الخبير بالشؤون «الإسرائيلية» د. هلسة لـ«لا»: الاحتلال يصنع انتصارات ورقية لاسترضاء جمهوره المهزوم
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
في الوقت الذي تواصل فيه صنعاء تسطير حضورها العسكري في قلب معادلة الصراع مع العدو الصهيوني إسناداً لغزة عبر ضربات متواصلة باتجاه العمق الفلسطيني المحتل وفي البحر الأحمر، يجد كيان الاحتلال نفسه أمام فشل استراتيجي مدوٍّ يتمثل في عجزه عن الوصول في اليمن إلى القيادات الأمنية والعسكرية الوازنة التي تُمثل تهديداً مباشراً لأمن «إسرائيل»، واللجوء إلى سياسة استهداف قيادات مدنية في حكومة صنعاء في محاولة يائسة لتسويق «انتصار وهمي» لجبهته الداخلية المأزومة، وبالمقابل لا تزال القوات المسلحة اليمنية، حتى اللحظة، محافظة على وتيرة إسنادها العسكري للشعب الفلسطيني.
هذا ما يؤكده الأكاديمي والباحث الفلسطيني في الشأن «الإسرائيلي» الدكتور محمد هلسة، في حيث خاص مع «لا»، موضحاً أن ما جرى من استهداف لرئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي، وعدد من وزرائه في غارة «إسرائيلية» على صنعاء، الخميس الفارط، لم يغير شيئاً في قدرة اليمن على مواصلة هجماته نصرة لغزة، بل كشف عمق مأزق الاحتلال.
عجز استخباراتي وجغرافي
وأوضح الدكتور هلسة أن «تل أبيب لم تتمكن طوال سنوات من بناء بنك أهداف حقيقي ضد صنعاء»، ويعود ذلك إلى الفقر الاستخباراتي المزمن وإلى البيئة الجغرافية المعقدة لليمن، بخلاف الساحتين الفلسطينية واللبنانية، حيث يتمكن الاحتلال من إحداث اختراقات هنا أو هناك، كونهما ساحتين قريبتين من العدو، بينما اليمن ظل عصياً على هذه المحاولات.
وقال هلسة: «الواقع أن عين إسرائيل لطالما كانت عمياء ويدها مغلولة فيما يتعلق بصنعاء وأنصار الله، حيث تفتقر تل أبيب إلى معلومات استخباراتية دقيقة عن مواقع القيادات اليمنية الوازنة»، لافتاً إلى أن «التضاريس والبيئة الجغرافية في اليمن زادت، أيضاً، من صعوبة الوصول إلى أهداف نوعية، وهو ما دفع إسرائيل مراراً إلى التعويض عبر قصف البنى التحتية المدنية دون أن تحقق إنجازاً استراتيجياً يُقدَّم للداخل الإسرائيلي».
وأشار إلى أن «الاحتلال عجز عن ملامسة أي من القيادات المحورية في صنعاء، ما دفعه إلى استهداف وزراء وشخصيات مدنية لا علاقة مباشرة لهم بالجبهة العسكرية أو بمنظومات الصواريخ والطائرات المسيّرة والقوات البحرية»، مؤكداً بأن «هذا ليس إنجازاً، بل إعلان فشل استخباراتي مكتمل الأركان».
وعلق الدكتور هلسة على ما يصفه البعض بـ»الاختراق» الذي حققه العدو الصهيوني في صنعاء باستهدافه اجتماعاً للحكومة، معتبراً العملية في جوهرها، لم تكن سوى خطأ يمني في التقدير، مع إغفال لحقيقة ثابتة مفادها أن «إسرائيل»، كلما فشلت استخباراتياً، لجأت إلى الانتقام، بضرب المدنيين.
صناعة انتصارات ورقية
في الوقت الذي تتواصل فيه الطائرات المسيّرة اليمنية والصواريخ البالستية بالوصول إلى عمق فلسطين المحتلة، يجد الاحتلال نفسه أمام سؤال محرج: كيف يمكن الحديث عن الردع في حين أن وسائل الإسناد اليمني لا تتوقف؟
يجيب الدكتور هلسة على ذلك واصفاً السلوك «الإسرائيلي» بأنه «محاولة لملء الفراغ الاستراتيجي من حيث المقدرة على الردع»، وقال: «لو كانت إسرائيل قادرة فعلاً على استهداف قيادات وازنة في صنعاء، قد تُغير باغتيالها موازين الردع أو توقف المسار العسكري اليمني المساند لغزة، لما انتظرت كل هذه المدة»، مشيراً إلى أن «إسرائيل تشعر بأن هذا الأمر يشكل معضلة، وهي التي تتباهى بأن يدها طائلة وتتباهى بفائق القوة التي لديها، وأنها استطاعت أن تصل إلى إيران وتغتال قيادات عسكرية، بينما مع صنعاء، هذا الأمر لا ينفع».
