مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
قالوا إن الرئيس الأمريكي، بايدن، اشتاط غضباً على نتنياهو، وأغلق التلفون في وجهه، ومورس انقطاع أو قطيعة بينهما لأكثـر من شهر، فما الذي جرى بعد ذلك؟
استأنف بايدن الاتصال مع النتن، وبعد هذه المكالمة زف البشرى للعالم بأن نتنياهو لم يعد يعترض على «حل الدولتين»!!
لاحظوا أن بايدن استعمل «عدم اعتراض نتنياهو»، ولم يقل إن نتنياهو وافق على ما يسمى «حل الدولتين»!
خلال ساعة أو ساعات خرجت تصريحات مكتب نتنياهو، لا لتنفي فقط عدم اعتراض نتنياهو، بل وتؤكد رفضه القاطع لما يسمى «حل الدولتين».
إنها لعبة أمريكية - صهيونية سخيفة وسامجة؛ ولكنها لم تعد تفيد أمريكا ولا «إسرائيل» في شيء تجاه تموضعها المأزقي والمكارثي في العالم أو المنطقة، والأهم أن مثل هذه الألعاب لم يعد يتوفر لها الحد الأدنى من التصديق، وباتت فقط ثنائية ألعاب تجسد أزمتهما متعددة الأوجه وضمن تخريجات للإعلام لا علاقة لها بالعالم ولا بأي واقع أو واقعية في العالم.
أمريكا كأنما تتشبث بماضوية تجاوزها واقع العالم، ويتجاوزها و«إسرائيل» شريكة الماضوية البريطانية الأمريكية في كل المراحل والأبعاد، وكلاهما يعي هذا أو يفهمه؛ ولكنهما في مأزق المتغيرات والتغيير عالمياً وإقليمياً لا يستطيعان التعامل بواقعيته ومع واقعية، فيسيران في خيارات التخبط وردود الأفعال، ومن ذلك الماضوية الأقرب والأبعد للاستعمار ثم للاستعمال، والذي يجري في غزة مثل إبادة الهنود الحُمر في أمريكا وحتى سكان أستراليا، وكل ما في الأمر هو أن بايدن لديه حاجة لاستعمال يافطة «حل الدولتين»، فيما نتنياهو يرفض حتى «الحل اليافطة» أو «يافطة الحل»، وإذا جاز القول إن بايدن ونتنياهو مختلفان حول حل فضفاض ويافطي فذلك أقصى ما يمكن لعقل عاقل تصديقه.
ما تسوّق له إدارة بايدن هو ثلاثة مرتكزات: أولها طبعاً: «أمن إسرائيل»، وثانيها: التطبيع العربي مع «إسرائيل»، أما آخرها ومؤخرتها فهو: الدولة الفلسطينية المزعومة.
فإذا كان «أمن إسرائيل» كبديهية أمريكية هو الأولوية فلتكن «الدولة الفلسطينية» هي التالي أو الثاني، ثم ليصبح للتطبيع تخريجات بحد أدنى من القبول أو الإقناع، فيما تأخيرها إلى «المؤخرة» لا يمثل إلا فكرة لتمكين الكيان الصهيوني في المنطقة، ويصبح الحل بعد ذلك تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية، وفكرة دولة فلسطينية هي فقط لتمرير التطبيع الذي أجهضته غزة ومقاومتها، ويراد إحياؤه وعلى حساب غزة وشعبيتها ومقاومتها.
والخلاف المزعوم و«البشرى» الأمريكية هي أساس مؤامرة التدبير والتمرير أمريكياً و«إسرائيلياً» لتصفية القضية الفلسطينية، وباسم حل لفلسطين وللفلسطينيين، ولكن حبكة التآمر والمؤامرة ساذجة إلى حد البلاهة، ولم تعد تمرر إلا على عملاء وخونة، أكانوا من الفلسطينيين أو أنظمة عربية.
