دبلوماسي أمريكي سابق:فشلنا في الإطاحة بالحوثيين والحرب عليهم لم تغيّر شيئاً في موازين القوة
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
في دراسة تحليلية نشرها "المركز العربي واشنطن دي سي"، وهو مركز أبحاث أمريكي، قدم نائب السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن، نبيل أ. خوري، قراءة غير مألوفة من داخل الدوائر الأمريكية، بشأن المشهد اليمني، مؤكداً أن الصراع والتنافس على النفوذ بين السعودية والإمارات هو العقبة الكبرى أمام أي سلام في اليمن، وأن ما يُسمّى "مجلس القيادة الرئاسي" الموالي للرياض وأبوظبي، ليس سوى تحالف هشّ من الفصائل الفاسدة المتناحرة، عاجز عن إدارة الدولة أو مواجهة صنعاء أو حتى توفير خدمات بسيطة للمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرته أو حتى بث الأمل في تسوية سلمية دائمة.
لم يُخفِ خوري انتقاده اللاذع لمجلس العليمي، الذي وصفه بأنه "متشرذم، يفتقر للكفاءة، وتغزوه الانقسامات والولاءات الخارجية". فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيله، لا يزال قادته، بحسب خوري، موزعين بين الرياض وأبوظبي، يقتاتون من عطايا العاصمتين الخليجيتين، بينما تغرق عدن والمحافظات الجنوبية في العتمة، والجوع، وانهيار الخدمات.
وأشار خوري إلى أن رئيس المجلس، المرتزق رشاد العليمي، فشل في بسط سلطته حتى داخل القصر الرئاسي في عدن، وأنه لا يجرؤ على العودة إليها بانتظام، بسبب التوترات مع نائبه عيدروس الزبيدي، الذي يرأس ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً والذي يتبنى المطالبة بالانفصال، بينما "الشرعية" المزعومة ليست سوى واجهة من ورق تتنازعها مصالح متضاربة وأجندات إقليمية متنافسة.
مجلس الولاءات المتناقضة
بحسب خوري، لا يمكن الحديث عن "حكومة يمنية" بالمعنى الحقيقي في مناطق سيطرة مرتزقة التحالف؛ إذ يتكون "مجلس القيادة" من فصائل عسكرية وسياسية ومليشيات مناطقية، ولاؤها النهائي لمن يمولها، لا للوطن. فالرياض تمسك بخيوط بعض المكونات، بينما تحتفظ أبوظبي بزمام قوى انفصالية وسلفية مسلحة في الجنوب والساحل الغربي. هذا الانقسام البنيوي جعل المجلس -وفق خوري- عاجزاً عن أي قرار موحد، بل وأصبح ساحة مفتوحة للتجاذب بين الدولتين الخليجيتين اللتين قادتا العدوان على اليمن.
وقال: "لم يتمكن العليمي، المدعوم من الرياض، وهو وزير داخلية سابق، من تحويل الاقتصاد في الجنوب. وشهدت عدن، العاصمة الفعلية لمجلس القيادة الرئاسي، احتجاجات متكررة ضد الظروف الاقتصادية السيئة ونقص الخدمات العامة الأساسية، بينما يتفشى الفساد الحكومي، من الرواتب المتضخمة بشكل كبير للوزراء وغيرهم من المسؤولين رفيعي المستوى، إلى القطاعات الحيوية للكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة العامة...".
وأوضح أنه رغم الدعم المالي والعسكري السخي من السعودية والإمارات، لم يتمكن مرتزقتها من تحقيق أي تقدم ميداني يُذكر ضد صنعاء. وفي الجانب الآخر يتواصل الانهيار الاقتصادي، وتتصاعد احتجاجات الشارع في عدن والمكلا وتعز ضد الفساد وتدهور المعيشة.
صنعاء في مواجهة واشنطن و"تل أبيب"
تحليل نائب السفير الأمريكي الأسبق نبيل خوري، تطرق، أيضاً، إلى موقف صنعاء الداعم للشعب الفلسطيني منذ العدوان الصهيوني على قطاع في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مشيراً إلى أن العمليات العسكرية اليمنية ضد السفن والملاحة "الإسرائيلية" في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيّرة على أهداف "إسرائيلية" في عمق فلسطين المحتلة، جعل صنعاء في مواجهة مباشرة مع واشنطن و"تل أبيب" اللتين نفذتا غارات جوية مكثفة استهدفت في معظمها منشآت خدمية مدنية في صنعاء والحديدة وصعدة وغيرها.
لكن المفارقة التي أبرزها خوري هي أن تلك الغارات لم تُغير شيئاً في ميزان القوى، ولم تُضعف صنعاء كما توهمت أمريكا و"إسرائيل"، حيث قال: "حتى اليوم، فإن أهداف حملات القصف الإسرائيلية والأمريكية في اليمن ليست واضحة بما يكفي للسماح بتقييم كامل لنجاحها أو فشلها. فإذا كان الهدف هو تغيير النظام في صنعاء من خلال الإطاحة بالحوثيين، فهذا لم يكن واقعياً أبداً، ولم تتمكن أشهر من الغارات الجوية القوية من تحقيق مثل هذه النتيجة".
بل ذهب خوري أبعد من ذلك حين أكد أن إيقاف صنعاء عملياتها العسكرية ضد "إسرائيل" حالياً ليس نتيجة نجاح الضربات الأمريكية و"الإسرائيلية"، وإنما نتيجة وقف إطلاق النار في غزة، وأيضاً ثمرة صمود صنعاء وقدرتها على امتصاص الهجمات وتقييد أضرارها.
وأضاف: "لا توجد حالياً طريقة دقيقة لحساب ما إذا كانت القدرات العسكرية للحوثيين قد تدهورت بما يكفي للسماح للولايات المتحدة وإسرائيل باستنتاج أن هجماتهما كانت تستحق التكلفة"، وهو ما يعني، بعبارة أخرى، أن كل ما أنفقته واشنطن و"تل أبيب" من جهد ومال ونار لم يحقق سوى إثبات محدودية تأثيرهما أمام قوة صاعدة في جنوب الجزيرة العربية.
وحول تأثير الضربات الأمريكية والصهيونية على ميزان القوى بين صنعاء وفصائل المرتزقة، قال نبيل خوري: "لا يبدو أن الهجمات أحدثت أي فرق في ميزان القوى الداخلي في اليمن. في الواقع، أعرب قادة مجلس القيادة الرئاسي عن خيبة أملهم من محدودية فاعلية الضربات الأمريكية والإسرائيلية، التي لم تُغير خطوط المواجهة العسكرية بين القوات المناهضة لأنصار الله وصنعاء".
فشل مزدوج
يرى الدبلوماسي الأمريكي نبيل خوري أن الفشل الأمريكي في اليمن مزدوج: داخلي عبر الرهان على كيان متداعٍ اسمه "مجلس القيادة"، وخارجي عبر القصف الذي لم ينجح في كسر شوكة صنعاء أو إبعادها عن محور المقاومة. فمن وجهة نظره، تحول اليمن -رغم جراحه- إلى جبهة إقليمية جديدة تربك الحسابات الأمريكية و"الإسرائيلية"، لاسيما بعدما نجحت صنعاء في إثبات قوتها خلال معركة اسناد غزة.
ويشير خوري إلى أن التحالف السعودي–الإماراتي لم يعد يمتلك رؤية مشتركة، بل انقلبت شراكته إلى تناحر صامت على النفوذ والموانئ والثروات.
أما صنعاء، التي وُصفت مراراً بأنها "المشكلة"، فقد خرجت -وفق قراءة خوري غير المباشرة- كأكثر الأطراف تماسكاً وتنظيماً؛ فهي الطرف الوحيد الذي يملك قراراً وطنياً واضحاً، وقادرة على الجمع بين المقاومة في الميدان والدعم السياسي للشعب الفلسطيني، في حين تعجز "حكومة الفنادق" عن توفير كهرباء أو مياه لعدن.
كما أن الغارات "الإسرائيلية" والأمريكية على مناطق السيادة تحولت إلى شهادة على صمود صنعاء؛ فكل صاروخ سقط على العاصمة اليمنية زادها حضوراً في معادلة الصراع الإقليمي، وأكد أن المعركة لم تعد حول شرعية منقوصة في عدن، بل حول إرادة وطنية لا تخضع لواشنطن ولا للرياض ولا لأبوظبي.
وفيما تتهاوى "الشرعية" التي صُنعت في الفنادق، تترسخ الشرعية الشعبية التي صمدت تحت القصف والحصار، لتعيد رسم موازين القوة في الإقليم من جديد.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا