عادل بشر / لا ميديا -
دخلت المواجهة بين اليمن والعدو الصهيوني طوراً جديداً مع تكثيف القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية، خلال الأيام القليلة الماضية. فقد شنت سلسلة من الضربات النوعية على أهداف «إسرائيلية»، شملت مطار اللد «بن غوريون»، مبنى هيئة الأركان، محطات كهرباء، ميناء أسدود، وصولاً إلى استهداف سفينتين في البحر الأحمر، على ارتباط بالاحتلال.
هذا التصعيد جاء انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، ورداً على جرائم الإبادة الجماعية والتجويع التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أبناء غزة، وفي إطار الرد الأولي على عدوان كيان الاحتلال على اليمن واغتيال رئيس حكومة صنعاء وعدد من الوزراء في غارة «إسرائيلية»، وهو ما يضع العملية العسكرية في سياق مباشر من الثأر والرسائل الاستراتيجية.

التصعيد ودلالاته
يرى خبراء أن توقيت الضربات اليمنية يكشف عن إصرار صنعاء على مواصلة إسنادها للشعب الفلسطيني، ويؤكد أن استهداف رئيس الوزراء، أحمد غالب الرهوي، وعدد من وزرائه، بغارات «إسرائيلية» عصر الخميس 28 آب/ أغسطس الفائت، لم يُحدث أي فراغ في منظومة القرار، بل سرّع وتيرة العمليات اليمنية، مشيرين إلى أن بيانات قوات صنعاء، إثر عملياتها العسكرية الأيام القليلة الماضية، شددت في مجملها على أن المعركة مع العدو الصهيوني ليست ظرفية، بل هي جزء من معادلة استراتيجية تقوم على كسر الحصار عن غزة وردع العدو المحتَّل عن التمادي في حرب الإبادة.

اعترافات بالعجز
يأتي هذا فيما لا تزال تداعيات جريمة اغتيال رئيس حكومة صنعاء وعدد من وزرائه تتوالى لدى الأوساط الإعلامية ومراكز البحوث «الإسرائيلية» والأمريكية، فسرعان ما خفتت نشوة الانتصار التي انتابت رئيس حكومة الاحتلال ووزير دفاعه، مع تنامي وتيرة العمليات اليمنية وتنوع الأسلحة التي ضربت أهدافاً حساسة في عمق فلسطين المحتلة، إذ اعترف الإعلام الصهيوني بأن الغارات على صنعاء واستهداف قيادات في الحكومة لم توقف القدرات الهجومية اليمنية.
صحيفة «إسرائيل هيوم» الصهيونية، في تقرير، أشارت بوضوح إلى أن من يعتقد أن عملية الاغتيال ستجعل «الحوثيين» يتراجعون «فهو مخطئ».
ورصدت الصحيفة عمليات إطلاق صواريخ ومسيّرات من اليمن بعد أقل من 24 ساعة من استهداف رئيس الوزراء أحمد الرهوي ورفاقه، مؤكدة أن قدرات صنعاء «محدودة لكنها حقيقية».
وقالت: «إذا كان صناع القرار الإسرائيليون يعتقدون أن الحوثيين سيعيدون النظر في خطواتهم بعد فقدان عدد من قياداتهم المدنية، فقد أثبتت الأيام الأخيرة عكس ذلك»، مضيفة: «حاربوا السعودية سبع سنوات وصمدوا، وصمدوا أمام شهور من الغارات الجوية الأمريكية، وكذلك صمدوا وما زالوا يشتبكون مع إسرائيل منذ ما يقرب من عامين، وهو أمر لم تنجح فيه أي منظمة أو دولة أخرى».
وشددت الصحيفة الصهيونية على وجوب أن توقف «تل أبيب» تبادل الضربات الدائرة مع صنعاء، مشيرة إلى أنه «لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بتطبيع واقع يُجبر فيه ملايين الإسرائيليين، كل بضعة أيام، أو حتى عدة مرات يومياً، على البحث عن ملاجئ بينما تُطلق مئات الكيلوجرامات من المتفجرات على مراكز المدن».
تقرير آخر في الصحيفة ذاتها، بعنوان «الحوثيون يجهزون مفاجأة لإسرائيل»، كشف بدوره عن قلق عميق داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية من استمرار الهجمات، مع إقرار بأن الاغتيالات لم تكن سوى عملية «استعراض قوة»، وأن اليمنيين ما زالوا قادرين على إنتاج صواريخهم وتطوير أسلحتهم، ما يجعل أي رهان على شل قدرتهم في غير محله.
وذكر التقرير أن «الحوثيين مبدعون للغاية، ويجدون طرقاً للعيش والاستقلال، إضافة إلى أنهم يؤمنون بأنفسهم وبقدراتهم، بما في ذلك في عوالم الإنتاج الذاتي. فمقابل كل صاروخ باليستي يُطلقونه، يُصرّحون صراحةً بأنه من إنتاجهم الذاتي. حتى عندما أسقطوا طائرات أمريكية مُسيّرة، صرّحوا بأن صواريخ أرض-جو كانت من إنتاجهم الذاتي»، لافتاً إلى أن «قوات صنعاء مصرة على إلحاق الضرر الكبير بإسرائيل، من خلال عملياتهم المتكررة إلى عمق الاحتلال، حيث يقومون بالدراسة والتحقيق في أسباب الفشل ونتائج الضربة، وفي كل مرة يُحدثون تغييراً عن المرة السابقة».

