السادات وعرفات بين «كامبين»!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
بعد توقيعه أول اتفاق «كامب ديفيد»، وهو أول تطبيع «علني» مع «إسرائيل»، فإن أشهر ما قاله الرئيس المصري «السادات» أنه لا حرب بدون مصر. وربطاً بهذا القول الساداتي ظل يُطرح أن حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب مع «إسرائيل».
لعل طرح السادات جاء من خلفيته المعرفية بالأنظمة العربية ووجود تطبيع غير معلن لعدد من الأنظمة العربية مع «إسرائيل»، وذلك ما كشفته أو أكدته التطورات اللاحقة حتى الآن.
فهذا القول الساداتي قد يكون صحيحاً من ربط الحروب بالأنظمة العربية؛ ولكن كان يستحيل على السادات أو غيره تصور تطورات أوضاع كالمقاومة في لبنان كما «حزب الله»، والأكثر استحالة أن يفكر في غزة، التي ظلت لسنوات طويلة تحت السلطة المصرية حتى هزيمة 1967. كان يستحيل التفكير بأن الإخوان في مصر سيصلون إلى الحكم ربطاً بالمشروع الأمريكي، وهم الذين قتلوه (أي السادات) عام 1982، وحين وصلوا للحكم كرموه بوسام رفيع وقالوا إنهم سيلتقون به في «الجنة»، وذلك يعني أنهم بقتله أرسلوه إلى النار، وبعد أكثر من عقود ثلاثة أعادوا إرساله إلى «الجنة»، فهل ذلك من صكوك غفران الكنيسة المسيحية وبعد وفاته؟!
إذن، السادات يعلم أن الإخوان الذين أرسلوه إلى «النار» قد كرموه وأعادوا تصديره إلى «الجنة»، فالمفترض أن يعلم أن غزة، وعلى رأسها «حماس»، استطاعت خوض حرب ضد «إسرائيل» بدون مصر وبدون الأنظمة العربية، بل وأنجزت غزة وفصائل المقاومة ما لم تستطعه مصر والأنظمة العربية بجيوشها؟!
ومع ذلك فنحن فقط نذّكر للاستيعاب ونحن من هذه الأنظمة عليها من نفسها، لأننا لا نفقد الأمل، وتظل السلامة والسلمية، وتبتعد عن الصراعات البينية، وبغض النظر عن آخرين يسيرون أو قد يسيرون في ذلك.
في مسألة أخرى ترتبط بالمشروع الأمريكي في تطورات المنطقة، فإن الأمن القومي العربي، الذي ربط ما ارتبط بتهديد «إسرائيل» منذ عهد جمال عبدالناصر، قد تم ربطه وتجييره على إيران حتى وصل الذروة خلال ما عُرف بـ»الربيع العربي».
ما كشفه فعل المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ثم العدوان على غزة، هو حقيقة أن «إسرائيل» هي عدو العروبة والإسلام، وهي الخطر على الأمن القومي العربي، وقضية تهجير سكان غزة إلى مصر وسكان الضفة إلى الأردن هي بين المشاريع التي جاءت من رحم «كامب ديفيد» كمشروع تم الوصول إلى تفعيله واقعياً بمعزل عما حدث في غزة، وبالتالي فإن «كامب ديفيد» كانت الخطر الأشد والأخطر على الأمن القومي العربي، ولكن الأنظمة بقدر ما انغمست في الأمركة تسير في ولاء وموالاة لـ«إسرائيل» ولا يحتاج لعلنية إلا بعد أن يكمل المشروع الأمريكي تطويع الشعوب للتطبيع.
مشروع التهجير إلى مصر والأردن معروف وعُرض على خلف السادات في مصر (مبارك)، وبالتالي هو مشروع جاهز أمريكياً و«إسرائيليا»، والطبيعي أن تحاول أمريكا و«إسرائيل» استعماله في أي مستجد، ولهذا فالأنظمة يعنيها أن تعي أن خيار ومحور المقاومة خيار واقعي لمواجهة هذا الإجرام «الإسرائيلي» المتصاعد وبقيادة أسوأ تطرف وأشنع إرهاب عرفه التاريخ.
ما دامت المقاومة ومحورها لا تستهدف الأنظمة العربية، وذلك واضح وأكيد، فإن علينا جميعاً التعامل مع الأمر الواقع للأنظمة والأمر الواقع للمقاومة، وأن لا نقبل أن يتم جرنا لأي صراعات بينية أو داخلية، وذلك ممكن وبالإمكان السير فيه والتعايش على أساسه.
وكون خياري هو مع محور المقاومة فإني أطلب من كل الفصائل والتنظيمات فيه أن تؤكد واقعياً وعملياً هذا الخيار الواعي والواقعي لتفويت الفرصة على فاعليه ومستعمليه في هذا الدور. وأعتقد أن الأنظمة لو تعمقت في الواقع وفي قراءة المتغيرات ستجد أن هذا الخيار السلمي والتعايشي هو الأفضل والأمثل لها، فالأفضل كان أن لا يتم قتل «السادات» وليس تكريمه بعد عقود ثلاثة أو أكثر من وفاته.
«إسرائيل» قتلت ياسر عرفات بالسم ولكن بأيادٍ فلسطينية ليست حمساوية، وبالتالي تعلمت حماس من متراكم التجارب أن تواجه العدو الحقيقي لفلسطين وللعرب والمسلمين، فترفعت وارتفعت في الوزن والمقام.
السادات نال جائزة «نوبل» بشراكة «إسرائيلية» وكذلك عرفات؛ لكن الأول صُفّي جسدياً وكُرّم بعد عقود من وفاته، فيما الثاني صفّته «إسرائيل» كـ«إرهابي» حين رفض تنفيذ مطالبها ومآربها في آخر «كامب ديفيد» مع الرئيس الأمريكي كلينتون، ولنا الاعتبار من المفارقات والمقاربات!

أترك تعليقاً

التعليقات