تقرير / لا ميديا -
في قطاع غزة، حيث تختلط رائحة الغبار برائحة الدم، وحيث تصير المنازل قبورًا لأصحابها، يتواصل المشهد الأكثر قسوة في التاريخ الحديث. أمهات يحتضن أطفالهن تحت الأنقاض، شيوخ يجرّون أقدامهم بحثًا عن مأوى لا وجود له، وأطفال لا يعرفون من الدنيا سوى هدير الطائرات وصوت الانفجارات. 
23 شهراً والعدو الصهيوني يقترف جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، ضد شعب أعزل لا يملك سوى إرادة البقاء. وبينما يواصل الاحتلال قصف الأبراج والمنازل، تتكشف الحقيقة أكثر: هدف «إسرائيل» هو اقتلاع مليوني إنسان من جذورهم، وإفراغ المدينة من سكانها في جريمة يندى لها جبين الإنسانية.
وتواصل طائرات الاحتلال الصهيوني تنفيذ موجة جديدة هي التشرس والأخطر من الهجمات الجوية والبرية العنيفة والمكثفة على مدينة غزة شمالي القطاع ضمن ما يسمى (عربات جدعون2)، مخلّفة دمار هائل ومجازر جديدة بحق المدنيين. وقد تركزت الهجمات على الأبراج السكنية والمنازل، بالتوازي مع عمليات نسف وتفجير ميدانية ينفذها الجنود داخل الأحياء السكنية.

أرقام من دم
أكدت مصادر طبية في مستشفيات غزة، أمس استشهاد 51 فلسطينياً خلال فترة النهار فقط، بينهم 40 في مدينة غزة وحدها، لترتفع حصيلة الشهداء إلى 64,803، إضافة إلى أكثر من 164,264 إصابة، وأكثر من 12 ألف مفقود تحت الأنقاض، منذ بداية عدوان الإبادة، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ووفق وزارة الصحة في القطاع، فقد بلغ عدد الضحايا منذ نكث العدو بالعهد والهدنة في 18 آذار/ مارس الماضي 12,253 شهيدًا و52,223 إصابة، في وقت تتواصل فيه عمليات القصف بلا توقف.
إلى جانب القصف، يفتك التجويع بسكان غزة المحاصرين. فقد سجلت الوزارة 7 وفيات جديدة خلال الساعات الـ24 الماضية بسبب سوء التجويع، بينهم طفلان، ليرتفع إجمالي ضحايا التجويع إلى 420 شهيدًا، من بينهم 145 طفلاً. وتؤكد الأرقام أن المجاعة المعلنة رسميًا في القطاع منذ شهور باتت أداة إبادة بطيئة موازية للقصف اليومي.

تدمير ممنهج
على صعيد خطط العدو لتدمير كل ما تبقى من مدينة غزة ارتكب الاحتلال دمارًا واسعًا منذ بدء موجة جرائمه البرية والجوية الجديدة في 11 آب/ أغسطس الماضي. فقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الاحتلال دمّر 1,600 بناية سكنية بشكل كامل، إضافة إلى 13,000 خيمة للنازحين، وأجبر أكثر من 350,000 مواطن على النزوح من الأحياء الشرقية إلى وسط المدينة وغربها.
المكتب أوضح أن هذا الاستهداف يندرج ضمن سياسات «التدمير الممنهج والإبادة الجماعية والتطهير العرقي»، مؤكداً أن الاحتلال يضرب عمداً الأبراج السكنية والمدارس والمساجد ومراكز الإيواء. ومنذ مطلع أيلول/ سبتمبر فقط، دمّر الاحتلال 70 برجاً تدميراً كاملاً و120 برجاً تدميراً بليغاً، إضافة إلى آلاف الخيام التي كانت تؤوي عشرات الآلاف من النازحين.

