تطبيع الشهرين أو السنتين سعودياً!!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
في ظل ما عُرفت بالحرب الباردة بين أمريكا والسوفييت، أهم ما علق في ذهني من طرف السوفييت محوريتان متشابكتان: الأولى: أن الحاكم الفعلي لأمريكا هي الرأسمالية، والثانية: أن ما يسمى "الديمقراطية الأمريكية" هي ديمقراطية موجهة من الرأسمالية.
ربما مثل هذا الطرح كان يُتلقف باعتباره تخريجات للصراع؛ غير أن الرأسمالية لم تكن بالوضوح ولا بالعنجهية والصلف كما الحالة الآن. ومع ذلك فإن رئيس أمريكا، آيزنهاور كما أتذكر، في خطاب له قال للأمريكيين: "إن عدوكم على مدى بعيد -أو أبعد- ليس الشيوعية ولا السوفييت، بل ستكون الرأسمالية".
التطورات الأمريكية بعد اندثار الاتحاد السوفييتي أكدت وبجلاء ووضوح أن الحاكم الفعلي الخفي في أمريكا هي فعلاً الرأسمالية، وأن الرأسمالية هي الموجه للديمقراطية في أمريكا، وفي منطقتنا كل المشاهد والشواهد التي تؤكد وتثبت ذلك.
عندما نتحدث عن اللوبي الصهيوني أو الـ"إيباك" فنحن نتحدث ربط أو ارتباط لـ"إسرائيل" بالحاكم الفعلي لأمريكا وهي الرأسمالية، وهذا يعني أن علينا تجاوز ما إذا كانت أمريكا تحكم "إسرائيل" أو أن "إسرائيل" تحكم أمريكا، فالرأسمالية "الإمبريالية" هي التي تحكم كليهما، وهي التي سعت -ومازالت- لحكم العالم.
لكل رئيس أمريكي هامش لإثبات أنه رئيس فعلي؛ لكن لا رئيس أمريكي يمكنه تجاوز الخطوط العريضة للحاكم الفعلي (الرأسمالية)، وبالذات بعد اندثار وتفتت الاتحاد السوفييتي، ولهذا قد يتاح هامش لتعامل رئيس وآخر مع أوكرانيا، لكن مثل هذا الهامش لا وجود له مع "إسرائيل"؛ لأن "إسرائيل" ترتبط شرعيتها ومشروعيتها بالحاكم الفعلي لأمريكا (الرأسمالية)، والرئيس الأمريكي منفذ أو تنفيذي لما تريده الرأسمالية الحاكمة، وإن أعطي قدرات في هذا الهامش لحاجة إثبات أنه ليس ذلك ولا كذلك، فهذا يخدم الرأسمالية، لأن انكشافها عالمياً أنها الحاكم الفعلي لأمريكا ليس لصالحها، فذلك يؤكد أنه لا وجود لما تسمى مؤسساتية أو حتى ديمقراطية إلا بقدر ما يكون سقف الخطوط العريضة للرسملة والرأسمالية، وهذا ما سيجعل الشعب الأمريكي وشعوب العالم في ثورة ضد الرأسمالية، بدلاً من تفريغ هذه الطاقة ضد الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهما مجرد أداتين للاستعمال في مسرح الرأسمالية الأمريكي.
ولهذا لو رجعنا أو راجعنا كل التطورات منذ اندثار الاتحاد السوفييتي فسنجدها مرتبطة عضوياً بخيارات وأهداف ومصالح الرأسمالية، وما تسمى الولايات المتحدة هي مجرد غطاء وتغطية، مثل الحزبين والرؤساء الأمريكيين أدوات وظيفية وتنفيذية فقط.
الحرب على العراق وحتى في أوكرانيا هي حروب الرأسمالية، تنفذ بما يسمى "إدارات وسياسات أمريكية"، حيث تحول العالم مما كانت تسمى "الحرب الباردة" إلى ما يعرف بـ"المسرح العالمي الحي".
