تقرير / لا ميديا -
منذ ما يقارب عامين، يعيش قطاع غزة واحدة من أحلك مراحل التاريخ المعاصر؛ عدوان إبادة مروعاً، وتجويعاً ممنهجاً يفرضه العدو الصهيوني بدعم أميركي وغربي واضح، في ظل عجز مخزٍ للأنظمة الحاكمة التي تخطف العالمين العربي والإسلامي.
أمس، الاثنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ارتقاء 51 شهيداً بنيران الاحتلال خلال 12 ساعة، بينهم 32 في مدينة غزة التي بدأ العدو الصهيوني فيها موجه جرائم جديدة.
كما أعلنت الوزارة تسجيل 9 شهداء جدد بسبب التجويع وسوء التغذية خلال 24 ساعة فقط، بينهم ثلاثة أطفال، ليرتفع عدد الشهداء الذين قضوا جوعاً إلى 348، بينهم 127 طفلاً، في مشهد يفضح الوجه الأكثر وحشية للاحتلال.
وبحسب بيانات الصحة، فمنذ إعلان شبكة تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) تصنيف الوضع في غزة بـ«المجاعة» يوم 22 آب/ أغسطس 2025، ارتفعت حصيلة الشهداء بسبب الجوع إلى 70 شهيداً إضافياً، بينهم 12 طفلاً. يترافق ذلك مع استمرار المجازر الميدانية، لترتفع حصيلة الضحايا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى أكثر من 63,500 شهيد و160,000 مصاب، غالبيتهم من النساء والأطفال.
لم يعد توصيف «الإبادة» شعاراً فلسطينياً، بل بات حقيقة قانونية مثبتة. فقد أعلنت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS) أن «إسرائيل» استوفت كافة المعايير القانونية لارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948. أكثر من 86% من علماء الإبادة حول العالم صوّتوا لصالح القرار، مؤكدين أنّ الاحتلال يمارس القتل الجماعي، التدمير الممنهج للبنية التحتية، والحصار الخانق على الغذاء والماء والدواء، إلى جانب خطاب كراهية وتجريد الفلسطيني من إنسانيته.
حركة المقاومة الإسلامية حماس رحبت بالقرار واعتبرته توثيقاً قانونياً جديداً على جرائم الاحتلال، مؤكدة أن صمت العالم أمام ما يرتكبه نتنياهو وحكومته وصمة عار وإخفاق أخلاقي يهدد الأمن والسلم الدوليين.

حماس: غزة ليست للبيع
في الوقت نفسه، رفضت حركة حماس خططاً أميركية وصفتها بـ«الوهمية»، تهدف إلى تهجير سكان القطاع وتحويله إلى منطقة سياحية تحت إشراف دولي لعشر سنوات.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، باسم نعيم، موجّهاً كلامه للإدارة الأميركية، تعليقاً على الخطة التي تمّ تداولها في الإعلام: «انقعوها واشربوا ماءها، كما يقول المثل الفلسطيني بالعامية»، مضيفاً: «غزة ليست للبيع»، بحسب ما نقلت عنه وكالة «فرانس برس».
وأضاف نعيم أن غزة «ليست مدينة على الخريطة، أو جغرافيا منسية، بل هي جزء من الوطن الفلسطيني الكبير».

 هندسة القتل
تقرير مشترك لمؤسسة هند رجب والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كشف تفاصيل مجزرة مستشفى ناصر التي ارتكبها العدو الصهيوني في 25 آب/ أغسطس 2024، مؤكداً أن العملية لم تكن «اشتباكاً» بل قتلاً متعمداً بإشراف كبار قادة الاحتلال.
وأكدت المؤسستان أن كبار القادة الصهاينة، وعلى رأسهم رئيس حكومة الاحتلال المجرم بنيامين نتنياهو، «أذنوا ومكنوا» هذا الهجوم الذي لم يكن تبادلاً لإطلاق نار، بل عملية قتل متعمد بنية الإبادة الجماعية.
كما أوضحت المؤسستان أن المجزرة تأتي ضمن نمط أوسع من الاستهداف المنهجي؛ إذ استشهد منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أكثر من 270 صحفياً في غزة، بينما تعرضت 94% من مستشفيات القطاع للتدمير أو الضرر.

العدسات في مرمى الرصاص
وفي سياق الحراك العالمي مع غزة، وتنديداً بالمجزرة التي يتعرض لها الصحفيون هناك، انطلقت حملة إعلامية عالمية شملت أكثر من 250 وسيلة إعلامية في 70 دولة للتنديد بجرائم الاحتلال الصهيوني بحق الصحفيين في غزة، الذين تجاوز عدد شهدائهم 210 منذ بدء العدوان.
وأطلقت الحملة منظمة «مراسلون بلا حدود» و«آفاز»، وتمثلت الحملة بشريط أسود على الصفحة الأولى، ورسالة على الصفحة الرئيسية للموقع الإلكتروني، أو بافتتاحيات ومقالات رأي.
«بالمعدل الذي يقتل فيه الجيش الإسرائيلي الصحفيين في غزة، قريباً لن يبقى أحد لينقل ما يحدث»، هي الرسالة التي عُرضت على خلفية سوداء على الصفحات الأولى لصحف مثل «لومانيتيه» في فرنسا، و«بوبليكو» في البرتغال، و«لا ليبر» في بلجيكا.
ونشر موقع «ميديابارت» الإلكتروني وموقع صحيفة «لا كروا» الإلكتروني مقالاً خُصص للحملة.
وقالت منظمة «مراسلون بلا حدود» في بيان: «تندد هذه المنظمات وهيئات التحرير بالجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين دون عقاب، وتدعو إلى حمايتهم وإجلائهم على نحو عاجل، وتطالب بالسماح بدخول الصحافة الدولية إلى القطاع باستقلالية».
وأضافت المنظمة المعنية بحقوق الصحافة أنها رفعت أربع شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد قوات الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الصحفيين في قطاع غزة على مدى الاثنين وعشرين شهراً الماضية.

الاحتلال ينتحر
في مفارقة متوقعة فإن الاحتلال، الذي يقتل الأطفال في غزة، يعيش انهياراً داخلياً غير مسبوق وصل حد إطلاق جنود الاحتلال النار على رؤوسهم.
وعثر الاحتلال، أمس الاثنين، على جندي تابع للواء «غولاني» منتحراً داخل قاعدة عسكرية في شمالي البلاد.
وكان الجندي قد تجنّد قبل نحو عام ونصف، وشارك في القتال بقطاع غزة خلال الإبادة المستمرة التي يرتكبها العدو في القطاع منذ 696 يوماً.
وسُجلت 19 حالة انتحار بين جنود الاحتلال منذ مطلع العام الجاري، إضافة إلى أكثر من ألف جندي سُرّحوا بسبب اضطرابات نفسية مرتبطة بعدوان الإبادة على غزة. تقارير صهيونية كشفت أن 3000 جندي احتياط يطلبون المساعدة النفسية سنوياً، وهو رقم يفوق عشرة أضعاف المعدل السابق. مشاهد الإبادة التي ارتكبوها في غزة تحولت إلى كابوس يطاردهم ويهدم أسس قوات الاحتلال من الداخل.