أمريكا بين خياري الحل والحرب!!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
عادة فإننا كبشر عندما يصبح أي مستجد أو حدث كبير ومؤثر أمراً واقعاً، نميل إلى تقديم «الذات»، أنها كانت تعرف أو تتوقع أو تعلم بمجيء هذا الحدث.
ذات مرة وفي أعياد ثورة سبتمبر، استضافت إذاعة صنعاء الوزير المرحوم عبدالله الكرشمي، وكانت محورية هذه اللقاءات: أين كنت ليلة 26 سبتمبر؟
كل من استضيفوا في هذه اللقاءات كانوا يتحدثون عن أدوارهم الثورية ليلة الثورة وقبلها وليس فقط بعدها.
الوزير الكرشمي خالف هذه القاعدة المتبعة، وقال ببساطة: «كنت نائماً، ولا فكرة لديّ ولا علم لي بقيام ثورة، وذلك ما سمعته في اليوم الأول للثورة». وبهذا انتهى اللقاء أو انتفى الهدف من اختياره برامجياً في أيام أعياد الثورة.
في ثورات 2011 وامتدادها 2014، فالأحداث تجري أمامنا، لأنها لم تعد سرية التخطيط أو التنفيذ، بغض النظر عن خلافات كونها ثورات أو غير ثورات، وكأننا صرنا نحتكم  للفعل أو التفعيل الثوري في الواقع وبالوقائع.
فنحن أصبحنا في القياس مثلاً نقيس بالأفعال والتفعيل بفترة حكم عبد ربه منصور والإخوان بعد توقيع المبادرة الخليجية، وبالمقابل بالأفعال والتفعيل لما بعد ثورة 2014، وفي ذلك واقعية وموضوعية لا تنكر في أي أساس وقياس.
هذه الفترة بعد 2014، وما تبعه كرد فعل في عدوان 2015، ارتبط بإعادة إشهار تراث شعبي (الزامل) وإحداث إيقاعات وتطوير ليصبح سلاحاً في مواجهة العدوان.
كنت أتوقف مثلاً عند زامل من هذه الزوامل يقول: «ما نبالي ما نبالي ما نبالي، واجعلوها حرب كبرى عالمية...».
ربما يتوقع أو المفترض في الأمر الواقع الجديد أن أقول إنني وأنا أسمع مثل هذا كنت أتوقع كل ما حدث وهو لم يخرج عن تكهناتي أو توقعاتي؛ لكن في واقع الأمر كانت هذه  المقولة (الزامل) لا وقع لها ولن يكون لها واقع في المستقبل، والأكثر أنني حتى الآن لا أرى نفسي أخطأت كوني ارتكزت على واقع ومعلومة واستقراء واقعي، وإن كنت أخطأت  فليس عمداً ولا من أبواب أو مداخل صراعات، فأيهما أصدق؛ ما قاله الوزير الكرشمي كوزير أم ما قاله الآخرون السبتمبريون؟! ولكل من يريد الحق في تخطيئي كون الزمن أثبت ما كنت لا أتوقعه البتة.
كنت في حياتي المهنية المتواضعة ضد النظام السعودي ربطاً بوصاية فرضها على اليمن، ولاحقاً ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وضد الأمركة التي استشرت أو انتشرت، كما كنت ضد الفساد الذي تضاعف وتجاوز كل التقديرات. ولهذا سرت في امتداد هذه المواقف ضد العدوان على اليمن وضد التطبيع والأمركة في سياق جديد المتطور والمتغير، وبالتالي فإنني  أظل ضد الفساد ما استطعت، وإن باللسان إن لم يعد يتاح أو يسمح بالقلم، وهذا في إطار السياق؛ لكنه ليس المراد في ما أطرحه اليوم.
هل يمكن أن تشتعل حرب إقليمية أو عالمية من خلال البحر الأحمر وباب المندب في ظل مأزق لم تواجه مثله أمريكا وربيبها الكيان الصهيوني من قبل؟!
