تقرير / لا ميديا -
منذ أكثر من سبعمئة يوم، والعالم يتواطأ بالصمت أمام أبشع مشهد دموي في القرن الحادي والعشرين: غزة تُباد، و»إسرائيل» تمتهن القتل بلا حساب، فيما الأمم المتحدة تحصي الجثث وتغرق في بيانات «القلق». أكثر من 64 ألف شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى، وأطفال يموتون جوعاً في حصار مميت، بينما يغرس العرب لافتات «القانون الدولي» على جثث الضحايا.
أمس، وخلال 12 ساعة، ارتقى 52 شهيداً بنيران العدو الصهيوني في قطاع غزة بينهم 44 بمدينة غزة وشمالي القطاع.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يمارس العدو الصهيوني عدوان إبادة مروع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وارتفعت حصيلة شهداء هذه الإبادة، حتى أمس الأحد، إلى 64,368 شهيداً وأكثر من 162,776 مصاباً. ومنذ استئناف العدوان ونكث الكيان بالعهد في 18 آذار/ مارس الماضي ارتقى 11,911 شهيداً وأصيب 50,735، في وقت تواصل فيه المجاعة القاتلة حصد الأرواح، إذ ارتفع عدد ضحايا التجويع إلى 387 شهيداً، بينهم 138 طفلاً.
إنها ليست مجرد أرقام، بل شواهد دامغة على جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُرتكب أمام أعين العالم.

مئات الآلاف في مرمى نار لا تتوقف
القصف الصهيوني لم يترك مدرسة أو خيمة أو بيتاً إلا واستهدفه. ففي الساعات الماضية وحدها، ارتكب طيران الاحتلال الحربي مجازر جديدة: مدرسة تؤوي نازحين تحولت إلى مقبرة، خيمة مهجّرين سويت بالأرض، ثلاثة منازل في حي الصبرة وبرج سكني في تل الهوى دمّرت بالكامل، وتهديدات إخلاء جديدة أرغمت سكان برج الرؤيا على الفرار نحو المجهول.

نتنياهو.. وجه الجريمة الصهيونية
بكل وقاحة، خرج المجرم بنيامين نتنياهو ليتباهى بتهجير 100 ألف فلسطيني من غزة، واصفاً الأبراج السكنية التي دُمّرت بأنها «أبراج إرهاب». وفي تصريحاته، اعتبر رئيس حكومة العدو أن تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها «إنجاز عسكري»، وأن اقتلاع الناس من أرضهم «واجب إنساني»!
ويتشدق نتنياهو بأنه «يتيح للمدنيين الخروج إلى مناطق آمنة»، بينما العالم كله يعلم أن تلك «المناطق» هي جحيم بلا ماء ولا غذاء ولا دواء. لكنه يصر على خطاب الكذب؛ مدركاً أن العالم المسمى «حراً» لن يوقفه، بل يقف معه سراً وعلناً.

«حماس» تبدي استعدادها لصفقة شاملة
في المقابل، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس استعدادها لوقف دائم للحرب مقابل صفقة تبادل شاملة وانسحاب الاحتلال. لكن العدو الصهيوني رفض أي اتفاق لا يتضمن نزع سلاح المقاومة، ما يفضح حقيقته: عصابة استعمارية لا تبحث عن أمن أو سلام، بل عن استسلام كامل لشعب أعزل.
حتى الوساطات الأميركية، التي روّجت لمقترحات «هدنة طويلة»، لم تكن إلا غطاء لإطالة أمد الإبادة. كل الطرق السياسية مغلقة، لأن «إسرائيل» وحلفاءها لا يريدون نهاية عادلة، بل نهاية على مقاسهم.

شركاء الإبادة
أمام الإبادة المرعبة، لا يتردد الغرب في مفاقمة الكارثة. أوروبا تكتفي بالتصريحات، بينما بريطانيا تعتقل المتظاهرين المطالبين بوقف الإبادة، وتعتبر منظمة «التحرك من أجل فلسطين» (بالستاين أكشن) منظمة «إرهابية». أما الولايات المتحدة فشريك أصيل في الجريمة، لا تكتفي بتسليح الاحتلال وحمايته دبلوماسياً، بل تذهب إلى حد تجريم المنظمات الحقوقية الفلسطينية وإدراجها على قوائم «الإرهاب»، في محاولة لطمس الأدلة على جرائم الإبادة.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أدرجت 3 منظمات حقوقية في «قائمة الإرهاب».
ويطال قرار فرض العقوبات كلاً من «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، مركز «الميزان لحقوق الإنسان»، و»مؤسسة الحق». وبموجبه، تُمنع الكيانات الأميركية من التعامل مع المنظمات الثلاث.
أما الأمم المتحدة، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية تحت شعار «لا مزيد من الإبادات»، فقد تحولت إلى مؤسسة بيروقراطية عاجزة، تصدر بيانات شجب روتينية، بينما تُباد غزة علناً. لم تُفعّل آلية حماية، ولم توقف المجازر، واكتفت بإدارة المساعدات الهزيلة. إنها شراكة بالصمت والتخاذل، لا تقل جرماً عن مشاركة «إسرائيل» المباشرة في القتل.

أوروبا تغلي... وصوت الشارع أقوى من الحكومات
في بروكسل، خرجت أضخم تظاهرة منذ بدء العدوان رفضاً للإبادة في غزة. وفي لندن، تحدى المئات خطر الاعتقال ليهتفوا ضد الجرائم، فاعتقلت الشرطة 900 متظاهراً في يوم واحد، غالبيتهم بسبب رفع شعارات مؤيدة لفلسطين.
المفارقة أن من يطالب بوقف القتل يُصنّف «إرهابياً»، بينما القاتل الذي يستخدم الطائرات والصواريخ ضد أطفال غزة يُعامل كدولة «ديمقراطية». هذا هو نفاق الغرب: حرية التعبير عنده مقدسة إلا إذا مسّت «إسرائيل».

المقاومة تستنزف الاحتلال
رغم الحصار والقصف، تواصل المقاومة ضرباتها. سرايا القدس - الجناح العسكري لحركة الجهاد قصفت «نتيفوت»، وكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس فجرت آليات في حقل ألغام شرق حي الزيتون. صحيفة «يديعوت أحرونوت» نفسها أقرت بأن عدد جنود الاحتلال المصابين قد يصل إلى 100 ألف جندي بحلول 2028، وهو نزيف بشري يعكس أن الإبادة لم تحقق للعدو إلا المزيد من للقرب نحو الزوال.

القدس والضفة... الوجه الآخر للاحتلال
الضفة الغربية والقدس ليست في أمان من آلة الجريمة الصهيونية، إذ تشهد اقتحامات، اعتقالات جماعية، هدم منازل ومحال في بلدة الرام شمال القدس.
واقتحم غاصبون صهاينة، أمس الأحد، المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة بحماية قوات الاحتلال، حيث نفذوا جولات استفزازية وأدوا طقوساً تلمودية في باحاته.
كما أخطرت قوات الاحتلال بهدم 3 منازل و4 محال تجارية في بلدة الرام خلال 3 أيام، بذريعة «البناء من دون ترخيص»، في إطار مخطط استيطاني لتوسيع شارع يخدم المستوطنات ويعزل القدس المحتلة عن البلدات الفلسطينية.
الاحتلال يمارس سياسة شاملة: إبادة في غزة، تهويداً في القدس، اعتقالات في الضفة... كل فلسطين تحت حرب مفتوحة.