عادل بشر / لا ميديا -
اختتم المؤتمر القومي العربي دورته الرابعة والثلاثين في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد ثلاثة أيام من النقاشات والحوارات التي جمعت أكثر من 250 شخصية عربية من مختلف الأقطار، مثّلت طيفاً واسعاً من التيارات القومية والناصرية والإسلامية واليسارية، في مشهد بدا كأنه استعادة لنبض الأمة في زمن تتكاثر فيه مشاريع التطبيع والتفتيت.
هيمنت على جلسات المؤتمر، الذي انعقد خلال الفترة 7-9 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، روحٌ مقاومة قومية صريحة، أكد فيها المشاركون أن خيار المقاومة، بكل أشكالها السياسية والثقافية والعسكرية، هو السبيل الأوحد لحماية فلسطين وصون الكرامة العربية في مواجهة مشاريع الهيمنة الصهيوأمريكية والتطبيع والتقسيم، مشددين على أن المقاومة ليست خياراً سياسياً، بل هوية وجودية للأمة، وأن وحدتها وإرادتها الشعبية هما طريق التحرير والنهوض.
وفي ختام أعماله، مساء أمس الأول الأحد، صدر عن المؤتمر بيان مطول تضمن جملة من التوصيات والمواقف القومية، مؤكداً مركزية القضية الفلسطينية كقضية الأمة الأولى، واعتبار الدفاع عنها مسؤولية جماعية عربية وإسلامية.
وشدد  البيان على رفض أي وصاية على قطاع غزة والشعب الفلسطيني. ودعا إلى ضمان عدم عودة الحرب في غزة، وضرورة المساهمة في إعادة إعمار القطاع، ودعم  التكافل الاجتماعي، ووجوب ملاحقة قادة العدو "الإسرائيلي" على جرائمهم بحق الفلسطينيين، مؤكداً أن "خيار المقاومة هو الطريق الوحيد لحماية الأمة واستعادة حقوقها".

اليمن في الصدارة
وكان لليمن حضور في بيان المؤتمر القومي العربي، الذي ثمّن "موقف اليمن لمناصرة غزة ومواجهة إسرائيل وأمريكا داخل فلسطين وعلى البحر الأحمر".
وأكد المؤتمر أن "البحر الأحمر عاد بفضل المدافعة اليمنية بحراً عربياً تمخر فيه السفن بإذن عربي يصدر من صنعاء".
وأضاف البيان أن اليمن "صنع وكتب تاريخاً جديداً في مسار المواجهة مع الكيان الصهيوني وأمريكا، وأعاد تعريف نظرية قوة الدولة على نحو جديد".

تحوّل استراتيجي
ورأى المؤتمر أن ما يجري في فلسطين، بعد عام من "طوفان الأقصى"، ليس حدثاً فلسطينياً فحسب، بل تحوّل استراتيجي في الوعي العربي؛ إذ كشفت الحرب تراجع قدرة الكيان الصهيوني على فرض إرادته، وتنامي محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وفلسطين.
وشدد على رفض كل أشكال التطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي" ومقاطعة الأنظمة والمؤسسات الداعمة له سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً.
ودعا إلى بناء جبهة عربية موحدة لدعم المقاومة الفلسطينية، وتنسيق الجهود السياسية والإعلامية والقانونية لمواجهة المشروع الصهيوني.
وطالب المؤتمر جامعة الدول العربية بتحمل مسؤولياتها في رعاية المصالحة الفلسطينية وتفعيل قراراتها المتعلقة بالقدس وحق العودة. كما دعا إلى إنشاء منصة إعلامية عربية مشتركة تواجه التضليل، وتُبرز الرواية الفلسطينية وتدعم الإعلام المقاوم.
وأكد ضرورة تطوير التنسيق بين حركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق ضمن إطار عربي جامع يوازن بين المقاومة الميدانية والسياسية، ودعم الجهود الشعبية في العالم العربي لإحياء ثقافة المقاومة في التعليم والإعلام والفنون.
ودعا إلى عقد مؤتمر دولي شعبي لمحاسبة الاحتلال على جرائمه في غزة والضفة الغربية.
كما دعا إلى تعزيز التواصل مع شعوب أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا التي أعلنت دعمها للقضية الفلسطينية وتبني مواقف مشتركة معها.
وأكد أن مشروع المقاومة هو مشروع نهضة عربية شاملة، وأن استعادة الوعي الجمعي شرط أساسي لاستقلال القرار العربي.

