مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
ألقت أمريكا قنبلتين نوويتين على اليابان بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية.
ولذلك فليس صحيحاً ما قد يروج له أن الهدف كان إيصال اليابان إلى استسلام، لأن الاستسلام كان تحقق.
الهدف كان إرهاب العالم، وإذا من رسالة بجانب ذلك فهي للسوفييت، لأن أمريكا منذ ذلك الزمن كانت وصلت إلى مشروع تمزيق الاتحاد السوفييتي وروسيا تحديداً وتمزيقها للسيطرة على ثروات كبرى لديها.
هذا المشروع الأمريكي الغربي مثّل انهيار السوفييت دفعة كبرى لتجديده، بل وكان بدأ تنفيذه في فترة جورباتشوف ثم يلتسين.
ربما يختلف حول طريقة اختيار "بوتين"، ولكن ما تجمع عليه مختلف الروايات هو أن "يلتسين" كان مع هذا الخيار، ويقال في هذا السياق أن هذه الحسنة -الوحيدة- ليلتسين كفرت عن كل أخطائه وخطاياه.
الاتحاد السوفييتي وهو يتفتت -أو تفتت- لم يذهب لاستعمال السلاح النووي ربطاً بما فعلته أمريكا في اليابان.
وعلى العموم فإن وصول السوفييت للنووي أحدث توازناً لمنع الحروب بهذا السلاح، وهذا ما حدث منذ حرب فيتنام حتى الحرب القائمة في أوكرانيا.
ولهذا فإن ما يجري في أفريقيا وفي منطقتنا بالعدوان على غزة مربوط ومرتبط بجديد الصراع الدولي.
روسيا والصين تخوضان هذا الصراع؛ ولكن من أرضية قضايا ذات مشروعية وتحمل مظلومية متراكمة لشعوب كبيرة، والنضال ضد الاستعمار الفرنسي الغربي في أفريقيا أو نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الذي ولد من رحم الاستعمار القديم وتداخل عضوياً بالاستعمار الحديث "الاستعمال". يقدم ارتكاز روسيا والصين على مستوى من العدل أو القضايا العادلة فوق ألعاب سياسية إعلامية لأمريكا والغرب لإخفاء هذه الحقيقة أو إضعاف تأثيرها.
إذن مصلحة الصين وروسيا هو تحرر وتحرير الشعوب من الاستعمار القديم والحديث في أفريقيا والوطن العربي، فذلك أقرب للتوافق مع قضايانا ومصالحنا، ويعنينا تفعيل هذا التوفيق، خاصة وروسيا تجاوزت شرط الشيوعية الذي سمته أمريكا "الإلحاد" لتوظيف الإسلام كأسلمة في جهاد أفغانستان والشيشان.
مصلحتنا وأفريقيا وكل شعوب العالم هي في التحرر من الاستعمار قديمه وحديثه، بما في ذلك فلسطين والقدس. وإذن هذا التحرر والتحرير هو سقف ما يريده أي طرف في الصراع الدولي ففي ذلك توفيق وتوافق لمصالحنا مع هذا الطرف.
وذات مرة سُئل قائد حركة "حماس" الشهيد أحمد ياسين عن مدى استعداده لقبول الدعم من دولة أو دول بعينها، فأجاب: "إنني مع كل دعم لتحرير وطني وبلدي حتى لو كان من الشيطان ما دام لا يشترط ما يسلبني الحرية أو حق وطني في التحرر".
هذا هو كلام السياسة وحنكة السياسي، ومنذ بدء العدوان على غزة فأمريكا تصل إلى حماسة للكيان الصهيوني وهي التي تملي شروطاً "إسرائيلية" في أي خطوة أو اتفاق، فهل من أحد يقول شيئاً من هذا أو غيره كشروط لروسيا والصين؟
مثل هذا قد يروج أمريكياً سياسياً وإعلامياً وهدفه ليس أكثر من خدمة الكيان الصهيوني، ولكنه لا أساس له ولا واقع كما كان الاتحاد السوفييتي يريد أو يطلب الخيار الشيوعي، وذلك معروف كبداهة، ومع ذلك فالسياسة والإعلام الغربي الموجه من الرأسمالية والصهيونية يمارس الشيطنة للمغايرة وباحترافية تفوق أي شيطنة وشياطين وفوق إبليس وكل قدرات الأبلسة.
ربما لا توجد عمالة في التاريخ مثل عمالة أنظمة منطقتنا لأمريكا بل وحتى لـ"إسرائيل"، ومع ذلك فأمريكا بإعلامها وعملائها قد يمولون حملة تكيل عمالة طرف أو فصيل لإيران بما قد يصيغ واقعاً أو يؤثر فيه إلى درجة إحساسك لحاجية الدفاع ولتبرئة ذلك من أكذوبة العمالة لإيران.