«هل خسرت تل أبيب الحرب؟»
موقع (JNS) الأمريكي- «الإسرائيلي» ذهب أبعد من ذلك في مقال تحليلي نشره، أمس الأول، تحت عنوان «هل خسرت إسرائيل الحرب؟».
المقال وصف الحرب الصهيونية مع صنعاء بأنها أحد أبرز إخفاقات نتنياهو، مؤكداً أن اليمن، رغم فقره وبعده الجغرافي، نجح في فرض معادلة ردع لم تتمكن «إسرائيل» من كسرها.
وأشار إلى أن كل صاروخ يمني يُطلق إلى عمق فلسطين المحتلة «يُجبر ملايين الإسرائيليين على الفرار إلى الملاجئ بملابس النوم والنعال»، وأن هذا الوضع مستمر منذ قرابة العامين مُسبباً صدمة للمستوطنين.
وأضاف: «هناك أيضاً تكلفة مالية كبيرة. فقد ساهم قصف الحوثيين في إحجام شركات الطيران الكبرى عن السفر إلى إسرائيل، ما أدى إلى تدمير قطاع السياحة لما يقرب من عامين».
كما تطرق التحليل إلى الحصار البحري اليمني الذي أدى إلى شلّ ميناء «إيلات» (أم الرشراش) بشكل كامل، وتكبد اقتصاد الكيان خسائر فادحة، لافتاً إلى أن إغلاق الميناء يُمثل «انتصاراً للحوثيين».
وخلص التحليل إلى أن «تل أبيب في وضع صعب؛ فهي مجبرة على حسم الحرب بالقوة الجوية فقط، وصنعاء بعيدة جداً بحيث لا يمكن استخدام المشاة والدبابات، إضافة إلى أن اليمن بلد شاسع يصعب اختراقه».

تقديرات استخباراتية أمريكية
أما مركز «ستراتفور» الاستخباراتي الأمريكي فأكد في تقييماته الأخيرة أن الضربات الصهيونية على صنعاء، بما فيها استهداف رئيس الوزراء، لن تغير مسار الصراع.
وأوضح المركز أن اليمنيين أثبتوا قدرة على الصمود أمام السعودية والولايات المتحدة لعقد كامل، وأن «إسرائيل» تواجه التحدي ذاته اليوم: عدواً غير تقليدي وقليل الكلفة يملك صواريخ ومسيّرات فعالة، ويستطيع شل مطارات وموانئ استراتيجية دون الدخول في مواجهة تقليدية واسعة.
وتوقع التقرير تصاعد العمليات اليمنية بشكل أكثر خطورة رداً على جريمة اغتيال رئيس حكومة صنعاء وعدد من وزرائه.
وفقاً لهذه المعطيات، يرى خبراء أن تكثيف العمليات اليمنية بعد اغتيال رئيس حكومة صنعاء يرسل رسالة مزدوجة مفادها أن «إسرائيل لم تحقق مكسباً استراتيجياً باغتيال الوزراء، وأن صنعاء ما تزال تملك قرار الحرب ومقومات الصمود».
كما أن الاعترافات «الإسرائيلية» والأمريكية تكشف أن جبهة اليمن تحولت من مجرد ساحة ثانوية إلى واحدة من أعقد جبهات الصراع، حيث يجد الاحتلال نفسه أمام خصم بمرونة غير مسبوقة وقدرة على استنزافه بعيداً عن مسرح غزة ولبنان.