دمشق - خاص / لا ميديا -
بسرعة غير معهودة، عقد مجلس الأمن جلسة له، واتخذ القرار رقم (2799) المعدل للقرار رقم (2254) والذي يقضي برفع اسم رئيس السلطة المؤقتة في دمشق، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ووزير الداخلية أنس خطّاب، من قوائم الإرهاب الدولية، رغم أن هذه الخطوة لا تحتاج لاجتماع مجلس الأمن، وكان يكفي صدور توصية من اللجنة المختصة المكلفة بالتحقيق لمجلس الأمن، يتبعه إصدار القرار المناسب.
حتى تتوضح صورة القرار وخلفياته وأهدافه، من المهم الإشارة إلى تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأنه رفع العقوبات بناء على طلب تركيا و«إسرائيل»، وأن واشنطن تكفلت بمعالجة التحفظ الصيني، الذي كان يهدد باستخدام «الفيتو» لمنع إصداره وكان هناك إصرار على إصداره قبل زيارة الشرع لواشنطن.
أما القرار نفسه، فيحمل عدة مؤشرات هامة، يمكن أن توضح غاياته وتداعياته، المتوقعة على الأرض، والتي تظهر بأنه أبعد بكثير من الموضوع السوري، وأهمها:
- صدوره استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يفتح الباب أمام احتمالات استخدام القوة العسكرية، أو فرض عقوبات في حال انتهاك بنوده.
- شطب الشرع وخطّاب من «قوائم الإرهاب» تمّ وفق شروط تتضمن بندًا صريحًا ينص على وضع سوريا تحت الفصل السابع بشكل كامل إذا لم تُنفَّذ مطالب مجلس الأمن ضمن الإطار الزمني المحدد، ويتم إعادة إدراج الاسمين، إلى «قوائم الإرهاب» تلقائيًا.
- يتضمن القرار أحكاماً خاصة، تهدف إلى حماية «الأقليات» في سوريا، من أي انتهاكات قد ترتكبها سلطة الشرع، ويمنح الفصل السابع مجلس الأمن، صلاحية اتخاذ إجراءات عسكرية، أو فرض عقوبات، في حال ثبوت انتهاكات ضد هذه الأقليات.
- القرار لا يعني نقل السيادة السورية تحت الفصل السابع، لكنه يمنح المجتمع الدولي صلاحية مباشرة، لاستخدام أدوات هذا الفصل لتنفيذ بنوده، ومنها استهداف الفصائل المصنّفة إرهابية، بما فيها تلك المرتبطة بالسلطة المؤقّتة.
- القرار الجديد، يتضمن تعديلاً جوهرياَ، على القرار السابق (2254)، بنقل التنفيذ الفعلي، من مبدأ التفاوض، إلى التنفيذ العملي، والميداني على الأرض، تحت الفصل السابع.
هذه البنود، التي تؤسس لتغيير جوهري في بنية السلطة في سورية، تشكل استكمالاً لعملية «التغيير» الدراماتيكي لنظام الرئيس الأسد، والانتقال إلى رسم هوية الدولة السورية، ودورها الإقليمي، وهذا التغيير وتداعياته، ستكون على مرحلتين الأولى داخلية، وتتضمن:
- إخراج المسلحين الأجانب من سوريا، ومنها الفصائل المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام، التي كان يرأسها الشرع، وشاركت في عملية السيطرة على دمشق..
- التصدي لتنظيم «داعش».
- حماية «الأقليات» وإقامة سلطة لامركزية، قد تأخذ شكل الفيدرالية.
- تنفيذ مقتضيات قرار مجلس الأمن رقم (2254)، الذي صدر عام 2015، والذي يتضمن إقامة سلطة انتقالية، تأخذ على عاتقها، وضع دستور جديد، على أساس المواطنة، وإجراء انتخابات عامة، بإشراف أممي.
أما المرحلة الثانية وهي الأخطر، وتتعلق بدور سورية الإقليمي، وأهمها:
- توقيع اتفاق أمني مع الكيان «الإسرائيلي»، يؤدي لاحقاً إلى تطبيع كامل، وهو ما أكده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بقوله «نحن نناقش مع سورية، شيئا لم يكن حتى في الخيال، قبل «انتصارنا الكبير» على حزب الله».