كاتس يتباهى بجرائم الإبادة
تصريحات قادة الاحتلال تكشف حقيقة العقلية التي تقترف جريمة الإبادة. من يسمى «وزير الأمن الإسرائيلي» يسرائيل كاتس قال إن «أبواب الجحيم في غزة قد فُتحت».
وأضاف في تصريحات أمس: الإعصار يواصل ضرب غزة وبرج النور الإرهابي انهار وسكان المدينة اضطروا للنزوح جنوبا.
 المستشفيات، المدارس، دور العبادة، وحتى الخيام التي تحتمي بها العائلات، باتت أهدافاً مباشرة لصواريخ وقذائف العدو الصهيوني.
الأمم المتحدة بدورها حذّرت مراراً من «كارثة إنسانية» إذا استمرت خطة السيطرة على مدينة غزة وتهجير سكانها، لكن العدو الصهيوني يمضي قُدماً في تنفيذ مخططه. فقد ألقت طائرات الاحتلال أمس، منشورات تدعو سكان الأحياء الغربية لمغادرة بيوتهم عبر شارع الرشيد نحو منطقة المواصي، التي تصفها إسرائيل بـ»المنطقة الإنسانية». إلا أن هذه المنطقة ذاتها تتعرض بشكل متكرر للقصف المدفعي، وسط انعدام القدرة على استيعاب المزيد من النازحين.

هاليفي يعترف بجزء من جرائمه
اللافت أن جرائم العدو الصهيوني لم تعد تُخفى حتى على لسان مسؤوليه السابقين. فقد أقر «رئيس أركان جيش الاحتلال السابق» هرتسي هاليفي بأن عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين تجاوز 200 ألف، أي أكثر من 10% من سكان القطاع. هاليفي اعترف أيضاً بأن المستشارين القانونيين لم يكن لهم أي دور حقيقي في تقييد العمليات العسكرية، وأن وجودهم كان يهدف فقط إلى التجميل الخارجي أمام المجتمع الدولي.
هذا الاعتراف، الصادر عن القائد العسكري الأول للعدوان خلال 17 شهر، ينسف كل الادعاءات الصهيونية عن «العمليات الدقيقة» و»الحرص على تقليل الأضرار»، ويؤكد أن الإبادة الجماعية كانت قراراً استراتيجياً متعمداً.

جامعات عالمية تقاطع الاحتلال
في مقابل ذلك، يزداد الطوق الدولي حول عنق الكيان المؤقت ضيقاً. فقد ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن عدداً متزايداً من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم قطع علاقاته مع نظيراته «الإسرائيلية»، احتجاجاً على تورطها في دعم سياسات الاحتلال. جامعات في البرازيل، النرويج، بلجيكا، إسبانيا وهولندا أعلنت وقف أي تعاون أكاديمي مع المؤسسات «الإسرائيلية»، فيما طالبت جمعيات علمية أوروبية بقطع شامل للعلاقات الأكاديمية.
هذه المقاطعة الأكاديمية تأتي امتداداً لحملات المقاطعة الاقتصادية والثقافية التي تتوسع يوماً بعد يوم، ما يعكس عزلة دولية متزايدة للاحتلال، وفضحاً لطبيعة جرائمه أمام الرأي العام العالمي.

زهران ممداني يتوعد نتنياهو
في الولايات المتحدة، تعهد المرشح لانتخابات بلدية نيويورك زهران ممداني بإصدار أمر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال المجرم بنيامين نتنياهو، في حال فوزه بمنصب العمدة. ورغم أن خبراء قانونيين وصفوا الإجراء بغير العملي وأنه قد يتعارض مع القوانين الفيدرالية في الولايات المتحدة، إلا أن مجرد طرحه في قلب واحدة من أكبر المدن الأميركية يعكس حجم الغضب الشعبي المتصاعد تجاه سياسات الكيان الصهيوني.
أما على الصعيد الأممي، فلا تزال الدعوات تتوالى لفرض عقوبات وعزل سياسي على الكيان، وسط مطالبات بفتح تحقيق دولي في جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها في غزة.