مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
من البداهات المعروفة هو أن محور المقاومة الذي يواجه عدوان وجرائم الكيان الصهيوني بأعلى إبادة جماعية له غرفة مشتركة تنسق أنشطته ونضاله.
بالمقابل فإن أمريكا والاتحاد الأوروبي يشاركان في حرب العدوان والإجرام الصهيوني، مع فارق أن أمريكا وبريطانيا «الأنجلوسكسونية» هما بمثابة «إسرائيل» في الموقف أكثر من «إسرائيل».
وبالمقارنة فإن روسيا والصين وهما طرف في الصراع الدولي ليسا في موقف يقاس بالموقف الأمريكي الغربي وهو يقدم موقفاً سياسياً إعلامياً عن غياب العدل وتغييب حده الأدنى من قبل أمريكا.
هذا الموقف الروسي الصيني يندرج تحت توصيف الدعوة لالتزام الحق أو العدل وفي رفض مأساة الشعب الفلسطيني ورفض إبادته وتهجير إعلامي وسياسي كسقف لهذا الموقف.
إيران موجودة في محور المقاومة بغرفته المشتركة وفي واقع النضال الفلسطيني، ومن غير الواقعي أو المنطقي أن نطالبها ومن طرفها بتفجير حرب إقليمية ربطاً بحسابات روسيا والصين في احتمالية حرب عالمية، وبالتالي فهناك من يعمل ويعمد للعمل على الزج بإيران في ما يعتمل سرياً ومستوى من العلنية.
إنني مثلاً مقتنع بالموقف الممارس كظاهر للأنظمة أو لأنظمة عربية، ولا أطالب هذه الأنظمة بأن تسير في تفعيل حرب وتوسيعها كما يعمد البعض تجاه إيران وهو عمل من مطبخ مشترك لأمريكا و»إسرائيل» وأنظمة عربية، وبالتالي فواقعيتي هي مطالبة الأنظمة العربية في سقف موقفها الظاهري وأن تثبت بالأفعال أنها لا تشارك في تواطؤ سعي لإجهاض وتصفية القضية الفلسطينية في مؤشرات قوية على مشاركة فاعلة لأنظمة عربية في المطبخ السري الأمريكي «الإسرائيلي» وما ينكشف كمؤشرات ومؤثرات قد يتحقق كحقائق ووقائع في مستقبل قريب أو أبعد.
أنظمة عربية تمارس علناً موقف الرفض للتهجير القسري قبلت ما تسميه أمريكا التهجير الطوعي وتطالب بوقت وبسقف بضع سنين للتنفيذ بما يمكنها من السير في خطوات وإجراءات تمنع الضغط الشعبي أو تخفضه على الأقل، وذلك يعني وجود «مطبخ أمريكي -إسرائيلي -عربي» للتعامل مع ما تسميه حكومة الكيان «اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة».
التصور الذي قدمه الإرهابي والمتطرف والمجرم نتنياهو هو مجرد غطاء أو تغطية على ما يمارس سراً في المطبخ ذاته تحت شعار نتنياهو: الإعفاء من الديون وهي دول وظيفية ستدفع للمطالبة المستعجلة لديونها وفق توجيهات المخرج ما لم تقبل بمشروع التهجير الطوعي، فيما هذه الأنظمة لم تعترض على المشروع أو ترفضه وإنما السقف الزمني الذي تطلبه هو ما يرفضه الأمريكي و»الإسرائيلي».
بلينكن يترجم ما يحدث في هذا المطبخ بتصريح يقول فيه: «إن كل الدول العربية تقريباً تريد التطبيع مع الكيان»، فحيث المسألة باتت مسألة وقت للسير في التهجير الطوعي فذلك ما يترجمه بلينكن أنه تطبيع كمطلب عربي.
بعض القنوات العبرية وبعض محلليها يقولون بوضوح إن أنظمة عربية طلبت أن يسمح لها بسقف ما تراه تشدداً في الأداء الإعلامي والتعاطي السياسي كتكتيك حيوي لتجنب أضرار على الأنظمة، ولكن موقف الأنظمة الحقيقي هو ما يعتمل في المطبخ المشترك بالإشراف والقيادة الأمريكي، وأكثر من محلل صهيوني قال إنه مع حفظ ماء الوجه لهذه الأنظمة مادامت تقدم مرونات وتنازلات نوعية في إطار تفاوض تقوده أمريكا والمقصود «المطبخ المشترك».