وأضاف: «لا تجد إسرائيل سبيلا من كسر سقف العمل العسكري المعتاد النمطي، الذي تبحث فيه عن مؤثرات صوتية وبصرية ونيران مشتعلة وقيادات مدنية مختلطة بالمواطنين لتسيير شؤونهم، وتحركاتها اليومية معروفة، وتقديمها للداخل الإسرائيلي على أنها نجاحات أمنية وضربات نوعية في محاولة للتعويض عن عدم مقدرة تل أبيب استراتيجياً للوصول إلى أهداف عسكرية ثمينة تستطيع من خلالها كسر إرادة القتال لدى صنعاء».
وأوضح هلسة أن صنعاء «منذ بدء حرب الإسناد، حتى اللحظة، استمرت في توسيع دائرة النار والاستهدافات إلى عمق الاحتلال الصهيوني، فتأتي إسرائيل للرد وتضخيم ذلك إعلامياً، رغم يقينها بأن تلك الضربات والاستهدافات، وإن أحدثت ضرراً فإنه لا يتجاوز البنية المدنية والمدنيين، ولا تؤثر فعلياً في إرادة القتال أو في قدرة أنصار الله على مواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه عمق فلسطين المحتلة، وإلى السفن التابعة لإسرائيل أو المتعاملة معها في البحر الأحمر».
وأكد بالقول: «مجرد مقدرة اليمني في المحافظة على وتيرة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في فترات مختلفة ووصولها إلى فلسطين المحتلة، دون أن تكون إسرائيل قادرة على منع إطلاقها، فإن هذا بحد ذاته فشل إسرائيلي وإعلان موت لأسطورة الردع الإسرائيلي».
استنزاف بلا أفق وإسناد دون توقف
وأشار الأكاديمي الفلسطيني والباحث في الشأن «الإسرائيلي» الدكتور محمد هلسة في سياق حديثه مع «لا» إلى أن خيارات «إسرائيل» تجاه اليمن شبه معدومة. فهي عاجزة عن شن حرب برية أو تحقيق اختراق استخباراتي، وتجد نفسها أسيرة جولات متكررة من الضربات الجوية الاستعراضية. هذه الضربات -برأيه- لا تحقق أي تغيير في موازين القوى، بل تحاول فقط حفظ ماء الوجه ومنع الانهيار النفسي في الداخل» الإسرائيلي».
وأشار إلى أن صنعاء أثبتت قدرتها على الربط بين البعد الوطني والإيماني والإنساني في معركتها، ورفضت عروضاً أمريكية سخية للتخلي عن غزة.
وقال هلسة: «اليمنيون وفي طليعتهم أنصار الله يملكون الإيمان بضرورة المساندة وهذا ما أدخلهم في هذه الحرب، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء لسمعنا عن عروض وامتيازات لقيادة أنصار الله ولصنعاء برفع العقوبات الأمريكية وإلغاء قرار التصنيف كجماعة إرهابية، مقابل أن يتخلوا عن هذا الأمر ولكنهم رفضوا تلك العروض ولم يتخلوا».
وأضاف «لديهم إيمان وعقيدة صادقة، بأن إسنادهم للشعب الفلسطيني واجب وطني ديني أخلاقي، وهذا يُعبر عنه حجم المظاهرات التي تجري اسبوعياً في الساحات اليمنية دون غيرها من بلدان المنطقة وربما العالم العربي والإسلامي».
إضافة إلى ذلك -وفقاً للدكتور هلسة- تمتلك صنعاء الإرادة السياسية في الاستمرار بمعركة إسناد غزة، ولديها من القدرات العسكرية كالطائرات المسيرة والصوايخ الباليستية وغيرها، ما يُمكِّنها من ذلك.
وشدد هلسة على أن اليمنيين يدركون حجم التضحيات، لكنهم يرون أن موقفهم سيُسجَّل كصفحة مشرقة في تاريخ الأمة.
اليمن يكتب معادلة التحرير
في قراءة الأكاديمي الفلسطيني الدكتور محمد هلسة، يظل المشهد محكوما بمعادلة بسيطة: «تل أبيب عاجزة وصنعاء ثابتة»، وكل عملية اغتيال تطال وزيراً أو شخصية مدنية في صنعاء، يتضح أنها ليست سوى صرخة عجز «إسرائيلية» أمام واقع جديد فرضته صنعاء. فاليمن -وفقاً لخبراء- لم يعد مجرد طرف متضامن، بل أصبح رقماً صلباً في معركة الأمة مع العدو الصهيوني، واليمن اليوم، جنبا إلى جنب مع غزة، يكتب معادلة التحرير بدماء أبنائه وصمود شعبه، بأنه «لا حصانة لكيان محتل، ولا مكان لأسطورة الردع أمام إرادة الشعوب».
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا