وهكذا قسْ
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن أكثر الأشياء التي يعد الحديث عنها تجاوزاً للحدود، وتطاولاً وإرجافاً من وجهة نظر الكثيرين من مسؤولينا، بل وقد يصنفون مَن يطلقونه في خانة الأدوات التي تعمل لمصلحة الأعداء الذين يتربصون بالجميع، ويتحينون الفرصة المناسبة للانقضاض علينا، أو يضعونه ضمن أنشطة الطابور الخامس هو: ذلك الحديث الذي يحوي في طياته بياناً لسلبيةٍ أو تقصيرٍ أو تجاوزٍ أو فسادٍ لدى فرد أو جهة أو مؤسسة! لا لشيء إلا لأنهم يعتبرون مثل هكذا حديث يوفر للأعداء مادة إعلامية دسمة، سيوظفونها في تشويهنا كثوار وأحرار، وتأليب الجماهير علينا، وإحداث اهتزاز وارتباك في أوساط مؤيدينا وأنصارنا؛ وبالتالي تتراجع وتنكمش شعبيتنا!
ولكنك عندما تعود إلى الأسس المنهجية والمبادئ الفكرية التي قام عليها وجود مسيرتنا، وتحققت على ضوئها ثورتنا، سواءً أكانت عودتك إلى النص القرآني مباشرةً، أم إلى النص في شكله البياني ومقتضى الالتزام به في واقع الحركة العملية، للذين جسدوه في حياتهم فكراً ونشاطاً وموقفاً وخلقاً، كما توحي بذلك مسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن بعده الإمام علي (عليه السلام)، وبقية أئمة أهل البيت، فسرعان ما ستكتشف أن تلك الأطروحات مجرد حجج واهية لا تقوم على شيء من الحقيقة؛ كل ما في الأمر أن من يحاول بكل ما بوسعه من طاقة وسلطان ونفوذ ومنطق منع هكذا توجه! لماذا؟
لأنه عاجز عن فعل شيء، ولأن توجهه لم يعد خالصاً لله، لذلك لا بد له أن يعمل على حماية مركزه ومقامه، الذي يخدم من خلاله ذاتيته ويسخر كل ما يقع تحت يده لمصلحته، عن طريق التضييق والضغط على كل من يحاول بيان نقاط ضعفه التي ستؤثر على حاضر الثورة ومستقبلها.
وقد يتخذ من القمع والتشويه والعزل لهؤلاء سلاحاً إذا فشل في منعهم بأسلوب الضغط والتخويف والمنع.
ولو كان هؤلاء المنزعجون من أي صوت يدعو لتصحيح مسار، عن طريق كشف خلل هنا وفساد هناك ينطلقون من القرآن الكريم: لعلموا أن هذه الطريقة معمولٌ بها في القرآن؛ إذ تجد هناك آيات مبثوثة في أكثر من سورة، كما ستجد سورا بأكملها تركز جميعها على بيان واقع المجتمع السلبي، وطبيعة التعدد في دوافعه، ونقاط الضعف الداخلية التي يعاني منها. وكل تلك الآيات كانت تتنزل والمسلمون مع رسول الله في ذروة الصراع مع أكثر من جبهة وأكثر من قوة، داخل الجزيرة العربية وخارجها.
فهل قالوا يا رب لماذا تحدثت عن طبيعة نفسيات فريق منا في بدر وبينتهم بهذا الضعف ولا نزال في مواجهة مفتوحة مع المشركين؟
وهكذا قس؛ فمثلما كان للقرآن وقفة مع أهل بدر، كان له أيضاً وقفات مع مجتمع الرسالة في بقية المعارك، كما في الخندق، وأحد وحنين وتبوك، وبمستوى أشمل لمختلف التفاصيل! لماذا؟
لأن دين الله لا يستطيع أن يقيمه إلا المجتمع الخالي من جميع العقد والأمراض، والبعيد عن كل مظاهر الفساد والضعف.
إن سكوتك عن فساد أو تقصير أو انحراف أو فشل هو: البوابة التي عن طريقها سيتسلل الظلم إلى مختلف الساحات. ولن تستوعب ذلك إلا؛ حين يمتد إلى كل الواقع وتنطبع الأوضاع المجتمعية والسياسية والاقتصادية بطابعه. وحينذاك سترى كم كنت مجرماً! فأنت الممهد لكي يتهاوى المجتمع نتيجة الضعف الذي يقوض بنيانه ويهدم جميع قواعده؛ لأن الظلم يعمل على تفكيك الروابط الروحية بين القيادة والقاعدة، فتصبح القاعدة لا تثق بقيادتها، وتصبح القيادة بعيدة عن القاعدة؛ لكونها فقدت حس القيام بالمسؤولية تجاه القاعدة المجتمعية.
ولا يتوقف الأمر عند عزل القيادة عن القاعدة والقاعدة عن القيادة فحسب؛ بل تصل الخطورة إلى أبعد من ذلك؛ بحيث تتفكك البنية المجتمعية وتتمزق دون أن تقوى على اللقاء عند أي شيء؛ لأن الظلم يمنعها عن أن تلتقي ببعضها البعض ويعمل على نصب الحواجز في ما بينها بحيث تصبح كل فئة أو قبيلة معزولة عن الفئات والقبائل والطوائف والأطياف المجتمعية الأخرى؛ لينفتح الباب بعد ذلك أمام الجريمة على مصراعيه فتتحرك في مسارين يتم لها من خلالهما بالنهاية أن تجعل الكل موسومين بسماتها ومعبرين عنها ومجسدين لها كمجرمين، وهذان المساران هما:
مسار التحريف للحقائق الفكرية وتغذية الانحراف فكراً وثقافة وسلوكاً، مع محاربة كل مساعي التصحيح وكشف الحقائق.
مسار التقصير في الجانب العملي الذي يتصل بالجوانب الحياتية للناس على مستوى حاجاتهم وقضاياهم وأوضاعهم؛ فيحل الظلم في كل شيء ويغيب العدل عن كل شيء.
ولن يسود الظلم في حياة المجتمع دفعة واحدة؛ وإنما يتسلل بالتدريج في واقع الناس؛ عندما يصبح التساهل وتصبح اللامبالاة إطاراً لفكر وفعل أي دولة أو حركة ثورية.

أترك تعليقاً

التعليقات