويشير الخبير الأمريكي ماركس إلى أن هذا الاستنزاف يقيد واشنطن ويمنعها من إعادة نشر قواتها ومواردها نحو المحيط الهادئ لمواجهة الصين، وهو الهدف الذي تعتبره استراتيجيتها العليا.
وانتقد التقرير اعتماد الأوروبيين على البحرية الأمريكية، موضحاً بأن الولايات المتحدة لم يعد باستطاعتها «تقييد ما يصل إلى مجموعتين من حاملات الطائرات في البحر الأحمر»، في وقت «يجب على البنتاغون أن يمنح نفسه وقتًا لإعادة تنظيم جيشه وقاعدته الصناعية الدفاعية لدمج وتكييف التقنيات والمبادئ الجديدة الأكثر تكيفًا مع التهديدات العالمية الحديثة».
وأكد أن حقبة الهيمنة العسكرية الأمريكية «ولّت» وأنه «يجب على الثقافة العسكرية للبنتاغون، المبنية على ثمانية عقود من التفوق الأمريكي، أن تتقبل ذلك وتتطور».
تحول في قواعد الحرب
ويرى التقرير أن ما يجري في باب المندب يعكس تحولاً جذرياً في طبيعة الصراع العسكري، حيث لم تعد السيطرة البحرية مضمونة عبر حاملات الطائرات والمدمرات، وأن الصواريخ والطائرات المسيّرة البرية باتت قادرة على فرض نفوذ يمتد مئات وربما آلاف الأميال من السواحل، وأن «قوى صاعدة مثل صنعاء قادرة على قلب موازين استراتيجية بتكاليف زهيدة».
وخلص التقرير إلى أن «الحوثيين» أصبحوا أكثر من مجرد جماعة محلية في اليمن، بل إنهم تحولوا إلى رمز عالمي لحقبة جديدة من الحروب، حيث تستطيع قوة صغيرة، عبر تكنولوجيا ووسائل عسكرية غير متماثلة، تحدي إمبراطورية عسكرية كبرى مثل الولايات المتحدة، وتقوض هيمنتها التي استمرت لعقود مضت، لا سيما وأن تكتيكات وتقنيات الحرب التي اتبعتها القوات المسلحة اليمنية في معركة إسناد غزة، أثبتت أن التفوق البحري بالأساطيل الحربية وحاملات الطائرات، لم يعد مضمون النتائج.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا