بين «عربات جدعون» و«حل الدولتين»!
- صريح صالح القاز الثلاثاء , 27 مـايـو , 2025 الساعة 1:09:54 AM
- 0 تعليقات
د. صريح صالح القاز / لا ميديا -
هل هناك علاقة بين تنفيذ عملية «عربات جدعون» ومؤتمر «حل الدولتين» المرتقب انعقاده في نيويورك في يونيو القادم؟ فما هي «عربات جدعون»؟ وماذا عن هذا المؤتمر؟
كما هو معلوم، فإن «عربات جدعون» هي عملية عسكرية واسعة تنفذها قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، بمشاركة أكثر من خمسة فيالق عسكرية، وتضم العديد من الألوية ذات الأحجام والتخصصات المختلفة.
ويُراد منها -وفق المزاعم «الإسرائيلية»- احتلال قطاع غزة. ولا شك في أن الكيان «الإسرائيلي» يسعى من ورائها إلى تحقيق هدفين: أولهما: تدمير المقاومة أو الضغط عليها بشدة لتحرير الأسرى «الإسرائيليين»؛ وثانيهما: خلق معطيات ومعالم جديدة على الأرض، لعلها تجعل أي تصورات دولية لقيام دولة فلسطينية أمراً غير ممكن، لا جغرافياً ولا ديموغرافياً.
وأكثر ما يُزعج الكيان «الإسرائيلي» في هذه المرحلة هو استمرار الفعل المقاوِم داخل القطاع، إلى جانب الضغط الدولي غير المسبوق، والمتمثل في العقوبات الاقتصادية، وإعلان عدد من الدول جديّتها في إعادة النظر في الشراكة الاقتصادية معه، بل وإفصاح بعضها عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين قريباً.
ويبدو أن هناك اندفاعاً «إسرائيلياً» متسارعاً لتنفيذ هذه العملية العسكرية في ظل هذه التطورات، وكإجراء استباقي قبيل انعقاد مؤتمر «حل الدولتين»، المرتقب عقده في مقر الأمم المتحدة بنيويورك منتصف يونيو القادم، والذي دعت إليه كلٌّ من السعودية وفرنسا، ووافقهما في ذلك عدد من الدول العربية.
ولعل هذا التخبط والتهور يعكسان إدراك الكيان «الإسرائيلي» المبكر لحجم التهديد الكامن في أبرز أهداف هذا المؤتمر، والتي تُعدّ -بحسب بعض التسريبات- منطلقاً لتغيير جذري في تعاطي المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية، لاسيما في ظل الصمت الأمريكي المريب إزاء هذا المؤتمر إلى جانب الإطالة التي تشهدها الحرب، والتي تؤكد للعالم صعوبة الحسم وتفاقم المأساة الإنسانية.
وتشير هذه التسريبات إلى أن من أهم مخرجات المؤتمر المرتقبة: الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، ووضع خطوات عملية لتنفيذ حل الدولتين، وتشجيع مزيد من الدول على الاعتراف بها ضمن حدود عام 1967.
كما يتضمّن المؤتمر المرتقب خارطة طريق تشمل إصلاح السلطة الفلسطينية، وتقديم ضمانات أمنية لـ«إسرائيل»، وتشكيل إدارة مستقرة لقطاع غزة، والشروع في عملية إعادة الإعمار، وكل ذلك استناداً إلى المقررات الأممية، ولاسيما الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، الذي اعتبر استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية أمراً غير قانوني، ودعا إلى إنهائه فوراً. إلى جانب ذلك، يتضمن المؤتمر تطمينات للكيان «الإسرائيلي» باستمرار مسار التطبيع العربي معه.
ورغم أهمية هذا المؤتمر، الذي يُعقد تحت هذا العنوان المثالي «حل الدولتين»، فإن فرص نجاحه تبقى محل شكّ، في ظل تعنّت نتنياهو وحكومة السابع من أكتوبر المتطرفة، ورفضها حتى اللحظة تقديم أي تنازلات سياسية قد تُفضي إلى إنهاء الصراع، أو حتى القبول بحدود 1967 كمرجعية.
وما يعزّز هذا التقدير هو استعجال حكومة الاحتلال بتنفيذ عملية «عربات جدعون» في هذه المرحلة بالذات، كمقامرة سياسية منها تنوي فرض أمر واقع ميداني قبل فرض أي تسوية دولية، وذلك لقلقها من أن إطالة أمد الحرب كما أسلفنا، فضلاً عن الإخفاق في تحقيق أهدافها - حتى جزئياً، سيُستغل سياسياً من قبل خصومها في الداخل، وقد يُحدث شرخاً كبيراً في شعبيتها، ويوفر للمعارضة فرصة لوصف نهجها الأمني والعسكري بالفشل الذريع ويعريها سياسياً ومجتمعياً في الحاضر والمستقبل.
في المقابل، فإن المقاومة لم ولن تقبل بفكرة نزع سلاحها أو استبعادها من أي إدارة مستقبلية لقطاع غزة، بعد كل هذه التضحيات؛ لكونها لم تعد تثق بأي ضمانات، سواء كانت عربية أم إقليمية أم دولية، لاسيما بعد انقلاب نتنياهو على الاتفاق الأخير قبل تنفيذ المرحلة الثانية منه، في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ أي موقف فعّال إزاء ذلك.
وفي ضوء هذا المشهد المتشابك والمتداخل، نطرح هذا التساؤل: هل سيتمكّن نتنياهو من فرض هندسته الجغرافية والديمغرافية للصراع عبر «عربات جدعون»، قبل أن يفرض عليه المجتمع الدولي خارطة سياسية جديدة في نيويورك؟ أم أن المقاومة نفسها، بحسابات الميدان والصمود، ستُفشل ما يُراهن عليه قبل غيرها؟
المصدر صريح صالح القاز
زيارة جميع مقالات: صريح صالح القاز