- توقيع سوريا على «الاتفاق الإبراهيمي».
- تقاسم النفوذ، بين تركيا والكيان «الإسرائيلي».
- إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية، يقال إنها في مطار المزة، على طرف دمشق، إضافة إلى قاعدة «التنف»، وقيام تحالف عسكري وأمني سوري أمريكي، وتحالف اقتصادي، يسمح خلاله بدخول الشركات الأمريكية، للمشاركة في إعادة الإعمار، وفي كافة القطاعات الاقتصادية.
- البحث لاحقاً، بموضوع الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية.
زيارة الشرع إلى واشنطن، تأتي لاستكمال الاتفاق، على تفاصيل قرار مجلس الأمن رقم (2799)، وكخطوة أولى عملية، نحو تنفيذ القرار، وهذا يؤكد أن الوضع في سورية والمنطقة، مقبل على تطورات دراماتيكية، سنرى تنفيذها تباعاً، فور عودة الشرع من واشنطن، وعلى مرحلتين، الأولى سورية داخلية، تتضمن إقالات وتصفيات لقياديين، ومن الأسماء التي يتم ترديدها «أبو عمشة، فهيم عيسى، حاتم أبو شقرا، سيف أبو بكر» وهذا قد يفتح المجال أمام احتمالات وقوع صدام بين أطراف السلطة، قد يتحول إلى صراعات دموية، لكن مرجعية كل هذه الفصائل، لنفس الجهات التي تقف وراء قرار مجلس الأمن، قد يغلب أولوية إيجاد مكان ودور لها ولقادتها، سواء داخل أو خارج سورية، لكنها لن تكون ضمن مؤسسات الحكم المستقبلية.
كما يتوقع أن نرى ترجمة داخلية لذلك، عبر تعديل البيان الدستوري، كخطوة أولى نحو إقرار دستور جديد، وتشكيل حكومة أوسع تمثيلاً، وإعادة هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، والبدء بتنفيذ النظام اللامركزي، أو الفيدرالي، على أمل أن يحل ذلك، المشاكل القائمة، بين السلطة والوضع في الساحل السوري، والسويداء، ومناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية.
أما التداعيات الإقليمية، لقرار مجلس الأمن، وزيارة الشرع لواشنطن، فلن تكون أقل دراماتيكية، من جانبها السوري، حيث يتوقع أن يمهد تقاسم النفوذ الاتفاق (التركي -«الإسرائيلي»)، والدور الأمريكي الجديد في سورية، إلى إطلاق يد تركيا و«إسرائيل»، لتولي مهمة القضاء على «الإرهاب» في كافة الدول المجاورة لسوريا، (والمقصود فيها المقاومة) فتركيا ستقيم قاعدة عسكرية في دير الزور، لمنع «تهريب» الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان، وتغيير الوضع السياسي في العراق، ومحاربة الحشد الشعبي، وأيضاً وصول القوات التركية إلى قطاع غزة، والمشاركة في القضاء على حماس، وإعادة إعمار غزة.
وأما بالنسبة إلى «إسرائيل» فإنها ستتولى مهمة السيطرة على جنوب سورية بالكامل، ومحاولة القضاء على حزب الله.
وبالتأكيد فإن هذه الترتيبات ستتضمن البحث في كيفية التعامل مع اليمن، الذي يشكل حالة أرق لواشنطن و»تل أبيب»، وكذلك الوضع في إيران، وهذا قد يستلزم جولة ثانية من المواجهة مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
والتساؤل الكبير هنا: ماذا عن السعودية، التي تسعى لتولي قيادة المنطقة، ودخلت وراء الكواليس، في صراع شرس مع تركيا، لتولي هذا الدور، وكانت الصورة تبدو أنها نجحت في ذلك، لكن التطورات التي جرت بعد قرار وقف القتال في غزة، ثم قرار مجلس الأمن حول سورية، يبدو أنها أعادت الأمل لتركيا، مما يؤكد بأن قيادة المنطقة لم تحسم بعد بين تركيا والسعودية.