ارجعوا لحملة شيطنة السوفييت، وحتى حملة شيطنة روسيا في الشهور الأولى أو العام الأول للحرب في أوكرانيا، وما أوصلونا إليه كأمر واقع، وارجعوا لحملة الترويج لكورونا الفيروس، أو المرض (سيان)، وقارنوا ذلك بأي حملات لأمريكا والغرب سياسياً وإعلامياً.
في ظل حكم شرطي الغرب (الشاه) لإيران لم نكن نسمع -والكثير لا يعرف- عن مجوسية أو مجوس؛ ولكن استقلالية إيران بعد ثورة الخميني باتت شيطنة المجوسية، تجاوزها، هي العبادة لأمريكا كما عبادة الأصنام، ولم يكن جهاد أفغانستان والشيشان إلا مستوى من هذه العبادة والتعبد لأمريكا، فأمريكا حين تريد أن تعيدنا إلى الجاهلية الأولى أو تصيغ لنا جاهلية "مودرن" تتجسد في وجهي اللعبة والصناعة الأمريكية، وهي الإرهاب والحرب ضد الإرهاب، ومن لم يصدق هذه الحملات الأمريكية الغربية يصبح في حاجة على الأقل للدفاع أو لتبرئة نفسه.
ولهذا فإن أمريكا لم تعد تحتاج أو تستعمل مفردة الإلحاد، فهذه المفردة لم تعد تتداول في الإعلام العربي، ويتداول "الإرهاب" و"الحرب ضد الإرهاب" بأمر أمريكي، بل والمضحك أن أمريكا حين تسير في سيناريو تثوير وثورات كما حالة 2011، يسايرها إعلام دول ظلت الأكثر رفضاً وحساسية حتى لمفردة "الثورة" وإن قالت أمريكا "الأسد يذبح شعبه"، فالإعلام في منطقتنا لا يمتلك غير القول "آمين".
أمريكا هيمنت على العالم واستفردت بالمنطقة بعد تفتت الاتحاد السوفييتي وبات هذا العالم لا يملك غير القول "آمين" لكل ما تفعل وتريد أمريكا، والاستثناء في ذلك لا يقاس، وحتى روسيا والصين كانتا تقولان "آمين" في مجلس الأمن كأمر واقع.
لكن هذا الحال تغير، وهذا الأمر الواقع اختلف منذ الحرب في أوكرانيا، ويعني منطقتنا كأنظمة وشعوب أن تتحرر من "آمين" المفروضة أمريكياً و"إسرائيلياً"، وأن تعي أن مشكلتنا الكبرى ليست في سيناريو "الإرهاب والحرب ضد الإرهاب" وليس في مجوس ولا هندوس وأي تخريجات وعناوين من ذات المطبخ التآمري "الهوليوودي".
مشكلتنا هي الاستعمار الذي تطور إلى الاستعمال، وأن يظل بيننا من يقبل بهذا الاستعمال المسف والمخزي حتى وقد بات أوضح من الوضوح أن ذلك ليس من مصلحة أمتنا ولا شعوبنا ولا حتى أنظمتنا ومنها الطائعة والمطبعة.
لست على الإطلاق بصدد هجوم أو هجاء تجاه أي نطام أو أنظمة لأنني مازلت أثق في قدرة كل هذه الأنظمة على استيعاب التاريخ والتجارب القريبة والأبعد لاستنهاض يحقق اتزاناً وتوازناً في أداء المنطقة ويستشف المستقبل من منظور المتغير والتغيير.
نحن فقط يعنينا انتزاع حريتنا وإعادة الاعتبار لكرامتنا وانتزاع كل حقوقنا من أمريكا والكيان الصهيوني أو غيرهما بمعايير الحق والحقوق، وبالتالي فالعداء الأمريكي هو خيارها تجاهنا فيما لسنا مع خيار عداء أو استعداء فوق أو خارج الاستحقاقات والحقوق المعروفة في كل الشرائع والأديان بما فيها مواثيق الأمم المتحدة.
لا قضية لنا في هذا السياق ولا حتى خلافات مع روسيا والصين بعد تجاوز الشيوعية كأيديولوجيا، ولكن أمريكا قد تختلق قضايا من دهاليزها الشيطانية وقد تجعل من "نافلني" قضية قضايانا لنحارب روسيا والصين، حتى ونحن لا ندري ولا نعي من نحارب ولماذا نحارب، وحالة أفغانستان والشيشان مازالت حاضرة، فلماذا حاربنا؟! ومع من؟! ومن أجل من؟! فهل من أو مجيب اليوم؟!

أترك تعليقاً

التعليقات