المشكلة تصبح في كون المقاومة ومحور المقاومة يعرفون هذا بحقائق ومعلومات أدق، لكن المحور يدرك أنه ليس لصالحه كشف ذلك أو حتى فتح حملات سياسية إعلامية تؤثر على مصالحات تتبناها الصين ربطاً بوضع وتموضع «بريكس».
ولهذا فمثل هذا الطرح الهادئ هو لحاجيات الفهم والوعي ربطاً بما يعيشه الشعب الفلسطيني وما تمر به قضيته وليس البتة من مناكفة أو صراع.
من يريد فهم المزيد فعليه الرجوع لموقف السلطة الفلسطينية وما تسمى وزارة خارجيتها في التعامل مع تصور نتنياهو لما سماه «اليوم التالي بعد انتهاء حرب غزة».
ربما لم أكن بحاجة لطرق هذا الموضوع من حقيقة قناعتي أن المقاومة ومحور المقاومة تعرف هذا وما هو أكثر وبشكل أعمق وأدق، وبالتالي فمحور المقاومة لديه سيناريوهات لمواجهة أي احتمال وهو من يقدّر في التعامل والقرار بالقدر الذي يتيحه الصراع الدولي لاستفادة أو تحسين وتطوير أداء المقاومة ومحورها بغير نمطية أمريكا «الإسرائيلية» أو تراكم وصيرورة خنوع أنظمة بما لم يعد يُعقل وليس فقط يُقبل.
فنحن لم نكن نتصور أو حتى نتخيل أننا سنصل إلى زمن لا يستطيع فيه نظام عربي واحد أن يقف مع فلسطين كما البرازيل ورئيسها أو جنوب إفريقيا أو حتى دول في أمريكا اللاتينية قامت بطرد سفير «إسرائيلي» أو أكثر.
رئيس مصر الأسبق مبارك طرد سفير «إسرائيل» خلال العدوان الماضي على غزة، ومع ذلك استمرت العلاقات والتطبيع، فما الذي يجعل مثل هذا أصعب وفوق قدرة تنفيذه الآن؟
ما هو الدافع أو الحاجة لفتح طريق بري بديل للكيان؟ وهل يمكن للأنظمة التي مررت هذا الخط ويمر منها أن توضح لنا الهدف أو الحاجة ربطاً بمأساة الشعب الفلسطيني وربطاً بمواقف دول غير عربية من إفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ وهل مازالت تمارس مكارثية أكثر من ذلك؟
من يتابع الإعلام العبري سيجد مكارثية عربية صيغت في ما سمي «مؤتمر باريس» وفي ما تم وضعه كخطوط عريضة في ما سميت «ورقة باريس».
لو لم تحضر أنظمة عربية هذا المؤتمر وتوافق على هذه الورقة ما كانت شيئاً يذكر حتى من نتنياهو والإعلام العبري، وبالتالي فـ»العوربة» في هذا الملتقى والورقة هي ما يجعل العدو يركز عليها كسلاح أو كشرعنة لتتلقفها ما تسمى سلطة فلسطينية وتكمل دور «العوربة».
كل ما تطرحه الدول التي شاركت في ملتقى باريس إعلامياً وسياسياً وأمام محكمة العدل أو أي جهة هي مناورة وتكتيك، وكان يكفي -بدلاً من ذلك- ألا تحضر «مؤتمر باريس» ولا تشرعن للورقة.
أمريكا و»إسرائيل» وأنظمة عربية ومنها من لم يحضر «مؤتمر باريس» أو تحرّج من الحضور أو لا يحتاج لحضوره اتفقوا على تجريد المقاومة من أهم ورقة لديها وهي «الأسرى» ليفرج عنهم وينفذ بعد ذلك كل ما يدفع وكل ما يوصل لتهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر والأردن ويحتاج تنفيذ التهجير إلى دول أخرى في العالم أوروبية و»رأس الحكمة» في مصر مرتبط بالتهجير ودعم صندوق النقد الدولي للعملة الأردنية هو كذلك ربطاً وارتباطاً.
لا أدري ما لدى محور المقاومة لهذا السيناريو الذي يصار في تنفيذه بتدرج ومراحل لا تقاس بالآنية ولها آلية سرية في موازاة العدوان ستمتد وتتواصل بعد انتهاء العدوان.
هل سيتم الوصول إلى اتفاق يفرج عن الأسرى؟
السيناريو الأمريكي سيسير إلى التنفيذ، إن تم التوصل إلى ذلك، وحتى لو لم يتم، لأن «العوربة» الملعونة في باريس تعطي مبرراً آخر لحكومة الإجرام والتطرف الصهيونية كحالة امتدادية لما عُرف بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني..!

أترك تعليقاً

التعليقات