أمريكا في الكلام تقول إنها لا تريد توسيع الحرب على غزة إلى حرب إقليمية، ولكن في البحر الأحمر وتجاه اليمن كأنما تدفع إلى حرب عالمية وليس فقط إقليمية؛ فلماذا؟
دعوني أقُلْ إن لديّ مستوى من التصديق لأمريكا بأنها لا تريد حرباً عالمية، ومع ذلك فهي تسير في هذا من خلال مسلكها بأن تكون صهيونية أكثر من الكيان الصهيوني؛ لأنها في السلوك والأفعال مع الإبادة الجماعية لسكان غزة وللشعب الفلسطيني مهما ناورت كلامياً وإعلامياً لإخفاء أو تخفيف ذلك.
فأمريكا تمنع إنهاء العدوان على غزة وتعطّل أي قرار لوقف إطلاق نار ملزم، وهي في البحر الأحمر تشترط مرور السفن الصهيونية أو التي تمر إلى موانئ فلسطين المحتلة أو تسعى لمنع كل السفن من المرور في البحر الأحمر، وهذا منتهى الغباء ومنتهى الحماقة، والمصيبة تفكيرها بأن هذا هو الذكاء السياسي والحكمة والحنكة السياسية!
أستطيع القول بأن ما يجري في العالم هو ثورة ضد أمريكا، ولكنها ثورة «يا عمال العالم اتحدوا»، التي تبناها السوفييت بالنظرية والفكر الشيوعيين، ولكنها ثورة المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في أنحاء العالم، بما في ذلك داخل أمريكا ومن الشعب الأمريكي.
في ظل هذا الوضع العالمي الثائر ضد الاستعمار القديم وامتداده «الاستعمال» الجديد، فأمريكا تخطئ في حق نفسها ومستقبلها حين تدفع لحرب إقليمية وعالمية أو حين تظل في الدوائر الضيقة باستعمال صنيعتها (الإرهاب) كحرب بالإرهاب وحرب ضد الإرهاب، وحين تتبنى الإرهاب والإجرام الأسوأ في التاريخ الحديث.
أمريكا ببساطة وبكل أفعالها وتفعيلها للحروب ضد العالم بالإرهاب بوجهيه وبالحروب الجرثومية الوبائية باتت مكشوفة ومفضوحة، وأصبحنا مقدماً نعرف أنها ستستعمل «حماس» أو الإسلام لتبرير أي إجرام أو جرائم صهيونية.
إذن أمريكا لم تعد قادرة على إنتاج ألعاب جديدة يمكن أن تمرر ويمكن أن يصدقها العالم، فإن هذا الاضطرار (المأزقي) لاستعمال قديم ألعابها كما إدانة «حماس»، لم يعد له من  تأثير غير المزيد والمزيد من انفضاح أمريكا في ظل ثورة عالمية غير مسبوقة ضدها.
ولذلك فليس أمام أمريكا غير السير في منطق العقل والموضوعية بإنهاء العدوان على غزة، وإلا فإنها تدفع لحرب إقليمية -وربما عالمية- حتى وإن كانت لا تريد ذلك، بل وتعرف أن ذلك ليس من مصلحتها ولا من مصلحة الكيان الصهيوني أيضاً.
أصبحت الآن أرى أن «لا نبالي لا نبالي لا نبالي، واجعلوها حرب كبرى عالمية» باتت واقعية، وإن كنت لا أدري إن كان القائل أو الشاعر يستقرئ ما جرى أم أنه قالها بدافع  التحفيز وشحذ الهمم وغير ذلك.
ولهذا أملي من المتلقي أو القارئ ألا يظل في الدوائر ومساحات الصراعات الضيقة، لأنه بسبب ذلك انهارت وتفتتت دولة عظمى (الاتحاد السوفييتي). كما أن ذلك بات بين عوامل تهاوي وانهيار دولة عظمى اسمها «الولايات المتحدة الأمريكية».
العالم كله يقول إن الكرة باتت في الملعب الأمريكي، وأن على أمريكا أن تختار؛ إما إيقاف العدوان على غزة وإما حرباً إقليمية أو عالمية، ولا يوجد خيار غير ذلك، كما لم تعد كل ألعاب أمريكا المتراكمة والقائمة تجدي أو ذات جدوى، ولأمريكا أن تختار وفق بيت من أشعار نزار قباني: «إني خيرتك فاختاري، ما بين الجنة والنار»، و»لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار»!!

أترك تعليقاً

التعليقات