بعدما عُرفت حرب 1973 وأول «كامب ديفيد»، جاء مستشار الرئيس الأمريكي، بريجسنكي، والتقى بملك السعودية، فهد، ورئيس مصر، السادات، وأقنعهما بأولوية الجهاد ضد «الإلحاد» في أفغانستان، وطرح عليهما أن أمريكا ستلتزم مقابل ذلك بحل قضية فلسطين وإنهاء ما عُرف بـ»صراع الشرق الأوسط»، وتولد من ذلك ما عُرف بـ»مؤتمر مدريد» الذي تولد منه «اتفاق أوسلو»؛ ولكن القضية لم تحل، والدولة الفلسطينية لم تأت ولم تحل، وبالتالي فأحداث غزة أفسدت التآمر التطبيعي بما يتطلب هذه الفكرة، لأن المفترض أن نفرح بالخلاف المزعوم ونقبل بدولة مزعومة لن تأتي ولن نصل إليها.
إذن، الأولوية الأمريكية لنا كانت الجهاد ضد «الإلحاد» في أفغانستان، فالأولوية الأمريكية لنا الآن هو الجهاد ضد «حماس»، والمستحيل أن حقق الثنائي (بايدن – نتنياهو) أحلام اقتلاع «حماس» (المستحيل)، بعد ذلك حل لفلسطين أو مجيء دولة فلسطينية ليس إلا مجرد «يافطة» كما تتجسد في محمود عباس ولحماية أمن الصهاينة والدولة الفلسطينية ليس أكثر.
إنني أثق بمحور المقاومة لإسناد فلسطين تجاه هذا المخطط ورفض «صفقة القرن» من باب أو واجهة؛ ولكني لا أثق بأنظمة عربية، ولا بما تسمى سلطة فلسطينية، حتى لو ساروا في مواقف كلامية أو إعلامية تبدو غير ذلك أو مغايرة.
لست مع تصادم بأنظمة عربية؛ ولكني أرى الحاجة إلى استراتيجية تحتويها أو تحيدها على الأقل للحيلولة -وذلك ممكن- إلى عدم السير في أي تطبيع إلا بعد أن تصبح دولة فلسطين واقعاً وأمراً واقعاً، والأفضل استعمال قوة وشعبية محور المقاومة لخدمة هذا السقف أو الهدف في إطار استراتيجية دون تصادمات أو تشجيع انقلابات أو غير ذلك، بما سيمكن الأمريكي من تخليق استراتيجية قد تعيده إلى مستوى «توازن» وبالتبعية الكيان الصهيوني، وبالتالي فنحن نشترط الوصول واقعاً وواقعياً إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة، ونرفض أي تطبيع قبل ذلك، فهذا فقط ما يضع أمريكا في المحك لتثبت حداً أدنى من المصداقية، أو لتتأكد مؤامرة ليست بالجديدة على أمريكا التي ليس لها أولويات غير «إسرائيل» ثم «أمن إسرائيل» ثم التطبيع مع «إسرائيل».
الأنظمة العربية يعيها بل يعنيها أن تربط مصالح بميزان وتوازن التغيير والمتغيرات. ولعلّي كيمني لم أكن أحلم بأن طرفاً يمنياً سيواجه أمريكا بمستوى ما حدث في البحرين الأحمر والعربي، ومن بداهات ذلك أن أمريكا لم تعد تبقي أو تزيح نظاماً، ومثل هذا ثابت لم يعد يحتاج إلى إثبات.
قبل «طوفان الأقصى» سمعت حاكماً عربياً يطلب من «إسرائيل» ما سماه «تحسين الحياة المعيشية للفلسطينيين»، وكأنه شرط التطبيع، ومن مثل هذا الطرح المتخلف عن الفهم للمتغيرات أو الوعي بها ما يخيف أو ما يقلق.
لا نحتاج لضمانات بريجنسكي قبل جهاد أفغانستان، ولا استعمالنا لـ بريمر في غزة، ونطلب فقط رفض أي تطبيع إلا بعد تحقق دولة فلسطينية كاملة السيادة، وهذا أسهل بكثير من مهازل جهاد أفغانستان والشيشان وما استنسخ منه أمريكياً كـ»إرهاب» و»حرب ضد الإرهاب»، وكله إجرام أمريكي كما إجرام الحروب الجرثومية من الإيدز حتى كورونا.

أترك تعليقاً

التعليقات