مواصلة المسار القومي
واختتم المؤتمر أعماله بانتخاب القيادي الفلسطيني ماهر الطاهر أميناً عاماً جديداً للمؤتمر، خلفاً للسياسي المصري حمدين صباحي، إلى جانب انتخاب أمانة عامة جديدة تضم 25 عضواً من مختلف الدول العربية، بينهم ممثلون عن اليمن وسورية وفلسطين وتونس والجزائر ومصر والسودان والبحرين.
وأكد المشاركون أن المؤتمر، الذي تأسس قبل أكثر من 35 عاماً، سيواصل دوره كمنبر جامع للقوى الفكرية والسياسية العربية، مستنداً إلى استقلالية قراره وشفافيته المالية، رغم ما يواجهه من حملات إعلامية مغرضة تحاول النيل من مواقفه الداعمة لخيار المقاومة.

كلمة السيد ودلالاتها
وكانت إحدى أبرز لحظات المؤتمر عرض كلمة مصورة لسيد الجهاد والمقاومة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي،  خلال الجلسة الافتتاحية، إلى جانب كلمات ألقاها قادة المقاومة الفلسطينية، وشخصيات لبنانية وفكرية عربية مناضلة، بينهم المناضل الأممي جورج إبراهيم عبدالله.
ولقيت كلمة السيد عبدالملك اهتماماً واسعاً في الأوساط القومية؛ إذ رآها البعض تعبيراً عن التحول العميق الذي شهده الوعي العربي المقاوم حيال اليمن، الذي انتقل من موقع الدفاع إلى موقع الفعل والمبادرة في مواجهة المشروع الأمريكي "الإسرائيلي" في المنطقة.
ويُجمع مراقبون على أن الإشادة غير المسبوقة باليمن في بيان المؤتمر، والمكانة التي مُنحت لصنعاء في خطاب الجلسة الافتتاحية، تعكسان تحولاً نوعياً في الخطاب القومي العربي، الذي طالما انشغل لعقود بالشعارات دون ترجمتها إلى مواقف عملية.
اليوم، بحسب هؤلاء، بات اليمن "الطرف العربي الأبرز الذي يترجم شعار الوحدة والمقاومة إلى فعل ميداني".
ويرى المحللون أن توصيف البيان الختامي للبحر الأحمر بأنه "عاد بحراً عربياً بإذنٍ يصدر من صنعاء" ليس مجرد تعبير إنشائي، بل هو اعتراف سياسي ضمني بأن صنعاء أصبحت طرفاً مقرراً في أمن البحر الأحمر، وهو ما كانت القوى الكبرى تحاول إنكاره طيلة السنوات الماضية.

بيروت تجمع العروبة من جديد
رغم الضجة الإعلامية ومحاولات التشويش، نجح المؤتمر القومي العربي في دورته الـ34 في أن يكون مساحة جامعة لقوى الأمة التي لا تزال تؤمن بوحدة المصير والمواجهة المشتركة.
ومن بيروت، المدينة التي كانت دائماً منارة للعروبة والمقاومة، خرجت رسائل المؤتمر واضحة: لا مكان للتطبيع، لا شرعية للاحتلال، ولا مستقبل لأمة تستسلم للهيمنة الأمريكية و"الإسرائيلية".
وفي قلب هذه الرسائل، برز اسم اليمن كقوة عربية جديدة فرضت حضورها في معادلة الردع، لا بالكلام ولا بالشعارات، بل بالفعل المقاوم.
هكذا، تحولت صنعاء -كما وصفها البيان- إلى عاصمة القرار العربي الحر في البحر الأحمر، وإلى نموذج يعيد تعريف معنى "قوة الدولة" في زمن انهارت فيه دول وتراجعت أخرى.
وبينما يستعد الأمين العام الجديد ماهر الطاهر لمباشرة مهامه، يبدو أن المؤتمر القومي العربي في نسخته الأخيرة لم يكن مجرد تظاهرة فكرية، بل بيان موقف تاريخي يُعيد رسم خريطة التوازنات داخل الوعي القومي العربي؛ "محور مقاوم يتقدم بثقة، وآخر مطبّع يتراجع أمام زخم الشعوب وإرادة الأمة".