دمشق/ خاص / لا ميديا -
هذا السؤال بدأ يُطرح بقوة، مع دخول سورية مرحلة جديدة يسودها الغموض والضبابية، وتحتاج إلى وقت حتى تبدأ تفاصيلها بالظهور.
ومع أن هذا المسار في التراجيديا السورية كان متوقعاً، إلا أن الأمور تتسارع بشكل كبير، إذ شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية الإعلان عن المجلس السياسي لإقليم وسط وغرب سورية، وارتفاع الأصوات في السويداء لتتجاوز الفيدرالية إلى طلب الانفصال، وفشل تطبيق اتفاق 10 آذار بين سلطة الجولاني وقوات سورية الديمقراطية «قسد»، وهي الخطوات التي تؤكد الطلاق البائن مع سورية قبل سقوط نظام الأسد، واتجاهها نحو سورية جديدة يجري تشكيل معالمها وأسسها وراء الكواليس.
الإقليم الذي يشكل وسط وغرب سورية يضم محافظتي طرطوس واللاذقية والقسم الأكبر من محافظة حمص وقسم كبير من محافظة حماه وجزء صغير من محافظة إدلب، هو الأهم في سورية من الناحية الجيوسياسية، باعتباره يضم كامل الساحل السوري، ما يجعله مفتوحاً على أوروبا والعالم، وعلى اتصال مباشر مع تركيا ولبنان، ويسيطر على شريان التواصل بين شمال وجنوب سورية، ويمكن أن يكون مفتوحاً على البادية باتجاه حدود العراق والأردن، وقاعدة «التنف» الأمريكية، كما أنه يضم مجتمعاً بشرياً هو الأغنى من حيث التنوع الديني والطائفي، والأكثر تطوراً وانفتاحاً، ويتميز بسوية علمية وتعليمية عالية، ويمتلك طاقات وخبرات بشرية وأكاديمية كبيرة، كما يمتلك إمكانات اقتصادية وسياحية كبيرة، بالإضافة إلى كوادر وقدرات عسكرية كافية، في حال توفر الدعم الإقليمي والدولي، وهذا يجعله الأكثر قدرة على تكوين إقليم فيدرالي، وحتى منطقة مستقلة، في حال تطورت الأمور في سورية بهذا الاتجاه.
المجلس السياسي لإقليم وسط وغرب سورية يضم اثني عشر عضواً، معظمهم من خبرات أكاديمية عالية المستوى، وشخصيات ناشطة في المجال السياسي والإعلامي، ما يكسبه مصداقية في مجتمع المنطقة المستهدفة، وفي الأوساط الإقليمية والدولية.
المجلس طرح النظام الاتحادي الفيدرالي، القائم على الدولة المدنية العلمانية، ودعا إلى استبعاد التنظيمات الإرهابية من أي دور في مستقبل الحكم في سورية، وأكد التزام المجلس الكامل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، ودعا إلى صياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما دعا المجلس إلى اتخاذ سلسلة إجراءات في إطار ما سماه «العدالة الانتقالية»، تشمل إحالة الجرائم المرتكبة في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومتابعة ملاحقة قادة التنظيمات الإرهابية، وفق قرارات مجلس الأمن، والتي تشمل رئيس السلطة الانتقالية أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع). كما طالب بالإفراج الفوري عن المغيبين قسراً والمعتقلين، وإعادة الموظفين المفصولين تعسفاً، وضبط ملف الجنسية، ومنع ما وصفه بـ»التغيير الديمغرافي القسري»، وإنشاء هيئة مستقلة للتحقيق في قضية المفقودين.
المجلس السياسي يضاف إلى المجلس الإسلامي العلوي في سورية والمهجر، برئاسة الشيخ غزال غزال، الذي يعمل من داخل سورية. كما يجري الحديث عن خطوات تجري وراء الكواليس لتشكيل مجلس عسكري قوامه ضباط وجنود من الجيش السوري المنهار، ويحظى بدعم روسي.
وهناك حديث عن خطة يجري إعدادها لترتيب الأوضاع في الساحل السوري، من بوابة شخصيات ارتبطت بالنظام السابق، وعلى خط متوازٍ مع نظام الجولاني، وفي مقدمة هؤلاء اللواء كمال الحسن، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، المقرب من روسيا وإيران، بالإضافة إلى رجل الأعمال أيمن جابر، القائد السابق لمجموعة صقور الصحراء، التي تشكلت في مواجهة «داعش»، ويحمل الجنسية الروسية.
أيضاً يتم الحديث عن دور يقوم به رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، والذي يقال إنه ينسق مع اللواء سهيل الحسن، القائد السابق للفرقة 25، والذي كان على تنسيق مباشر مع القوات الروسية خلال الصدام مع المجموعات المسلحة، ويحمل الجنسية الروسية، ويقال إن روسيا تتعامل معه على أنه ضابط روسي، وأي مهمة سيقوم بها في الساحل ستكون على هذا الأساس.
ويجري الحديث هنا عن دور روسي بارز لترتيب العلاقة بين هذه الشخصيات وحكومة الجولاني، وشكلت زيارة وزير خارجية نظام الجولاني، أسعد الشيباني، إلى موسكو فرصة لبحث هذا الخيارات، حيث تمت مناقشة أفكار مثل دمج ضباط من الجيش القديم بالجيش الجديد، وضمان عدم ملاحقتهم.
كما تجري نشاطات بدعم من نظام الجولاني، من خلال لجنة الساحل الوطنية، والتي كان يتم تحضيرها بصمت لتكون القيادة المعترف بها من قبل سلطة الجولاني، ويقف وراءها المستشار السابق للأسد خالد الأحمد، والقائد السابق للدفاع الوطني في دمشق فادي صقر، وكانا على ارتباط وثيق مع نظام الأسد قبل سقوطه، لكن هذه اللجنة تلاقي رفضاً من معظم المجتمع المحلي، ما أدى إلى انسحاب معظم ناشطيها فور الكشف عنها.
وبالإضافة إلى هذا الحراك في منطقة الساحل، شهد الوضع في السويداء تطوراً لافتاً مع ارتفاع بعض الأصوات التي بدأت تنادي بالانفصال عن سورية، بدل إقامة منطقة حكم ذاتي فيدرالي، وترافق ذلك مع إعلان فصائل محلية وقوى عسكرية في المحافظة، عن تأسيس «الجيش الوطني الموحّد» تحت اسم «الحرس الوطني»، وهو تشكيل يضم آلاف المقاتلين من أبناء الجبل، وجاء في بيانه التأسيسي أن الهدف من هذه الخطوة هو توحيد الصفوف العسكرية في مواجهة ما سُمّي «العصابات السلفية التكفيرية»، وأن المرجعية الروحية الوحيدة لهذا التشكيل هي الرئاسة الدينية للطائفة الدرزية، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري.
كما تأتي هذه التطورات مع فشل سلطة الجولاني في تطبيق الاتفاق الذي وقعته مع قيادة سورية الديمقراطية «قسد»، التي تسيطر على أكثر من ربع مساحة سورية، في المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات، وبدعم أمريكي مباشر، ما يعزز فرصة طرح الفيدراليات لسورية الجديدة.
وسط هذه الصورة التراجيدية لسورية، التي كانت تعتبر «قلب العرب النابض»، والتي تؤكد أن هذا القلب مصاب بعلل وأمراض خطيرة، يمكن التأكيد بأن سورية التي نعرفها انتهت تماماً، ولا يمكن العودة إليها، والصراع يدور الآن على شكل وأسس سورية التي ستتولد من هذا المخاض الصعب، بين أن تكون دولة تضم مجموعة فيدراليات، وهل هي فيدراليات إدارية أم سياسية، أو أن تكون مقسمة!