إنها حروب ممسرحة أمريكياً، ومنها حرب 1973. ولكن أمريكا لم يعد بمقدورها ضبط مسرح الحروب منذ الحالة الأوكرانية ثم في أفريقيا حتى مفاجأة 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في غزة، بسبب ثقل وسقف المستجدات والمتغيرات من روسيا والصين، ثم أي قوى هي في عداء بأي مستوى، وهو عداء بالطبع مع الحاكم الفعلي (الرأسمالية).
ولنا قياس التحرك الأمريكي بالخلفية الرأسمالية الخافية (وباتت فقط تتخفى)، لأنها باتت تخاف فوق قدرات الإخفاء.
فأمريكا تريد أن تحقق لـ"إسرائيل" ما عجزت فيه وعنه عسكرياً وسياسياً، وكل من يحارب "إسرائيل" ويرفض الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني هو عدو أمريكا، بمن في ذلك أطفال ونساء الشعب الفلسطيني.
مثلما "إسرائيل" ترتكب جرائم إبادة غير مسبوقة تاريخياً، فإنها تطرح شعار حق الدفاع عن النفس، وأمريكا تؤيد وتدعم. أمريكا كذلك تشن الحروب والعدوان على العراق وسورية واليمن وتقول إنه دفاع عن النفس أيضاً!
بديهية في كل الشرائع والقوانين الدولية أن أي احتلال لا مشروعية لاحتلاله ولا حق له في أن يستعمل شعار "الدفاع عن النفس"؛ ولكن الرأسمالية وبعد اندثار السوفييت باتت ترى أنها هي المجتمع الدولي، وهي "القانون الدولي"، وعلى ما تسمى "إدارات ورؤساء أمريكا" أن يجدوا تخريجات لتنفيذ وتبرير ذلك، وهذا ما يمارس ويعتمل أمامنا عالمياً.
عندما تطرح أمريكا حتمية تطبيع سعودي - "إسرائيلي" أو تضغط لتسوية في جبهة لبنان، فلخدمة "إسرائيل" ومشاريعها وأطماعها. وكل ما يطرح غير ذلك أو فيه من التباين والمغامرة فلخدمة الصهاينة كمشروع ومشروعية، بما في ذلك ما يسمى "حل الدولتين".
أؤكد هنا أنه لولا المتغير العالمي ما كان ملف خاشقجي ليعلق، ولا قانون "جاستا" يعلق كذلك. وأثق أن النظام السعودي يعرف -بأكثر دقة مني- علاقة الملفين بالرسملة في منطقتنا والحاكم الفعلي لأمريكا، وهي الرأسمالية.
ولذلك أتمنى على الأقل عدم الاندفاع بالسقف والهدف الأمريكي في التطبيع مع الكيان الصهيوني. إن المسألة -ربطاً بالعروبة والإسلام- ضمن منطلق مصالح هذه الأنظمة بمدى أبعد.
الرئيس الأمريكي، الذي حذّر شعبه من العدو الأبعد (الرأسمالية)، غادر الحياة، فيما الرئيس الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض (ترامب) تحدث عن بقرة حلوب سيتم ذبحها بعد أن يجف الحليب. فهل مثل هذا المشهد والنهاية يستحق التعجيل أو الهرولة للتطبيع مع "إسرائيل"؟!
أمريكا في إطار مخاوف حاكمها (الرأسمالية) حددت شهرين كسقف للتطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، فلماذا لا يكون السقف سنتين، كواقعية، وليس من خطر في ذلك؟!
الرأسمالية ترى أنه خلال السنتين قد يتجاوز المتغير عالمياً التطبيع أو حاجيته، فهل مصلحة النظام السعودي هي في تفضيل الشهرين أم هي في أفضلية السنتين؟!

أترك تعليقاً

التعليقات